يعي جيل المخضرمين من متابعي كرة القدم وعشاقها أن اللعبة تتغير، ربما هي متطلبات "التطور" الذي يطرأ عليها، لكنها تتغير. منذ اختراعها وحتى سنوات قليلة مضت، كان التطور هذا ينحصر فقط على قوانينها، أما الآن، فأصبح يطول كل شيء يتعلق فيها.
لغة المال والأرقام والإعلام دخلت بقوة على كرة القدم، غيرت مفاهيم وأسساً كثيرة اعتاد عشاقها القدامى متابعتها. وقد يكون أسوأ جزء تأثر بهذه "اللغة الجديدة" لكرة القدم، هو شخصية اللاعبين. انخراطهم بها وتورطهم هم ومديري أعمالهم بات ملفتاً و"مزعجاً" في الفترة الأخيرة.
فيما مضى، كان انتقال لاعب كبير من نادٍ لآخر يؤدي إلى شرخ كبير بين الناديين وحقد أكبر بين الجماهير، أدى في حالات كثيرة لمشادات وصراعات أوصلت البعض إلى المستشفى والبعض الآخر إلى السجن.
فيما مضى، كان أحد أكثر الأمور "رهبةً" لأي لاعب هو أن يلعب مباراته الأولى ضد فريقه السابق. وإحدى أصعب اللحظات، مواجهة جمهور فريقه السابق. ولنا في لويس فيغو وروبرتو بادجو ورونالدو، عبرة.
حينها، كان هناك عدد قليل من اللاعبين الذين لا يأبهون لهذا الأمر ولا يعيرونه انتباها أو أهمية، وكان شعارهم: الاحترافية. على سبيل المثال لا الحصر زلاتان إبراهيموفيتش مثلاً، منذ بداياته، لم يأبه لأقوال الصحف ونظرة الجماهير، هو"محترف"، والاحتراف يتطلب أن تضع العاطفة جانباً.
وربما لهذا السبب تحديداً، كان وداع فرانشسكو توتي مؤثراً للجميع حتى لخصومه، فمعه، يعتبر كثيرون أنهم ودعوا أحد آخر الأوفياء، أحد رموز الزمن الجميل، زمن كرة القدم التي يعشقونها.
عُكست الآية اليوم، أصبحت نوعية زلاتان هي الغالبة، ونوعية توتي ودل بييرو ومالديني هي النادرة بل تكاد تنقرض. لكن بين هذا وذاك، لا يزال يوجد نوعية هي نادرة أصلاً، ذلك اللاعب الذي ينتمي لفئة الأوفياء، لكن لناديه الأول.
هذا اللاعب الذي يلعب لنادٍ معين لفترة طويلة، وينجح معه، لكنه لا يمانع بل يتمنى أن يعود إلى ناديه الأول ويختم مسيرته معه. هذا الأمر نجده عند لاعبي أميركا اللاتينية بكثرة، أغلب النجوم يعودون لينهوا مسيرتهم الكروية في بلادهم وبالتحديد مع ناديهم الأول.
هذ ما فعله مثلاً نجم مانشستر يونايتد واين روني، ربما أو بالتأكيد كان من المستحيل أن نشاهد روني بقميص فريق إنكليزي آخر غير مان يونايتد، لو لم يكن فريقه الأول وعشقه الأول. وهذا ما فعله أيضاً فرناندو توريس، الجميع لاحظ عودة "البريق" لهذا اللاعب بعد عودته لفريقه الأول، أتلتيكو مدريد، بعد فترة قضاها بالتنقل بين أكبر الأندية الأوروبية.
وهذا ما سيفعله الآن دييغو كوستا، الذي تنقل بين أندية أكثر من روني وتوريس بكل تأكيد، بل أيضاً بين أكثر من منتخب، فهو لعب بقميص البرازيل، مسقط رأسه، ولاحقا مع منتخب إسبانيا التي يحمل جنسيتها.
وعلى الرغم من تنقله بين كثير من الأندية، وعلى الرغم من تألقه الموسم الماضي مع تشلسي في الدوري الإنكليزي، إلا أن كوستا كان مستعداً للتخلي عن اي شيء ليعود إلى النادي الذي يعشقه وتألق معه، أتلتيكو مدريد.
اليوم، سينتظر الجميع عودة كوستا، البعض، يريد أن يرى ماذا سيفعل، ويريد أن يثبت أن كوستا أخطأ بالتعامل مع إدارة تشلسي، والبعض الآخر، جمهور القدامى، يريد أن يستمتع مجدداً برؤية مشهد من مشاهد الزمن الجميل، زمن كرة القدم التي يعشقها.