بيندكت أندرسون: غروب مخيّلة

14 ديسمبر 2015
(أندرسون في جامعة شيكاغو، تصوير: شاز رازول)
+ الخط -

في أندونيسيا، التي اعتبرها الصحافي الكندي جيت هير "موطنه"، رحل اليوم المفكر الأنغلو إيرلندي بينديكت أندرسون، وهو الذي ولد قبل 79 عاماً في الصين. وفي منتصف هذه الرحلة، وضع كتاباً مرجعياً بعنوان "الجماعات المخيلة" (1983).

بين مدارات العلوم السياسية ونظرياتها والدراسات الثقافية وآفاقها، تحرّك أندرسون. وكانت القومية ومفاهيمهما الحقل الذي كرّس جهوده من أجل فهمه، ولعل الوعي العالمي الجديد لهذه الفكرة يدين إليه، إلى جانب مساهمات إريك هاوبزباوم وإرنست غلنر.

لتفسير شعور الانتماء إلى جماعة، يعود أندرسون إلى أوغل الطبقات النفسية من جهة، وأعمقها تاريخياً من أخرى. كانت أسئلة/ منطلقات أندرسون ضاربة في العمق: كيف يكوّن الناس اعتقادات الانتماء لديهم، ويصنفون أنفسهم ضمن أمة، ويعيشون على هذا الوضع بكل وفاء؟

من هذا السؤال، سيبدأ تطوير مفهوم "المخيلة الجماعية"، ومن خلالها يعيد صياغة تعريف الأمة بأنها "جماعة سياسية متخيلة جماعياً"؛ أي أنها تجمع أناساً لا يعرفون بعضهم بعضاً، ولكنهم يلتقون عند فكرة عامة تُحدّد لهم هويتهم.

في بنائه لنظريّته، يضعنا أندرسون أمام المساحات التي تحتاجها الهويات القومية كي تتشكل؛ إنها تحتاج أساساً إلى ثلاثة فضاءات يتركها، من جهة، تراجع اللغة الدينية المقدسة في الحياة، ومن أخرى، تراجع سيطرة السلالات على الدول، ومن ثالثة نشوء فهم للزمن يفصله عن الفهم المرتبط بالمعجم الغيبي.

ما يُحسب لـ أندرسون هو تخلّصه من النظر إلى التاريخ من موقع المركزية الغربية؛ إذ بنى نظرياته عبر أمثلة عن دول في جنوب شرق آسيا وأخرى في القارة الأميركية وأخرى في أوروبا، دون أن يحجب عن نظره السياق التاريخي البشري العام. وعلى مستوى آخر، عمل أندرسون على تجاوز المرجعيات الأيديولوجية والمنهجية.

بعيداً عن "الجماعات المتخيّلة"، انصبّ معظم عمل أندرسون على الشؤون الجنوب آسيوية؛ حيث ألّف أكثر من عشرة أعمال حولها، خصوصاً عن أندونيسيا، إضافة إلى عودته إلى مُساءلة القومية في مؤلفات أخرى، مثل "القومية الغربية والقومية الشرقية: هل يوجد فرق؟" و"تحت ثلاثة أعلام: الفوضوية والمخيلة المضادة للاستعمار". 


اقرأ أيضاً: "الجماعات المتخيلة" في سياق عربي

المساهمون