أعاد الكشف عن ضلوع بطريركية الروم الأرثوذكس في القدس المحتلة بصفقة بيع أراض جديدة، إلى جهة مجهولة يرجح أنها مرتبطة بالاحتلال الإسرائيلي، تسليط الضوء على هيمنة اليونان على الكنيسة، ومطالبات بتعريبها، أو منح العرب دوراً في صنع القرار. وكان كُشف، مطلع الشهر الماضي، عن توقيع بطريركية الروم الأرثوذكس على صفقة باعت بموجبها أرضاً في مدينة قيسارية جنوب مدينة حيفا، مساحتها 840 دونماً، مقابل ثمن "بخس" بلغ مليون دولار أميركي. وأثارت الصفقة غضب أوساط فلسطينية، والقلق داخل الأوساط المسيحية التي حمّلت الهيمنة اليونانية على الكنيسة المسؤولية عن التفريط بأراضي الوقف الكنسي. ويقول عضو المجلس المركزي الأرثوذكسي، إحسان حمارنة، "نعيب على البطريركية التصرف بالأراضي على هذا النحو... اليونانيون يتصرفون بالأرض وكأنها أملاك خاصة بهم، متجاهلين أنها وقف أرثوذكسي... نحن العرب حريصون على تلك الأرض، ونعتبرها جزءًا من فلسطين التاريخية التي نرفض التفريط بذرة من ترابها".
وتحتوي قطعة الأرض الواقعة على الشاطئ آثاراً من حقبات تاريخية متعاقبة (رومانية وبيزنطية وإسلامية)، وهي تضم مدرجاً رومانياً وكنيسة قديمة، وميناء أثريا، ومسجدا من العصر الأموي. المعلومات الشحيحة المتوفرة حول الصفقة التي أبرمت بالخفاء، أو تحت الطاولة، كما يقول حمارنة، تبين أن الأرض بيعت إلى شركة تدعى "سانت فينسنت"، وهي مسجلة في جزيرة الغرينادين الواقعة في البحر الكاريبي، فيما مثل الشركة في عملية البيع محام إسرائيلي. ويبين حمارنة أن مساحة الأرض المباعة تفوق مساحة جزيرة الغرينادين، التي سجلت فيها الشركة، كما يعتقد جازماً أن الشركة ما هي إلا واجهة لشركة إسرائيلية، وهو ما يجري المجلس المركزي تحقيقاً للتأكد منه، ليصار إلى تبني موقف واضح من القضية. والأرض التي وقع البطريرك ثيوفيلوس الثالث، في يوليو/تموز 2015، على بيعها، كما وثقت وسائل إعلام إسرائيلية، سبق أن أجرتها البطريركية في عام 1974 لإسرائيل عبر ما يسمى "دائرة أراضي إسرائيل"، بعقد تأجير ينتهي في عام 2109، مقابل مليون و750 ألف دولار.
ويكشف حمارنة، لـ"العربي الجديد"، المبررات التي تسوقها البطريركية لإقدامها على بيع الأرض، موضحاً "تقول البطريركية إنها باعت الأرض، تحسباً لقانون إسرائيلي قيد الإعداد يسمح لسلطات الاحتلال بمصادرة الأراضي المؤجرة له بعقود طويلة، وبذلك رأت أن بيعها أكثر نفعاً من مصادرتها مستقبلاً". ويرفض المبررات التي تسوقها البطريركية. وقال "حتى لو كان المبرر حقيقياً، فالأولى بيع الأرض إلى عنصر عربي. المهم ألا تباع للعنصر الإسرائيلي. وحتى لو صادرت إسرائيل الأرض فذلك أفضل لتاريخنا ومستقبلنا. في النهاية يوجد قانون دولي ومحاسبة وحق تاريخي سبقي، المهم ألا يكون لدى الاحتلال وثيقة على أنه أصبح يملك الأرض".
المصير الذي آلت إليه أرض قيسارية، يضعه حمارنة في سياق الهيمنة اليونانية على الكنيسة، والتي تسهل مستقبلاً أن تلاقي أراض أخرى من الوقف المسيحي مصير أرض قيسارية، والأراضي التي سبقتها تأجيراً أو بيعاً لإسرائيل. ويشرح "المشكلة في غياب الشفافية المالية، لا يوجد ميزانيات، ولا أحد يعرف عن الأموال التي تدخل البطريركية أو تلك التي يتم إنفاقها، ولا يوجد سجلات موثقة لأراضي الوقف الكنسي. نعرف أن الكنيسة تملك ثلث أراضي القدس القديمة وعشرات آلاف الدونمات في فلسطين التاريخية، لكن لا يوجد بيانات تفصيلية لتلك الأراضي. لا أحد يعرف مساحة الأراضي المؤجرة أو تلك التي تم بيعها. يوجد تعتيم كبير من قبل البطريركية". غياب الشفافية، التي يطالب المسيحيون العرب بها، تتعارض وأحكام القانون الأردني رقم 27 لسنة 1958 الذي تخضع له بطريركية الروم الأرثوذكسية المقدسية، والذي ينص على إعداد موازنة سنوية للبطريركية ويشترط عرضها على المجلس المختلط من أجل إقرارها. ويقول حمارنة "هذا الأمر لا يحصل، وفي الأساس فإن المجلس المختلط معطل"، مضيفاً "صفقات البيع والتأجير التي تعقدها البطريركية مع إسرائيل تتم بالخفاء ومن دون شفافية أو إعلان، وغالباً ما يعلن عنها أو تكتشف بعد عشرات السنين، ما يعيق محاسبة المتورطين".
مشكلة أرض قيسارية، والسيطرة اليونانية على الكنيسة والتي تسهل التفريط بالأرض، طرحها عضو البرلمان الأردني، قيس زيادين، تحت قبة البرلمان، قبل أسبوع، مطالباً الحكومة الأردنية القيام بدورها في تطبيق قانون البطريركية لسنة 1958. وأكد حينها عروبة الكنيسة، منتقداً سيطرة اليونانيين، الذين وصفهم بالمفرطين، عليها. ومنذ سنوات تتعالى أصوات المسيحيين العرب للمطالبة بتعريب الكنيسة، منتقدين ما يصفونه بتهميش اليونان للعنصر العربي وإقصاء الكهنة والرهبان العرب. ويقول حمارنة "نحن لا نتحدث بتعريب الكنيسة، نريد مشاركة عربية في صناعة القرار، نريد أن ينتهي الظلم التاريخي الذي يتعرض له العرب داخل الكنيسة على يد اليونان. لو كان العنصر العربي مشاركاً في صناعة القرار لما شهدنا كل عمليات البيع والتأجير".