قد يصحّ القول إن المبادرات الفردية هي التي تنعش الثقافة في بيروت، لكن أيضاً يجوز الحديث عن أن المدينة هي التي تغري هذه المبادرات بالظهور. فعلى الرغم من الوضع الأمني المتدهور منذ بداية العام، والقلق الذي لا يتوقف على الحدود الشرقية من البلاد، فإن اللبنانيين لم ينصرفوا في عام 2014 عن انشغالاتهم الثقافية والفكرية والفنية، بل يبدو أن الثقافة تزدهر كفعل أهلي مقاوم لثقافة العنف التي تطل بين حين وآخر.
مبادرات فردية هي نتيجة توافق بين مجموعات صغيرة، ينطوي أفرادها في هيئات وجمعيات، أعلنت تحدّيها وانطلقت في إحياء أنشطة ثقافية وفنية في ظلّ غياب أي دعم حكومي. فوزارة الثقافة غائبة تماماً عن هموم المثقف وشؤونه وشجونه، أو لنقل إنها في غفلة عن الحراك الثقافي في البلاد. ومع ذلك يُسجّل لها رعايتها حفلاً تكريمياً للأخوين فليفل، اللذين أصدرت "جمعية عرب الموسيقية" كتاباً توثيقياً عن سيرتهما الموسيقية بعنوان "اللحن الثائر". وأيضاً إصدارها طوابع بريدية تحمل صور الشعراء الذين رحلوا هذا العام.
ويبقى "معرض بيروت العربي الدولي للكتاب" من أبرز الفعاليات الثقافية التي تُنظم في العاصمة اللبنانية. وكما جرت عليه العادة كل سنة، فقد تضمنت دورة هذه السنة العديد من الندوات الفكرية والأدبية حول شخصيات ثقافية رحلت عن عالمنا. ومن أبرزها الندوة التي أقيمت بمناسبة مئوية العلامة الشيخ عبد الله العلايلي.
وعلى هامش تواقيع الكتب حضرت أسماء عديدة كالجزائري واسيني الاعرج مع كتابه الجديد "سيرة المنتهى"، والسوري فواز حداد موقّعاً عمله الروائي الأخير "السوريون الأعداء"، وأيضاً الروائي اللبناني حسن داوود مع "نقّل فؤادك" والشاعر عبّاس بيضون الذي وقع مجموعته الشعرية الأخيرة "صلاة لبداية الصقيع".
طبعاً، يحضر معرض بيروت متوّجاً معارض أخرى باتت تقليداً سنوياً أيضاً، كـ"المهرجان اللبناني للكتاب" في أنطلياس، و"معرض الكتاب الفرنكوفوني" في البيال.
واللافت على صعيد الإصدارات الأدبية هو صعود الرواية على حساب الأشكال الأدبية الأخرى. وإلى جانب الأسماء النسوية المكرّسة روائياً، بدت لافتة رواية نرمين الخنسا "شخص آخر"، ورواية ماري القصيفي "للجبل عندنا خمسة فصول"، وحنان باكير في كتابها "قصة ثائر" وهو دراما توثيقية حول الثورة في فلسطين أيام "الانتداب" البريطاني.
لا شك أنّ الرواية تقدّمت على الشعر، الذي بقي ضامراً وفي حدود مُتخلّفة نسبياً. فقد شهدت الأولى صعوداً مضطرداً وإقبالاً شعبياً، الأمر الذي كشفت عنه لوائح المبيعات التي أصدرها "النادي الثقافي العربي" في ختام معرض بيروت.
مسرحياً، تمكنت بعض الأعمال من فرض نفسها رغم شروط الإنتاج الصعبة وغياب الإقبال الجماهيري. فنلحظ حضوراً مميزاً للمسرحية الكوميدية "بيروت طريق الجديدة" من تأليف وإخراج يحيى جابر وأداء زياد عيتاني، ومسرحية "هشك بشك شو" وهي عرض موسيقي مستوحى من موسيقى الكاباريهات التي كانت منتشرة في مصر في النصف الأول من القرن الماضي، وعرض "هيدا مش فيلم مصري" الذي هو عبارة عن شهادات تتناول مواضيع العنف ضدّ المرأة من إعداد وإخراج لينا أبيض.
سينمائياً، برزت أسماء شابة مثل كريم الرحباني مع شريطه "ومع روحك"، وأيضاً زينة دكاش التي حصل فيلمها "يوميات شهرزاد" على جائزة أفضل فيلم وثائقي في "مهرجان بيروت الدولي للسينما"، إضافة إلى صدور فيلم "السهل" لغسان سلهب. يضاف إلى كل ما سبق العديد من المعارض التشكيلية والفوتوغرافية التي لم تنقطع عن بيروت المستمرة في تطلعها إلى أفق ثقافي لا يستجيب إلى واقعه السياسي المضطرب.