بيدرسون والقضية السورية.. مقدمات الفشل

13 يناير 2019

غير بيدرسون في الضاحية الجنوبية في بيروت (28/8/2006/فرانس برس)

+ الخط -
بدأ مبعوث الأمم المتحدة الجديد إلى سورية، غير بيدرسون، مهمته في السابع من شهر يناير/ كانون الثاني الجاري، برسالة نشرها على "تويتر"، أكد فيها عزمه على القيام بـ"مساع حميدة من أجل تحقيق الحل السلمي وتطبيق القرار 2254"، وأنه سوف يعمل "من أجل خدمة الشعب السوري وتطلعاته من أجل السلام".
ولا شك في أن غالبية الشعب السوري تنتظر ما الذي سيقدمه، وتأمل منه القيام بكل ما يلزم من جهود ومساع فعلية، من أجل تحقيق أهداف مهمته التي أعلنها في رسالته، وذلك كي لا ينتهي الأمر به إلى الفشل الذي اعترى مهمة سلفه ستيفان دي ميستورا، الذي أمضى أكثر من أربع سنوات، من دون أن يحرز أي تقدّم باتجاه الحل السياسي.
ولا تنقص الديبلوماسي النرويجي بيدرسون الخبرة الديبلوماسية، فهو على اطلاع على الأزمات الدولية، كما لم يكن ينقص نظراءه السابقين، كوفي أنان والأخضر الإبراهيمي وستيفان دي ميستورا، إذ لم تكن مشكلة وساطتهم الأممية كامنةً في قلة خبرتهم وتجربتهم وحنكتهم، بل في حساباتهم الزائدة للقوى الدولية المؤثرة في القضية السورية، وخضوعهم لتأثيراتها وضغوطها، إضافة إلى المقدمة الخاطئة التي انطلقوا منها لتنفيذ مهامهم الأممية، وتجسّدت في قناعةٍ مفادها بأن أصل القضية وفصلها يكمن في صراع مسلح ما بين النظام الأسدي والمعارضة، وتعاموا عن أن أصل المشكلة هو في نظام حكم مستبد وإجرامي، واجه، منذ البداية، ملايين السوريين الذين خرجوا ضده في تظاهراتٍ سلمية، بالقوة المفرطة، واستخدم ضدهم كل أنواع الأسلحة، بما فيها السلاح الكيميائي، والبراميل المتفجرة، وسواهما.
ولعل تعيين بيدرسون مبعوثاً رابعاً للقضية السورية يعبّر عن أزمةٍ عميقةٍ لدى المنظمة الأممية التي عادة ما تتدخل في الأزمات الدولية عبر الأخذ بإرهاصاتها ونتائجها، من دون النظر إلى 
جذورها وأسبابها، وهذا ما قاد المبعوثين الأمميين السابقين إلى سورية إلى التعامل مع القضية السورية بوصفها نزاعاً مسلحاً، وليس قضية سياسية، تكمن في مطالب التغيير السياسي التي خرج من أجلها غالبية السوريين في ثورةٍ ضد طغيان نظام ديكتاتوري مستبد. لذلك، المأمول من بيدرسون أن يأخذ في حسبانه جذور القضية السورية وأسبابها، وأن لا يهمل جانبيْها، الأخلاقي والإنساني، كما فعل نظراؤه السابقون، عندما تساوى عندهم الضحية والجلاد، وركّزوا جهودهم على أطراف الصراع وحلفائهم، وانحازوا إلى الطرف القوي أولاً، وإلى من يحمل السلاح ثانياً، أما المدنيون العزل فقد نظروا إليهم بوصفهم ضحايا نزاع أهلي، ولذلك تعاموا عن جرائم نظام الأسد وحلفائه، وعن جرائم الحرب والجرائم العادية، وعن تشريد أكثر من نصف السوريين إلى المنافي.
وتتطلب القضية السورية تعاملاً مختلفاً من بيدرسون، كي ينجح في مهمته، وأن لا يعيد ما قام به سلفه دي ميستورا الذي عمل جاهداً أكثر من أربع سنوات من أجل إفراغ القضية السورية من أي بعد سياسي، وتمييع قرار مجلس الأمن 2254، وإفراغه من محتواه عبر حمولات سلاله الأربع التي اجترحها، وحصر مفاوضات جنيف في جولاتها التسع في مسائل إجرائية، أو تقنية وأمنية، مبتعداً عن جوهر مهمته التي كلف بها.
ويعي بيدرسون أن جهود دي ميستورا لم تصبّ في صالح مسار جنيف، المعترف به أممياً، ويحظى بشرعية أممية، عندما ذهب لكي يضفي شرعية أممية على مساري أستانة وسوتشي اللذين اجترحهما الروس، كي يفصلوا القضية السورية عن أساسها السياسي، ويجعلوا منها قضية أمنية وعسكرية، لكي يغطّوا على المجازر التي ارتكبها النظام الأسدي، ويستفردوا بمناطق "خفض التصعيد" التي أسقطوها لصالح هذا النظام.
وإذا كان بيدرسون سيعمل من أجل الوصول إلى حل سياسي، حسبما وعد في رسالته الأولى، فذلك يتطلب منه أن يعيد الوجاهة والأولوية إلى مسار جنيف، بالعمل على تطبيق القرارات الأممية ذات الصلة، وخصوصاً القرارين 2254 و2018، وبيان جنيف 1 في 30 يونيو/ حزيران 2012، التي عمل دي ميستورا على إفراغها من محتواها، رضوخاً لضغوط نظام الرئيس الروسي، بوتين، والذي عمل على ضرب مرجعية جنيف التفاوضية، وحوّل عملية التفاوض السياسي إلى مجرد عملية تفاوض تقني، حصرها في المسألة الدستورية التي لا يزال يماطل في الإفراج عن أسماء أعضاء القائمة الثالثة، الخاصة بالمجتمع المدني، كي يلغي بذلك أي دور أممي في العملية الدستورية.
ولا شك في أن بيدرسون سمع اشتراطات نائب وزير خارجية النظام الأسدي، فيصل المقداد، كي يتعاون معه، وحددها في الابتعاد "عن أساليب من سبقه، وأن يعلن ولاءه لوحدة أرض وشعب سورية، وألا يقف إلى جانب الإرهابيين". وهذا يقضي بأن تعاون النظام الأسدي مع بيدرسون مشروط بقبوله إملاءات هذا النظام، ما يعني أنه لن يتعاون إلا بشروطه البعيدة كل البعد عن القرارات الأممية، وعن أي حل سياسي يلبي تطلعات الشعب السوري من أجل السلام، حسبما وعد بيدرسون في رسالته.

ويبدو أن ما سيقدمه بيدرسون للقضية السورية سيصطدم بالعراقيل التي سيضعها النظام وحلفاؤه في نظامي بوتين وطهران، وبما تقتضيه من صمت على جرائم نظام الأسد، ومسايرة التدخل المليشياوي للنظام الإيراني، وغض الطرف عما يقوم به نظام بوتين من تدخل عسكري مباشر إلى جانب نظام الأسد. ولذلك، تبدو مقدمات الفشل جلية في الأفق، خصوصا بعد إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، سحب قوات بلاده من سورية الذي قد يعني انسحاباً من الملف السوري برمته، واستفراد نظام بوتين وحلفائه بالقضية السورية برمتها، وبالتالي إفشال أي مسعىً أممي يرمي إلى إيجاد حل سياسي.
وينتظر غالبية السوريين ما سيقدمه بيدرسون لتحقيق مهمته، القاضية بتسيهل الوصول إلى حل سياسي، ولذلك يطرحون أسئلة عديدة عن الطريقة التي ستعامل بها مع قضيتهم، وهل سيختلف تعامله وأسلوبه عما قام به سلفه دي ميستورا، أم سيمضي في الطريق نفسها، خصوصا أنهم باتوا يتساءلون عن دور الأمم المتحدة في قضيتهم، وعمّا إذا كان دورها يهدف بالفعل إلى إيجاد حلول سياسية، تلبي طموحاتهم في التغيير السياسي، ونيل الحرية والتحرّر، أم أنه بات يشكل عامل إعاقة أمام مطالبهم العادلة، وطموحاتهم المشروعة.
5BB650EA-E08F-4F79-8739-D0B95F96F3E1
عمر كوش

كاتب وباحث سوري، من مؤلفاته "أقلمة المفاهيم: تحولات المفهوم في ارتحاله"، "الامبراطورية الجديدة: تغاير المفاهيم واختلاف الحقوق".