بيت الطالبات: وطن بين أربعة جدران

03 سبتمبر 2014
وطن الفتيات الصغير (Getty)
+ الخط -
يجلسنَ حول الطاولة المستديرة في المطبخ المشترك. يتبادلنَ الأحاديث حول الطعام الذي أحضرته كلّ واحدة من بيت أهلها هذا الأسبوع. يبدينَ حماستهنَّ عند سماع أسماء أكلات لم يعرفنَ عنها من قبل. بعد دقائق، تجد أكثر من ثماني فتيات يتجمعنَّ حول إحداهنّ. يحاولنَ إقناعها بتجربة "طبخة الكوسا المحشي". يذكرنَها بالمرّة السابقة حين أقنعتهنّ، هي، بأن يجرّبن أكل طبخة "البامية".

تمرّ دقائق قليلة قبل أن يصرخنَ جميعهنَّ صرخة النصر. نجحت المحاولة، واعترفت الفتاة بأنّ الطبخة أعجبتها، علماً أنّ أمّها حاولت مراراً إقناعها ولم تفلح. هنا، لا تتشارك الفتيات طعامهن أو تجربة "الكوسا المحشي" فقط. هنا مكان التجارب. هنا لا مجال للاستقرار من دون مشاركة.

نتحدّث عن "بيت الطلبة" أو الـ"Dorms" باللغة الإنكليزية و"Foyer" باللغة الفرنسية. يتشاركنَ مبنىً من 3 طبقات. تضمّ كلّ طبقة 10غرف، وكلّ غرفة طالبتين، أي 20 فتاة في كلّ طبقة، يتشاركن حمّامين وغرفتين للاستحمام ومطبخاً. تتشابه الغرف الصغيرة التي لا تتعدّى مساحة كلّ منها ستّة أمتار مربّعة. يخلق هذا التشابه الدقيق فرصة أمام الفتيات للتميّز.

تحاول كلّ واحدة أن تخلق عالماً كاملاً لها في هذه المساحة الصغيرة. علّقت يارا صورة كبيرة لبوب مارلي على حائطها. أحضرت نايلة عصفوراً صغيراً من دون علم المسؤولين. علّقت زينة صوراً لها ولشريكتها على باب الغرفة. ووضعت إحدى الفتيات لافتة صغيرة على باب غرفتها تحذّر الفتيات الأخريات من المجيء إلى غرفتها بعد منتصف الليل من دون شوكولا.

تقول الفتيات هنا إنّ سرّ جمال المكان يكمن في تفاصيله. وتقول كيندا إنّ المتعة الأكبر هي في تناقضاته. هنا، تستطيع الواحدة السهر حتّى الفجر، والغناء والرقص. تستطيع أن تبكي بصوت مرتفع إذا ما تشاجرَت مع حبيبها. أن تشتم الأخريات في وجوههنّ. أن تخلق مشكلاً يدوم ثلاثة أيام بسبب الكنزة الزرقاء التي تريد ارتداءها، لتنتبه في ما بعد إلى أنّ الكنزة لا تخصّها أساساً. أن تتحدّث عن مشاكلها العائلية. أن تجاهر بإفلاسها. لا لأنّها ستجد من يقرضها المال، بل لأنّها ستجد 10 فتيات على الأقلّ يشاركنَها حالتها. تستطيع هنا أن تكون ضمن مجموعة طالما أنّها تريد ذلك. وستحسّ بالأمان إلى درجة أنّها تستطيع أن تمرض. نعم، تستطيع أن تمرض.

ستحاول الفتيات جميعهنّ تقديم النصائح وتشارك الأدوية. لن ينفعهنّ في شيء، لكنهنّ على الأقلّ لن يتركنَ المريضة وحدها. في المقابل، تستطيع الواحدة، متى أرادت، البقاء وحدها. أن تدخل غرفتها، عالمها الصغير، وتغلق الباب خلفها.

تستفيد الفتيات من فرص التعرّف إلى بيئات، خلفيات، طوائف ومذاهب مختلفة. ينمنَ في منازل بعضهنّ خلال العطل. يتعرفنّ إلى الأهل. يتناقشنَ حول الدين، السياسة، والعادات المختلفة.

يحضرنَ الأعراس، المآتم "بيت الطلبة هو وطننا الصغير"، تقول ضحى، بينما تلفت كيندا إلى انه"لو أردنا أن نبني وطناً مثالياً، لجعلناه بيتاً كبيراً للطلبة". لكنّ الوطن ليس مثالياً في النهاية وبيت الطلبة مثله.

تشتكي الفتيات من تصرفات بعضهنّ. يشكلنَ عصابة ضدّ فتيات لا ينظّفنَ المطبخ، أو اللواتي ينزعنَ الثياب من النشافة قبل أن تنهي عملها. يشتكينَ من الضجيج في فترة الامتحانات. أو ببساطة أكثر، قد لا يحببنَ إحداهنّ من دون أيّ مبرر.

تميز ضحى صديقاتها من وقع أقدامهنّ على الأدراج وطريقة طرقهنّ الباب. تعرف "الأكلة"، اللون، والأغنية المفضلة، العلاقات العاطفية الفاشلة، أعياد الميلاد والهدية الأنسب لكلّ واحدة. هنا تختارالفتاة عائلتها، منزلها، وتكتشف كيف تكون فرداً وكيف تكون ضمن مجموعة. هنا تعرف أنّ المكان لا يهم. الصحبة هي الأهم. هنا تبني وطناً بين أربعة جدران.
دلالات
المساهمون