بيترو باسو.. كيف تصنّع الإسلاموفوبيا

24 يوليو 2020
(بيترو باسو)
+ الخط -

يرى أستاذ علم الاجتماع الإيطالي بيترو باسو (1945)، في حواره مع "العربي الجديد"، أن صعود الإسلاموفوبيا في أوروبا، والغرب عموماً، لا ينفصل مطلقاً عن الاستعمار الجديد ضدّ بلدان الجنوب من إجل إدامة تقسيم السوق العالمية تحت سماء النيوليبرالية، وبالتالي يجب الاستمرار في شيطنة المهاجرين الوافدين إلى القارة العجوز بادعاء رفضهم الاندماج في مجتمعاتها.

يستعرض صاحب كتاب "صعود العبيد والمرأة: العنصرية القديمة والجديدة" السياقات التاريخية والثقافية التي أنتجت هذه الظاهرة، عبر توليد صورة محدّدة عن الإسلامية والمسلمين وتثبيتها لدى الشعوب الأوروبية والأميركية التي عليها أن تبقى في حالة تعبئة عامة ضدّ العرب والمسلمين، من أجل تبرير توجيه تلك الموارد لتغطية النفقات العسكرية والحرب ما وراء الحدود.

ويواصل تفكيكه للمشهد في كتابه "ضد الإسلاموفوبيا، العنصرية ضد المسلمين في أوروبا وآثارها الاجتماعية" (2020/ بالاشتراك مع فابيو بيروكو) الصادر عن "دار فضاءات"، ونقله إلى العربية زينب سعيد وربيع ونيش، حيث قام الأخير بترجم مقابلته هذه لـ"العربي الجديد"، والتي يخلص فيها إلى أن حروب الغرب في العالم الثالث تستهدف المهاجرين حيث تربطهم بالعدوّ الخارجي من جهة، وتأمرهم بـ"الولاء"، بمعنى العبودية، تجاه بلدان "الاستقبال" من جهة أخرى.

يطرح باسو هنا العديد من النقاط التي تتصل بالتعتيم الدائم الذي تمارسه البلدان الأوروبية على ماضيها الاستعماري بوصفه استعماراً "طيباً" أعانت من خلاله شعوب مستعمراتهم دخول العالم الحديث، وتمثيلها الكاريكاتوري للعالم الإسلامي باعتباره وحدة متراصة واحدة، وإصرارها على خضوع المرأة المسلمة لنظام أبوي فردي متعامية عن إخضاع المرأة الأووربية لنظام أبوي جماعية بصورة مغايرة.


في سياق صناعة الإسلاموفوبيا يوضح الكتاب عملية تمثيل المجتمعات الإسلامية بأنها "لا تفعل شيئا غير إنتاج الدين عن طريق الدين"، كيف اخترع الغرب هذه الصورة النمطية للعالم "الإسلامي"، وكيف تفككها؟

خلق هذه الصورة النمطية له جذور ضاربة في القدم. وإذا ما أردنا إعادة أطوار ولادتها علينا أن ننطلق من ذلك النداء القوي الذي كان يحث على إبادة الأتراك، إسلاميي ذاك العصر بامتياز، عندما أطلق البابا أوربانوس الثاني الحملة الصليبية الأولى من مدينة كلرمونت سنة 1095. ولكني أردت في هذا الكتاب التركيز على الصناعة الحالية للإسلاموفوبيا، أؤكد على مصطلح صناعة وأعتقد أن التغذية المستمرة للتّحيّز المعادي للإسلام يمرّ اليوم وبشكل أساسي عبر عمليتين ثقافيتين مرتبطتين ببعضهما البعض.

تكمن العملية الأولى في الإلحاح المهوس لوسائل الإعلام الغربية على لحظات الممارسة الدينيةـ فلا يمكن للمرء تخيّل عدد المرات التي تُمرّر فيها على وسائل الإعلام الإيطالية والأوروبية صور ومقاطع فيديو لجماهير من المسلمين وهم يصلون (نادراً ما ترى بينهم نساء). يهدف هذا الإصرار المهووس إلى تمثيل المجتمعات الحالية ذات التقاليد الإسلامية على أنها مجتمعات مُنغمسة تماماً في البعد الديني، وفي الوقت نفسه فهي مجتمعات مُتجمدة: "جبل لا يتحرك منذ 1400 سنة"، كما تمّ وصفها من طرف أحد دعاة الإسلاموفوباويين الأكثر شراسة، وهي الإيطالية أوريانا فللاتشي. وهي صاحبة الخطاب الحاقد الذي لقي رواجاً كبيراً: إن المسلمين "بدلاً من العمل والمساهمة في تحسين ظروف الإنسانية، يقضون كلّ وقتهم رافعين مؤخراتهم إلى الهواء، أي الصلاة خمس مرات في اليوم".

بينما تكمن العملية الثانية في الإلغاء التام للحياة اليومية الحقيقية للمجتمعات الحالية العربية وذات التقاليد الإسلامية. ففي وسائل الإعلام الأوروبية-الغربية لا حديث أبداً، أكرر: أبداً، عن الكم الهائل من العمل الزراعي والصناعي والتجاري الذي تقوم به هذه المجتمعات، كما أنه من المستحيل أن نشاهد في الصحف أو على التلفاز صورة صيّاد من غزة، أو عاملة نسيج تونسية، أو فلاح أردني، أو أمينة صندوق جزائرية، أو ممرض أو طبيب عراقي أو باكستاني. ولا حديث أبداً عن الإنتاج الثقافي والفني لهذا العالم الواسع والحيوي. باختصار، لا حديث أبداً ولا إظهار أبداً لكل ما من شأنه أن يقرّب أو حتى يجمع بين الشعوب الأوروبية ونظيرتها العربية. في المقابل، فقد يتمّ التشديد إلى أقصى حد على كل ما من شأنه أن يساهم في إبعاد هذه الشعوب في ما بينها. وهكذ فقد تبدو المجتمعات العربية و"الإسلامية" مكوّنة فقط من شيوخ مؤمنين "متعصبين" وجهاديين.

إصرار مهووس على اعتبار المجتمعات الاسلامية متجمّدة

إن النضال ضدّ صناعة الإسلاموفوبيا، لهدم الصور النمطية والتحيزات التي تنتجها هذه الصناعة، هو نضال قاس وصعب، ولكنه ضروري وممكن. هو معركة من أجل الحقيقة، لإظهار الواقع الحقيقي الاقتصادي  والاجتماعي والثقافي والديني للعالم العربي المعاصر الذي يعيش تحوّلات عميقة (فهو ليس متجمداً على الإطلاق)، زيادة على ذلك فعملية العلمنة التي يتجرّع مرارتها، مبرزاً في كل الأحوال كل ما من شأنه أن يقرًب بين عالم"نا" الأوروبي-الغربي والعالم العربي "الإسلامي". منذ مدة طويلة أشعر بأني طرف في هذه المعركة، ملتزم خصوصاً بتعريف الانتفاضات الشعبية العظيمة التي هزّت العالم العربي في 2011-2012 وفي 2018-2020 (كيف لها أن تكون إذاً مجتمعات جامدة منذ 14 قرناً!)، حتى وإن لم تحقق هذه الانتفاضات بعد الأهداف المرجوة. ولكنني لا أريد أن أبالغ في أهمية المعركة الثقافية ضد الإسلاموفوبيا، لأنني مقتنع تماماً بأن العقبة الأكبر أمام صناعتها تتمثل في تجّذر الهجرة العربية والإسلامية بإيطاليا وأوروبا والغرب، وهذا التجذر يسمح بذلك التبادل اليومي ويسمح بالتعوّد على اللقاءات اليومية والتضامن بين الطبقة الشغيلة على وجه الخصوص، ويُقرّب بشكل منيع بين الساكنة الأصيلة والمهاجرين الوافدين. قد يكون الحاضر تابعاً لعنصرية الدولة وللإسلاموفوبيا، ولكن مما لا شك فيه أن المستقبل سيكون غير ذلك تماماً! ولهذا فمن المهم جداً، كما كتبنا في كتابنا، تشجيع تجذر الشعوب المهاجرة الوافدة (كلً الشعوب المهاجرة الوافدة) والنقد علناً وبشكل جذري كل أشكال التمييز وانتهاك كرامتهم وحقوقهم.


تفنذ أيضاً في الكتاب تحريض الجمهور الأوروبي بأنه يتعرض إلى حرب على نمط عيشه ويهدد وجوده من قبل الإسلام السياسي، والجهادي منه خاصة، في تعمية على تاريخ الغرب الاستعماري الطويل الذي يفرض طوراً جديداً من الهيمنة. كيف يتم ذلك؟

وحتى في هذه الحالة نحن إزاء عملية التعتيم، وهذه العملية متجذرة حقّاً في إيطاليا، أكثر ما يكون عليه الحال في باقي الدول الأوروبية أبطال الاستعمار التاريخي. وإلى جانب هذا التعتيم نجد نوعاً من التزيين لاستعمار"نا". الاستعمار الإيطالي؟ لو حصل حقّاً فلا شكّ أنّه كان استعماراً "طـيّباً"، غير الاستعمارات الأخرى، لأنّ في ليبيا والصومال وأثيوبيا إلخ، كانت معاملة الإيطاليين معاملة "حسنة"، فقد "أعانوا" الساكنة الأصلية على دخول العالم الحديث... فهذا التعتيم التام عن الهيمنة الاستعمارية وأهوالها وانتهاكاتها وجرائمها، أو تزيينها لا يعمل فقط لفائدة تبرئت"نا" (الإيطاليون، الأوروبيون، الغربيون)، بل يعمل أيضاً على إدانة كل أولئك الذين يسمحون اليوم، نيابة عن الاتجاهات الإسلامية السياسية المتعدًدة والمتنوعة، من الأكثر اعتدالاً إلى الأكثر تطرفاً، يسمحون لأنفسهم بتقديم انتقادات ومطالب تجاه الاستعمار الجديد الحالي الأوروبي-الغربي، وهو وريث الاستعمار القديم.

غلاف الكتاب

أما في ما يتعلق بالإسلام السياسي، فلا شك في أن وسائل الاعلام الإيطالية والأوروبية تُصرّ كثيراً على الجوانب السلوكية الأكثر تعصّباً وطائفية وتخلفاً، التي تميّز بعض الحركات الجهادية من أجل بثّ الخوف والرعب والكره تجاه الشعوب العربية والشعوب ذات التقاليد الإسلامية عامّة. وفي نفس الوقت، فإن وسائل الاعلام هذه تُخفي بعناية تامة العلاقات الجيدة التي تربط إيطاليا، والاتحاد الأوروبي بالأنظمة العربية (تتبادر إلى ذهني المملكة العربية السعودية...) التي يسود فيها أحد النماذج الأكثر تعصباً وطائفية وتخلفاً للإسلام.


تسعى صناعة الإسلاموفوبيا إلى قلب الحقيقة حيث لا تهديد إسلامي في أوروبا، إنما هناك إرادة للدول الأوروبية في إرجاع الشعوب المسلمة الوافدة إلى حالة "استعباد ثقافي". كيف يجري قلب الحقائق، وهل نحن إزاء عملية تضليل ممنهجة تقوم بها أطراف عدّة؟

هذه هي الحقيقة. تقوم الدول الأوروبية بكل ما في وسعها من أجل حصر المهاجرين الوافدين القادمين من الدول العربية و"الإسلامية" في غيتوهات، ومن أجل الحدّ من أي شكل من أشكال التبادل الانساني والثقافي بين هؤلاء والشعوب الأوروبية الأصلية على قدم المساواة. فالتجربة تُظهر أنّه، تماماً مثلما يحدث بشكل أو بآخر للمهاجرين والمهاجرات الوافدات من جميع الجنسيات الأخرى، فالشعوب المسلمة أيضاً المقيمة بأوروبا تسعى إلى الاندماج الاجتماعي الحقيقي مع تفادي أن يتم ذلك على حساب إنكار جذورهم الأصلية. بالمقابل فإن الدول الأوروبية تخلق غيتوهات مُهَمّشية وتقزيمية من ناحية، وتتهم الشعوب المسلمة بأنها هي التي لا رغبة لها في أن "تندمج" من ناحية أخرى. إنّه عمل تضليلي على جميع المستويات. إنّ الجهات الفاعلة في هذا التضليل، قبل وسائل الإعلام، هي الأحزاب السياسية، بداية من الجبهة الوطنية بفرنسا والرابطة بإيطاليا، المختصة في البروباغندا الاسلاموفوبوية. وحتى الحكومات والبرلمانات تلعب دوراً فعالاً: هل هناك أية حكومة أوروبية أو أي برلمان أوروبي  قادر على الانسلاخ الحقيقي عن انتشار الاسلامفوبيا؟ إجابتي: لا أحد.

إبقاء الشعوب الغربية في حالة تعبئة مستمرة ضدّ المسلمين


يمارس الغرب الاستعماري تعسفًا مركباً تجاه المرأة المسلمة عبر الادعاء باضطهادها وتضخيم تزويجها القسري وإنكاره رمزية الحجاب وتمييزهن بسببه. ما هي المعركة الأساسية التي تُحول الانظار عنها من أجل تحرر كل الرجال والنساء تحرراً حقيقياً؟

إنّ المعركة الحقيقية التي لا يُراد مناقشتها هي تلك التي نحن بصدد خوضها وسيتم خوضها على نطاق أوسع في المستقبل. هي معركة ضد جميع أشكال اضطهاد المرأة التقليدية منها والعصرية. يتمّ الإصرار في الغرب دائماً، وبطريقة هوسية (أكرر: إنّه هوس حقيقي)، على حالة المرأة العربية و"المسلمة" على أنها خاضعة، ويتمّ أيضاً التضليل بطريقة ساقطة حتى على قيمة ومفهوم (أو المفاهيم المتعددة) ارتداء الحجاب الحالي. لكن الغرب بعيد عن أن يتحدث عن وجود حريّة حقيقية للمرأة، على النساء أن يدافعن يوميا باستماتة على ذلك المقدار من الحرية والحقوق والاحترام التي اكتسبنها بفضل نضالاتهن خلال القرنين الأخيرين. ما يُهيمن في إيطاليا، وأكثر مما عليه الحال في البلدان الأوروبية الأخرى، هو سَلعَنة جسد المرأة، هو النظام الأبوي الجماعي، وهو أكثر غموضاً وخِداعاص ولكنه ليس أقلّ اضطهاداً من النظام الأبوي الفردي، الذي يجبر كل النساء، وكل امرأة على حدة أن تكنّ موضوعا للمتعة، الحقيقية منها والوهمية، لـ"جماعة الرجال" كلها. إن هيمنة السلع ليست سوى هيمنة رأس المال على جميع مجالات الـحياة الاجتماعية والشخصية. وهذه هي الهيمنة التي يجب أن تنكسر. لا نستطيع العيش أحراراً ومتساوين، جميعاً، ولن تصير النساء مضطهدات بشكل مزدوج، ولا الرجال مضطهِدين-مضطهَدين (من طرف رأس المال)، إلا إذا تحررنا من نظام العلاقات الاجتماعية الرأسمالية. مرّة أخرى، يجب أن يشهد مسار التّحرّر هذا وحدة كل النساء، الأوروبيات منهن والنساء المهاجرات الوافدات والنساء العربيات والمسلمات، ورفاقهن وأزواجهن وأبنائهن.


هناك وظيفة مزدوجة للإسلاموفوبيا، وفق الكتاب: الأولى تبرير ودعم عملية الهروب الاستعمارية الجديدة التي قادتها وتقودها وستقودها أوروبا ضد البلدان العربية الإسلامية، والثانية في التمثيل الكاريكاتوري والتقزيمي والشيطاني للإسلام الذي يستعمل ضد المهاجرين المسلمين للتمييز ضدهم. كيف تتجلى هذه الوظيفة؟

لا شكّ في أنّ صناعة الإسلاموفوبيا هي صناعة حرب على جبهتين: حرب ضدّ البلدان العربية وذات التقاليد الإسلامية، وحرب ضد الشعوب العربية الإسلامية المهاجرة النازحة إلى أوروبا والغرب. وكلّ حرب تتطلب "حججاّ" تبرّرها، وتعبئ الجماهير التي تكون طرفاّ فيها. إنّ التمثيل الزائف لإسلام، الأمس واليوم، يخدم هذا الغرض تحديداً. بعد كل شيء، ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية استهدفت معظم الحروب التي خاضتها الجيوش والبلدان الغربية ضد البلدان والشعوب العربية والمسلمة بالتحديد: فلسطين، الجزائر، لبنان، العراق، أفغانستان، ليبيا، سورية، إلخ. وبالتالي كان من الضروري إبقاء الشعوب الأوروبية والأميركية في حالة تعبئة عامة مستمرة ضدّ العرب وضدّ المسلمين، وإطعامهم يومياً ببعض الكاريكاتورات و"الوحوش" وبثها في الصفحات الأولى من الجرائد. وبروباغندا الحرب هذه، التي كان عليها أيضاً تبرير تكريس الكميات الهائلة من الموارد الموجهة لتغطية النفقات العسكرية، تضرب المهاجرين الوافدين المسلمين على جهتين: تربطهم بالعدوّ الخارجي من جهة، وتأمرهم بـ"الولاء"، بمعنى العبودية، تجاه بلدان "الاستقبال" من جهة أخرى. فالإجابة المناسبة لمواجهة هذه البروباغندا تستدعي الإلمام بكلا الجانبين. لذلك، وبالنسبة لي، فإنّها إجابة ضعيفة تلك التي تقتصر فقط على إدانة الحروب "بشكل عام".

هجوم السلطات الأوروبية ضد العمّال العرب والمسلمين مسعور


تقول في الكتاب إن ضرب المهاجرين المسلمين يهدف إلى تقليص قيمة قوة عملهم وزعزعة وجودهم وتقسيمهم إلى خانعين ومقاومين. وتتحدث عن حركة مقاومة للإسلاموفوبيا في هذا السياق. بماذا وكيف؟

بشكل عام، هناك طريقتان مختلفتان لإدراك علاقات الاضطهاد والعنصرية. يمكن النظر إليها كغاية في ذاتها، بمعنى وسيلة لإضفاء الشرعية ودفاع السلطة السياسية عن ذاتها، أو من أجل استيعاب الروابط الكامنة وراء العلاقات الاقتصادية والمادية. أنا أتبنى هذه الرؤية الثانية. أؤكّد على أنّ هجوم السلطات المؤسساتية ضد العمّال العرب والمسلمين مسعور بشكل خاص في إيطاليا وأوروبا، لأنهم يشكلون النواة الأكثر صلابة، والأكثر تنظيماً، والأكثر فخراً من بين جلّ البروليتاريا المهاجرة الوافدة. وينطبق هذا بشكل خاص على إيطاليا حيث أن الشغيلة من جنسيات وأفراد قادمين من بنغلادش، والمغرب، ومصر، والباكستان، والسنغال تحتلّ الصفوف الأمامية سواء في لجنة المهاجرين الوافدين، التي كانت نشطة جداً إلى حدود بداية سنوات الألفية الثالثة، أو في نضالات قطاعات مختلفة، ككتلة منظمة أو كقادة لحركات الكفاح والإضرابات. ففي السير "الطبيعي" لسوق العمل الرأسمالي يكون اللجوء إلى عمل المهاجرين الوافدين للتقليص من تكلفة قوة العمل ومستوى حقوق الطبقة العاملة بأكملها من خلال خلق شريحة من هذه الطبقة يكون مفروض عليها (بسب عدّة عوامل، من بينها القوانين التمييزية) بيع طاقة عملها بسعر أدنى من المتوسط. فإن نضالات طبقة البروليتاريا من المهاجرين الوافدين تضع هذا السير "الطبيعي" محلّ شكّ. عندئذ يتمّ اتخاذ تدابير قمعية خاصة وتحتل إيطاليا للأسف الصدارة في أوروبا، آخرها مرسوميْ سالفيني سيئا الذكر (فالشرطة الإيطالية تولي "اهتماماً" خاصاً بالإضرابات التي يكون أبطالها المهاجرون الوافدون...). تُقام عمليات تهديدية مفادها فصل القادة ("المتمردين") عن العامة، ويكون ذلك بالتعاون أيضاً مع موظفي سفارات البلدان العربية والإسلامية. في إيطاليا هناك محاولة، خاصة من قِبل أسقفية ميلانو، لتوحيد جميع السلطات الدينية لـ "حملة صليبية مقدّسة" من أجل السلم الاجتماعي، ولكنه منظور قد يفيد فقط النخبة الاقتصادية والسياسية المهيمنة في البلد.

ليس لديّ أدنى شكّ في أن التصدي الفعلي سيكون فقط من خلال نضال واسع وحازم. ومع الوقت، ستُهزم صناعة الإسلاموفوبيا والعنصرية بمختلف أبعادها: الدولي والمذهبي والشعبي. إنّ هذا النضال جار حالياً، وتحتل الشعوب العربية والمسلمة المهاجرة الوافدة بإيطاليا وأوروبا الصف الأمامي فيه بطبيعة الحال، وهناك أيضاً، وإن كان ذلك ظاهرة نادرة، أو نادرة جداً، أشكال تضامن، من طرف مجموعات وجمعيات وهيئات سياسية ومواقع ثقافية تابعة للساكنة الأصلية، على جميع المستويات التي يحدث فيها هذا النضال: على المستوى النقابي والاجتماعي والقانوني والسياسي والأدبي والفني والديني.أعيد: إنّ المستقبل ينتمي لهذا المنظور المتمثل في التقاء الثقافات والحضارات، المتمثّل في التحرّر المشترك من نظام اجتماعي رأسمالي أكل عليه الدهر وشرب ولهذا السبب تحديداً، كما شاهدنا بوضوح في الأشهر الأخيرة، هو قادر فقط على قيادتنا نحو سلسلة من الكوارث لا غير.

 

المساهمون