انعكس القلق الذي يستشعره طيف واسع من الشعب السوري، مما يتم التحضير له على صعيد طي صفحة الثورة، وإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل منتصف مارس/آذار 2011، وإعادة تثبيت نظام بشار الأسد، على شاكلة بيان وقّع عليه عدد كبير من المعارضين والمثقفين والإعلاميين والناشطين، لمناشدة "الهيئة العليا للمفاوضات" عدم تقديم تنازلات تتعلق بمصير النظام وبقاء رأسه في السلطة. بيانٌ صدر في مرحلة يكثر فيها الحديث عن احتمال فرض توسيع صفوف "الهيئة العليا" لتضم "منصتي القاهرة وموسكو" اللتين يعتبرهما كثر أقرب إلى النظام من المعارضة، وذلك برغبات إقليمية وروسية وسعودية لضرب أساس الانتقال السياسي، على اعتبار أن هاتين "المنصتين" لا تتمسكان برحيل الأسد، أو ربما لا تقبلان هذا الخيار، كشرط لإعادة بناء دولة سورية ديمقراطية.
وطلب البيان من "الهيئة العليا للمفاوضات" التمسك بـ"ثوابت الثورة، وفي مقدمتها رحيل بشار الأسد في بداية المرحلة الانتقالية"، محذرين من أي تنازل على هذا الصعيد. وجاء في البيان أن التحذير جاء "بعد وصول تسريبات عن عزم الهيئة العليا للمفاوضات، نتيجة الضغوط الدولية والإقليمية، توسيع التمثيل في الهيئة، وإضافة منصات وهمية تدعي انتماءها للثورة السورية والتنازل عن ثوابت الثورة، المتمثلة بإسقاط النظام بكافة رموزه وأركانه". وأكّد موقعو البيان على التمسك بـ"الحل السياسي العادل المتمثل بالانتقال السياسي للسلطة من دون بشار الأسد وفق مقررات جنيف1 والقرارات الأممية، خاصةً القرار 2118، والقرار 2254". وأوضح الموقعون على البيان رفضهم تمثيل "منصة موسكو" التي يتزعمها قدري جميل "ما لم يقر ويوقع على بند رحيل بشار الإرهابي في بداية المرحلة الانتقالية". وأشاروا إلى رفضهم تمثيل "منصة أستانة" التي تتزعمها رندة قسيس، في "الهيئة العليا للمفاوضات"، وذلك "بسبب مواقفها العلنية المعادية للثورة السورية ومبادئها". وأكدوا رفضهم "القطعي لأي تمثيل لصالح مسلم أو حزب الاتحاد الديمقراطي (الجناح السوري للعمال الكردستاني) أو قوات سورية الديمقراطية"، بسبب عمالتهم لصالح لنظام فضلاً عن مشروعهم الانفصالي غير الوطني"، وفق البيان.
وبيّن الموقعون على البيان غير المسبوق، أنهم يؤكدون على "وحدة سورية واستقلالها أرضاً وشعباً واحترام كافة حقوق مكونات الشعب السوري على أساس مبدأ المواطنة". وأكدوا أن الثورة السورية مستمرة "حتى إسقاط نظام الأسد الإرهابي وزمرته"، مطالبين بـ"رحيل كافة المليشيات الطائفية والقوى الإرهابية التي استدعاها نظام الأسد الإرهابي لحماية نظامه خلافاً للإرادة الشعبية الحرة"، وفق نص البيان.
ويأتي البيان في خضم استعدادات "الهيئة العليا للمفاوضات"، أبرز العناوين السياسية للثورة والمعارضة السورية، لعقد مؤتمر "الرياض2" الذي المتوقع أن يجري مراجعات للمرحلة السابقة، ويعيد هيكلة "الهيئة" التي تتلقى ضغوطاً إقليمية ودولية لتغيير مسارها، والرضوخ لرؤية روسيّة تريد إعادة تأهيل نظام الأسد. وأكدت "الهيئة" منذ أيام أنها بصدد عقد "اجتماع موسع لها مع نخبة مختارة من القامات الوطنية السورية وناشطي الثورة، من أجل توسيع قاعدة التمثيل". وبات الشارع السوري الثوري والمعارض يخشى من "تنازلات مؤلمة" ربما تلجأ إليها "الهيئة" من أجل إنقاذ ما تبقّى من البلاد. وأولى هذه التنازلات القبول ببقاء الأسد في مرحلة انتقالية، والدخول بعد ذلك بانتخابات في ظل حكم الأجهزة الأمنية القادرة على تزوير الاقتراع لصالح النظام، مما يعني ضياع حقوق ملايين السوريين الذين قتلهم نظام الأسد، أو اعتقلهم، أو شرّدهم من أجل البقاء في السلطة.
وكشف مصدر رفيع المستوى في "الهيئة العليا"، في حديث مع "العربي الجديد"، عن أن "الهيئة ليست في وارد التنازل السياسي، خاصةً بما يتعلق بثوابت الثورة". وقال "لكن الواقع يفرض وجود مفاوضات بين طرفين، ولا يستطيع كل طرف الحصول على ما يريده". وأوضح المصدر أن القضية السورية "لم تعد بيد السوريين". وأضاف "ربما لا نملك القدرة على تحديد مصير بلادنا، ولكن هذا لا يعني أننا سنوقع على وثائق استسلام للروس والإيرانيين الذين باتوا المتحكم بالنظام ورئيسه، وهم من يدير دفة الصراع"، وفق تعبيره.
وأكد رئيس "مجلس حلب الحرة"، محمد فضيلة، وهو أحد الموقعين على البيان، أن السوريين لا يمكن لهم قبول بقاء بشار الأسد في السلطة. وأضاف في حديث مع "العربي الجديد" أن "بقاء الأسد يعني استمرار الإجرام والفوضى في سورية، وخيانة لدماء السوريين".
واعتبر الناطق الرسمي باسم "الهيئة العليا"، رياض نعسان آغا، في تصريح لـ"العربي الجديد"، تعقيباً على البيان، أن "الهيئة العليا أعلنت تمسكها ببيان الرياض". وصدر بيان الرياض في ديسمبر/كانون الأول 2015، أكد فيه المجتمعون أن بشار الأسد خارج أي تسوية سياسية، كما أعلنوا "تمسكهم بوحدة الأراضي السورية، وإيمانهم بمدنية الدولة وسيادتها على كافة الأراضي على أساس مبدأ اللامركزية الإدارية، كما عبروا عن التزامهم بآلية الديمقراطية من خلال نظام تعددي، يمثل كافة أطراف الشعب السوري رجالاً ونساءً، من دون تمييز أو إقصاء على أساس ديني، أو طائفي، أو عرقي، ويرتكز على مبادئ احترام حقوق الإنسان، والشفافية، والمساءلة، والمحاسبة، وسيادة القانون على الجميع".