وقد طالبت الحكومة الأفغانية، بدورها، السفارة بالتنسيق مع الجهات المعنية بدلاً من إثارة البلبلة في أوساط الشعب.
اقرأ أيضاً: الأفغان ينقسمون حول بقاء القوات الأميركية: تقلّص فرص المصالحة
وصدر آخر بيانات للسفارة في هذا الشأن يوم الإثنين الماضي، حين أعربت السفارة عن خشيتها من تعرض مناطق مختلفة في العاصمة الأفغانية لهجمات عنيفة خلال الـ48 ساعة المقبلة، دون تنويه إلى الجهة التي تنفذ هذه الهجمات. مضت تلك الفترة المحددة كسابقاتها دون أن يحدث شيء. لكن بيان السفارة أدى إلى تعطيل أعمال بعض السفارات الأجنبية والمؤسسات الدولية، إضافة إلى تعطل نسبي للأعمال التجارية في أرجاء العاصمة كابول.
وتثير بيانات "الذعر" تلك العديد من التساؤلات، أولها لماذا لا تنسق السفارة مع الجهات المعنية كوزارة الداخلية واستخبارات البلد بدلاً من نشر البيانات في وسائل الإعلام؟ ولماذا لا تقوم الجهات الأمنية الأميركية المتواجدة في أفغانستان بهذه المهمة؟ ومن المعلوم أن بين كابول وواشنطن اتفاقية أمنية يتوجب بمقتضاها أن تقوم القوات الأميركية العاملة في أفغانستان بإزالة التهديدات الأمنية الموجهة إلى أفغانستان حكومة وشعباً بالتنسيق مع الجهات الأفغانية.
مع العلم أن الشارع الأفغاني، ناهيك عن المسؤولين السياسيين والأمنيين الأفغان، يشكون في مصداقية هذه البيانات، ويرون أنها تهدف إلى ترويج الرعب لا أكثر.
وعلى عكس ما سبق، كانت ردّة فعل الأفغان إزاء البيان الأميركي الأخير سريعة وعنيفة. وفيما نفت وزارة الداخلة الأفغانية علمها بأي تهديد أمني خلافاً لما تدعيه السفارة الأميركية، وطالبت المواطنين بمواصلة أعمالهم دون أخذ مثل هذه البيانات على محمل الجد، دان مجلس الشيوخ الأفغاني إصدار السفارة الأميركية بياناً بشأن الأوضاع في كابول، واعتبره تصرفا غير لائق ولا يتماشى مع وضع البلد، ويضر بالعلاقات الأميركية الأفغانية، خصوصاً في ظل مطالبة الكثير من الأفغان بفسخ الاتفاقية الأمنية بين كابول وواشنطن، بما أن الأخيرة لا تعمل بمقتضاها.
وكان رئيس مجلس الشيوخ الأفغاني فضل هادي مسلم يار أول من صبّ جام غضبه على السفارة الأميركية قائلاً إن هذه ليست أول مرة تصدر السفارة بيانات لا أساس لها، مشيراً إلى أنها تهدف إلى إثارة الذعر في أوساط المواطنين لا أكثر. وأكد أن "هدف البيان ليس إصلاح الوضع، إنما خلق حالة من الخوف، وإلا فلم لا تنسق السفارة مع الجهات المعنية بدل إصدار بيان بشأن خطورة الوضع الأمني".
بدوره، قال عضو مجلس الشيوخ فرهاد سخي، إن الشعب الأفغاني يعيش في ظل حرب نفسية، وإن مثل هذه البيانات لا تساعدهم في الخروج من تلك الحالة، بل تدفعهم نحو وضع أسوأ. وطالب السفارة بالكف عن إصدار أي بيان لا يصب في مصلحة الشعب. كما دعا الحكومة الأفغانية بالتواصل مع الجهات الأميركية المعنية في أفغانستان بهذا الخصوص، إذ أن مثل هذه البيانات التي تشوبها الكثير من التساؤلات والغموض لا تساهم في إزالة التهديدات الأمنية، إنما تخلق المزيد منها.
وفي السياق نفسه، شكّت عضو مجلس الشيوخ، جلالي أكبري، في أن تكون السفارة الأميركية تعتزم أن تتعامل مع الملف الأمني الأفغاني بصورة إيجابية. وأكّدت أن بيانات السفارة لا تحقق سوى ارتفاع وتيرة الخوف لدى المواطن الأفغاني.
وفي تعليق على بيانات السفارة، يقول المحلل الأمني زبير أحمد "لا يجوز لسفارة دولة مسؤولة أن تقوم بمثل هذه التصرفات، والأصل هو التنسيق مع وزارة الداخلية والاستخبارات وليس نشر بيانات عبر وسائل الإعلام". ويحذر أحمد من تأثير هذه البيانات على العلاقات بين الدولتين، مشيراً إلى المناقشات الأخيرة التي دارت في البرلمان ومجلس الشيوخ حول الاتفاقية الأمنية بين كابول وواشنطن، إذ يرى الأفغان أن هذه الاتفاقية لا جدوى منها ويطالبون بفسخها.
وإضافة إلى بث الذعر وتعطيل عمل السفارات الأجنبية والمؤسسات والدولية، فإن هذه البيانات تعرقل أعمال التجارة في العاصمة كابول. ويقول أحد سائقي سيارات الأجرة في منطقة كوتي سنكي ويدعى محمد عارف، إن "السفارة الأميركية دمرت عملنا، لقد خرجت منذ الصباح الباكر من المنزل وحتى الظهر، لم أعمل أي شيء، إذ إن الشوارع شبه خالية من الناس، خصوصاً في المناطق التي ذُكرت في بيان السفارة. ويتساءل الرجل حول هدف هذه البيانات، في ظل تواصل أعمال العنف في أرجاء البلاد، مشيراً إلى "أننا في حالة من الحرب، ولذا لا جدوى من وراء إصدار هذه البيانات".
وفي السياق، يقول أحد العاملين في سوق الصيرفة قرب مسجد بولي خشتي ويدعى حاجي محمد زمان إن "أميركا هي رأس المشكلة، ولن ترضى أن نعيش مرتاحي البال وتفرض علينا أمراضاً نفسية بعدما دمرتنا بالحروب الدامية التي تشنها مرة بذريعة "طالبان"، وأخرى بذريعة "داعش".
اقرأ أيضاً: حامد كرزاي: بقاء القوات الأميركية بأفغانستان لن يأتي بالأمن