بوليفيا: وضع غامض يذكّر بالانقلابات لا الاستقالات

11 نوفمبر 2019
خشية من وقوع صدامات في الشارع (فرانس برس)
+ الخط -
استفاقت بوليفيا، صباح الاثنين، على وقع حرائق واحتجاجات شهدتها بعض مدنها، وبالأخص عاصمتها السياسية لاباز، بعد ليلة كثرت فيها الأخبار والإشاعات عن مصير أركان نظام الحكم، والرئيس إيفو موراليس، إثر إعلان أحد كبار جنرالات الجيش استقالته.

وكانت الأخبار قد تحدثت عن أنّ الجيش البوليفي تدخل ليطلب من موراليس ترك السلطة، وذلك بعد أن تواصلت الاحتجاجات الشعبية المؤيدة للمعارضة وانضمام بعض قطاعات الشرطة إليها، للاحتجاج على نتائج الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها موراليس في وقت سابق.

وجاءت تطورات ليلة أمس مفاجئة للكثيرين داخل بوليفيا وفي دول الجوار، بعيد ساعات فقط من تصريح الرئيس موراليس برغبته في إعادة الانتخابات. ويبدو، وفق مصادر مطلعة في لاباز، أنّ ما جرى "بتصريح الجيش علانية بضرورة رحيل موراليس عن السلطة لم يكن فقط مفاجئاً لنا وللشارع وللسفارات الأجنبية، حيث ظل الجيش مؤيداً له (لموراليس) طوال الوقت. يعني أننا أمام ديمقراطية تشوبها الكثير من المعضلات، فإذا قال الجيش: ارحل، ورحل، فهذا يعني أنّ العسكر هم من يتحكمون بالأوضاع من خلف الستارة".

ويسود حذر شديد في التصريحات التي يطلقها ساسة محليون ومراقبون ودبلوماسيون مقيمون في لاباز، "فالوضع صعب للغاية ولا يمكن معرفة ما يدور وسط حالة فوضى وما يشبه انفلات وغياب اليقين في المسار التالي".

وترتبط الاحتجاجات التي اندلعت في الشارع بنتائج الانتخابات الرئاسية، وتوقف اللجنة الوطنية عن بثّ النتائج لفترة وجيزة، قبل عودتها، لتظهر فارقاً كبيراً بين موراليس ومنافسه كارلوس ميسا، ما جعل الأخير يتهمه بأنّه "تلاعب بالنتائج لمصلحته"، فيما يذكر محللون مقيمون في بوليفيا، لـ"العربي الجديد"، أنّ ما جرى "يبدو منسقاً ومرتباً بشكل لا يمكن أن تخفيه مجريات الساعات اللاحقة"، وربط هؤلاء بين مواقف برازيلية وأميركية توعدت موراليس سابقاً، و"انقلاب ليلة أمس".

والإصرار على تسمية ما جرى بـ"الانقلاب"، وصف يتوافق مع بعض المواقف الدولية التي لم تعرف من يدير دفة الحكم، إثر تسرب أخبار عن أنّ موراليس يجري البحث عنه مع 3 إلى 4 من أقوى قيادات البلاد، "وهذا مؤشر على أن العملية ليست مجرد استقالة". وكان موراليس قد عبّر بنفسه عن ذلك حين غرد بأنّ الشرطة تبحث عنه وتلاحقه للقبض عليه، وهو ما يؤكد ما ذكره "العربي الجديد"، ليلة أمس، عن أنّ الشرطة تبحث عن قضاة وقادة في الدولة بحجة "المشاركة في تزوير الانتخابات".

وذهبت روسيا للتعبير عن ذلك صراحة حين أعربت خارجيتها عن "قلقها البالغ" إزاء الأحداث التي قالت إنها "أعقبت سيناريو انقلاب منظّم"، داعية "كل القوى السياسية في بوليفيا إلى إظهار الفطرة السليمة والمسؤولية"، بينما دعت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، في بيان اليوم الاثنين، كل الأطراف في بوليفيا إلى ممارسة "ضبط النفس والمسؤولية"، وأعربت عن أملها أن "تتجه البلاد في شكل سلميّ وهادئ إلى انتخابات جديدة".

وفي مدريد، ندّدت وزارة الخارجية الإسبانية بالدور الذي لعبه الجيش والشرطة في استقالة موراليس، وقالت إنّ "هذا التدخل يعيدنا للحظات في التاريخ القديم إلى أميركا اللاتينية". لكنّ الرئيس البرازيلي اليميني، غايير بولسونارو، قال إنّ التزوير الانتخابي هو ما أسقط الرئيس البوليفي.

كذلك ندّدت فنزويلا وكوبا بما وصفتاه بأنّه "انقلاب"، وهو الوصف الذي ذهب إليه أيضاً الرئيس الأرجنتيني المنتخب ألبرتو فرنانديز، الذي يتولى السلطة في 10 كانون الأول/ديسمبر، فيما عرضت المكسيك منح اللجوء للرئيس المستقيل.

وبالتوازي مع تلك المواقف، فإنّ الأجواء داخل بوليفيا، كما يصفها بعض المتابعين، "تذكّر تماماً بانقلابات سابقة جرت في هذا البلد، الذي توقع الكثيرون أنها حقب ولت إلى غير رجعة". وبالرغم من أنّ الجيش والمعارضة استطاعا إزاحة موراليس عن الحكم، إلا أنّ ثمة مؤيدين له في الشارع. 

وخلال 14 سنة من حكمه و"الإصلاحات" التي أدخلها، أصبح هناك ما يشبه تياراً مؤيداً بقوة لموراليس، ومن هنا تأتي المخاوف من اندلاع عمليات انتقام وتصادم عنيف بين "الانقلابيين"، إن صح أنّ ما جرى كان "انقلاباً"، وهو ما ذهب إلى توصيفه الاتحاد الأوروبي وروسيا أيضاً، وما تؤكده مصادر دبلوماسية عربية في لاباز من العارفين بتفاصيل ما حدث تاريخياً ويحدث حالياً في البلاد.​
المساهمون