وأدّى الاتفاق الذي توصّل إليه الطرفان، يوم الثلاثاء، برعاية زعيم قبيلة موسيس، موغو نابا، والذي يتمتع بشعبية ونفوذ قويين في البلاد، إلى تفادي مواجهة وشيكة في شوارع واغادوغو بين قوات الجيش النظامي التي حرّكت كتائبها باتجاه العاصمة، بعد المحاولة الانقلابية، وبين قادة الحرس الجمهوري. ونصّ الاتفاق على عودة عناصر الحرس الجمهوري الذين تمركزوا في النقاط الحساسة في العاصمة إلى ثكناتهم، مقابل تراجع وحدات الجيش النظامي خمسين كيلومتراً عن أبواب العاصمة، وضمانة سلامة عناصر الحرس الجمهوري وعائلاتهم. كذلك نص الاتفاق على العفو عن الانقلابيين وعدم ملاحقتهم وتنظيم انتخابات عامة في مدّة أقصاها 22 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. وقد وافق الانقلابيون بزعامة ديانديري على عودة الرئيس المؤقت ميشيل كفاندو إلى منصبه.
وأعلن كفاندو، أمس الأربعاء، عودته إلى الحكم، واضعاً بذلك حدّاً للأزمة البوركينية. وقال كفاندو، في خطاب مقتضب توجّه به إلى الشعب البوركيني، إنّ "السلطات الانتقالية عادت إلى الحكم، وسنعقد، غداً (اليوم) الخميس، مجلساً وزارياً"، لافتاً إلى أنّ "الحكومة الانتقالية هي وحدها من تجسّد إرادة الشعب". وهنّأ كفاندو البوركينيين الذين ساندوا "عودة الشرعية ضدّ الانقلاب"، والذي لقي رفضاً محلياً ودولياً واسعاً، معرباً عن التزامه باستئناف المرحلة الانتقالية وإعادة الانتخابات إلى مسارها الصحيح، عبر ما سمّاه بـ"تضميد الجراح".
وعلى الرغم من هذا الاتفاق، لا تزال العاصمة واغادوغو، تعيش أجواء من القلق والتوتر، بسبب احتفاظ الانقلابيين بالأسلحة على الرغم من موافقتهم على العودة إلى الثكنات. يُشار إلى أنّ تجريد اللواء الجمهوري للرئيس المخلوع، بليز كومباوري من أسلحته، كان النقطة الأساسية في مفاوضات الوساطة بين المعسكريْن، والتي لا تزال متواصلة حتى الآن.
وكان زعماء ورؤساء حكومات المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا قد اجتمعوا بشكل استثنائي، مساء الثلاثاء، في العاصمة النيجيرية، أبوجا، وقرروا إرسال وفد إلى واغادوغو، لتثبيت عودة الرئيس المؤقت إلى منصبه واستكمال عملية المصالحة بين الحرس الرئاسي والجيش النظامي. وكانت السفارة الفرنسية في واغادوغو، قد أوَت كفاندو في مقرها، بعدما أطلق سراحه الانقلابيون الذين وضعوه تحت المراقبة في القصر الرئاسي، منذ 18 من الشهر الحالي. كذلك أطلق الانقلابيون سراح رئيس الوزراء، الكولونيل إسحق زيدا، فجر الثلاثاء.
اقرأ أيضاً: انقلاب عسكري ببوركينا فاسو: حل الحكومة واحتجاز الرئيس
وكان الانقلابيون من الحرس الجمهوري قد اقتحموا مقر الرئاسة صباح يوم الأربعاء 17 سبتمبر/أيلول الحالي، خلال اجتماع للحكومة، بحضور الرئيس كفاندو، وقاموا باعتقال الأخير، وأعلنوا وقف تنظيم الانتخابات العامة، والتي كانت مقررة في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، والتي كان من المفترض أن تسدل الستار على المرحلة الانتقالية التي تلت انهيار نظام الرئيس المخلوع، بليز كومبواري في أكتوبر/تشرين الأول عام 2014.
كذلك أعلن الانقلابيون تعيين ديانديري، وهو أحد المقربين من الرئيس السابق، رئيساً جديداً للبلاد وإنشاء هيئة سياسية جديدة، أطلقوا عليها "المجلس الوطني من أجل الديمقراطية" لقيادة المرحلة الانتقالية. وأدى الانقلاب إلى مقتل عشرة أشخاص وجرح عشرات آخرين من بين المتظاهرين الذين خرجوا إلى شوارع العاصمة للتنديد بالانقلاب الذي رفضته بشدة جمعيات المجتمع المدني.
ويتساءل عدد من المراقبين حول جدوى هذا الانقلاب وأهدافه، لكون الاتفاق المعلن بين الحرس الجمهوري والجيش النظامي لم يشِرْ، على الأقل في الصيغة التي اطلعت عليها وسائل الإعلام في واغادوغو، إلى إشراك الأنصار السابقين للرئيس المخلوع، كومبواري، في الانتخابات المقبلة الذين استبعدتهم السلطات الانتقالية من المشاركة فيها، وهم ستة مرشحين، من بينهم مرشح حزب "التقدم والديمقراطية"، كونستانس كومبويغو، وهو حزب كومبواري الذي كان يسيطر على مجمل مرافق الدولة قبل اندلاع الانتفاضة الشعبية في أكتوبر/تشرين الأول 2014.
ويتوقّع المراقبون أنفسهم، استمرار المفاوضات بشأن الترتيبات السياسية مع الانقلابيين، ومع جمعيات المجتمع المدني بإشراف رؤساء نيجيريا والنيجر وتوغو وغانا وبنين والسنغال الذين وصلوا، أمس الأربعاء، إلى واغادوغو. وتبقى النقطة الأساسية، مصير الحرس الجمهوري في المرحلة الانتقالية وما بعدها، بحسب بعض المراقبين، ذلك أنّ هذا الحرس الذي لا يتجاوز عدد عناصره 1300 رجل، لا يزالون أوفياء للرئيس المخلوع، والذي أنشأ جهازهم وأغدق عليهم المال والسلطة لعقود طويلة، وتحول إلى عقبة في طريق الانتقال الديمقراطي وأصبح يهدّد استقرار البلاد.
على صعيد متصل، تراقب باريس الأوضاع في بوركينا فاسو عن كثب، ذلك أنّ فرنسا لها مصالح عسكرية واقتصادية كبيرة في مستعمرتها السابقة، كما أنها تعتمد كثيراً على قاعدتها العسكرية الموجودة في واغادوغو، والتي تضم نحو 220 جندياً من القوات الفرنسية الخاصة، في استراتيجيتها لـ"محاربة الإرهاب" في منطقة الساحل في إطار عملية "برخان". وكان الرئيس الفرنسي، فرنسوا هولاند، قد سارع إلى التنديد بالانقلاب فور وقوعه، ودعا الانقلابيين إلى الإفراج عن الرئيس المؤقت والعودة إلى الثكنات، ذلك أن فرنسا منذ انهيار النظام السابق، تقوم بدور الراعي للمرحلة الانتقالية في بوركينا فاسو، وتعتبرها نموذجاً رائداً يجب الاحتذاء به في القارة الأفريقية.
اقرأ أيضاً: "الحرس" يقود انقلاب بوركينا فاسو قبيل الانتخابات