سجلت بورصة المرشحين للبرلمان المصري تراجعاً كبيراً في الأعداد، بعد إغلاق اللجنة العليا للانتخابات في مصر رسمياً، يوم السبت، باب الترشح للانتخابات التي أعلنت السلطات المصرية أنها ستجرى في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.
وبلغ عدد المرشحين 7416 مرشحاً، بنسبة تراجع بلغت أكثر من 40 في المائة عن برلمان 2012 الذي وصل فيه عدد المرشحين إلى أكثر من 10 آلاف و500 مرشح، وهي النسبة الأعلى في الحياة النيابية في مصر منذ عام 1924، لكونه أول برلمان حقيقي يأتي بعد ثورة 25 يناير.
ويُرجع عدد من المراقبين والسياسيين، ضعف الإقبال على الترشح للبرلمان المقبل، إلى أسباب عدة، من بينها عودة سطوة المال السياسي للمتطلعين لدخول البرلمان، وعودة الكثير من فلول الحزب الوطني المنحل إلى الحياة السياسية مرة أخرى، وهو ما يمثّل تحدياً لثورة 25 يناير التي انتفض فيها الشعب ضد النظام البائد، مما أدى إلى عزوف الكثير عن الترشح.
بينما يقول مراقبون آخرون، لـ"العربي الجديد"، إن من بين أسباب العزوف، فشل التحالفات الانتخابية وتخلي الأحزاب عن تمويل عدد من المرشحين في قوائم الفردي، مشيرين إلى عوامل أخرى أيضاً، منها أن البرلمان المقبل مطعون عليه وربما يتم حله، بالإضافة إلى أن ارتفاع تكاليف الكشف الطبي أدت إلى عزوف الكثير من الشباب عن الترشح، وأيضاً افتقادهم المال والسلطة وعدم وجود الدعم من الأحزاب.
ويرصد مراقبون للمشهد السياسي في مصر، عدداً من المؤشرات في هذا السياق، منها عدم إقبال أساتذة الجامعات في الانتخابات المقبلة على الترشح، وتراجع شديد في عدد السيدات والأقباط المتقدّمين بأوراق ترشحهم. في المقابل هناك إقبال ملحوظ من الفنانين ومطربي الغناء والرقص الشرقي على الترشح، وأيضاً عدد من لاعبي الكرة وضباط الجيش والشرطة، فيما تقدّم عدد كبير من ضباط الشرطة باستقالاتهم إلى وزارة الداخلية للتفرّغ للبرلمان المقبل، ومعظم من استقالوا من صغار الرتب، إضافة إلى لواءات ممن تم إحالتهم إلى التقاعد.
وكانت الراقصة سما المصري قد تقدّمت بأوراق ترشحها في آخر لحظة يوم السبت لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة وذلك عن مقعد دائرة الأزبكية وسط القاهرة، وهي المنطقة التي عاشت فيها لفترة طويلة من حياتها وترتبط بعلاقة وثيقة بأهلها. ومن الفنانين المرشحين أيضاً، المخرج خالد يوسف الذي يرى أنه الأجدر بين أبناء دائرته في محافظة القليوبية. إضافة إلى الفنانة تيسير فهمي وذلك للمرة الثانية بعد ترشحها وخسارتها في انتخابات برلمان حكم الإخوان، وهي تشغل حالياً رئاسة حزب "المساواة والتنمية".
اقرأ أيضاً: مصر: رموز مبارك ورجال الجهات السيادية يترشحون للبرلمان
في المقابل هناك اعتذار من قبل عدد كبير من أساتذة ورؤساء الجامعات عن الخوض في تلك الانتخابات، ووصفها الكثير منهم بأنها انتخابات "فاشلة" وأن البرلمان المقبل في مهب الريح ولن يصمد أكثر من عام أو عامين أمام حكم الدستورية العليا، وأنه سوف يواجه الكثير من التشريعات الجديدة، في ظل وجود نواب ليس لهم خبرة، ومعظمهم يحمل "مؤهلات متوسطة" ويعتمد على العصبية والقبلية فقط.
ومن أساتذة الجامعات الذين قدموا اعتذاراً عن الترشح، على الرغم من إعلانهم سابقاً عن خوض تلك التجربة، رئيس جامعة المنوفية السابق صبحي غنيم، ورئيس جامعة بنها علي شمس الدين، ورئيس جامعة جنوب الوادي عباس منصور، ورئيس جامعة أسوان منصور كباش.
ويقول عميد كلية الإعلام السابق في جامعة القاهرة حسن عماد مكاوي، إن عزوف الكثير من أساتذة الجامعات عن الترشح للانتخابات المقبلة يعود إلى حالة "الضبابية" التي تسيطر على البلاد بصفة عامة وحالة الفوضى والتخبط، مؤكداً أن البرلمان المقبل معرّض للحل، وسيشبه "برلمان مبارك الأخير"، والذي كان سبباً في ثورة الشعب في 25 يناير/كانون الثاني 2011.
ويضيف مكاوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن من أسباب عزوف أساتذة الجامعات عن الترشح في الفردي أو القوائم، قيام الكثير من أصحاب الحِرف وحملة المؤهلات المتوسطة بالترشح، ما يؤكد سطوة المال السياسي في التحكم بمسيرة البلاد. كذلك يردّ سبب عزوف الشباب عن الترشح إلى سطوة المال، "إذ إن الانتخابات المقبلة سوف يكسب فيها من يمتلك المال بشكل كبير في ظل وجود أحزاب ورقية لا تضع في قوائمها الشباب إلا على استحياء شديد".
من جهته، يقول الخبير القانوني البرلماني السابق شوقي السيد، إن قانون تقسيم المحافظات على أساس دوائر فردية وثنائية وثلاثية، هو تقسيم غير دستوري، ويهدد شرعية البرلمان المقبل، فهناك تمثيل غير عادل لعدد من المحافظات، الأمر الذي أدى إلى عزوف الكثير عن الترشح.
أما البرلماني السابق علاء عبدالمنعم، فيؤكد أن البرلمان المقبل سيواجه مشكلة عملية في تطبيق المادة 156 من الدستور، والتي تُلزم المجلس المنتخب بمراجعة كل القوانين التي صدرت في غيابه خلال 15 يوماً فقط، فإذا لم تُعرض أو تناقش أو لم يقرها المجلس زال أثرها بأثر رجعي، لافتاً إلى أن البرلمان المقبل يواجه عدة مشاكل وصفها سياسيون بـ"الألغام"، والتي تهدده بمجرد انعقاده، موضحاً أن عدد القوانين التي من المفترض أن تتم مناقشتها تصل إلى أكثر من 481 قانوناً.
ويشير إلى أن سياسة التخبط سوف تُبرز "برلماناً مشوهاً" مهدداً بالحل، بسبب عدم دستورية قانون تنظيم الانتخابات، بالإضافة إلى كمّ المليارات التي سوف تنفَق على البرلمان، لافتاً إلى أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة وعلى رأسها قانون تنظيم الانتخابات، تبشّر ببرلمان مشتت ومفكك، منتقداً ظهور رجال أمن في البرلمان المقبل، الأمر الذي يُشكّل خطراً على الديمقراطية والحياة السياسية والمدنية، ويعطي مؤشراً على عودة النظام القديم، بحسب قوله.
اقرأ أيضاً: الانتخابات المصرية: قائمة النظام تطيح بشفيق وتربك الأحزاب