بوح سياسي على هامش مقولة العصر

15 مايو 2018
+ الخط -
مرت الساعة العشرون من الأرق، قررت أن أكتب إليك رسالة هربا من طعنات الأرق، وكوابيس التفكير التي تطاردني، لكن ماذا أكتب إليك، وعن أي فكرة ساذجة أحدثك، كل شيء بات باهتا في هذا البلد، نعيش حالة اكتئاب قومي؛ فواقع الأحداث فيه كثيرة، والفاسدون أكثر، أما الحمقى فيتكاثرون كالأرانب، يتصرفون كالقرود، ويفكرون كالحمير.

منذ الرسالة الماضية، وأنا أعيش يومي كأي عراقي في واقع يزداد الدجل السياسي والنفاق الاجتماعي و"علس" الرأي الآخر وصاحبه، لا سيما في مواسم الانتخابات، لهذا أجدني اليوم مضطرا إلى معاشرة الصمت شهراً حتى ينتهي طمث الدورة الانتخابية، وهذا سبب رسالتي إليك على ما أظن.

أيعقل يا عشقي أن تطلبي مني ترك كل هذا الصخب القروي بدون شتائم متجددة، بدون سخرية لاذعة، بدون مفارقة داعرة، أخبريني من سوف يشبع شهية السخط المدقع بداخلي في ظل غياب شفتيك الورديتين، وأي سخرية أستطيع خلقها لتداعب صمتي طيلة ذلك الشهر، وأي شتيمة ستكون ملائمة لهذا الطفح من التقزز اللامتناهي المتمثل بالعمائم وتابعيهم والسياسيين ومؤيديهم.


إنه أمر شاق للغاية لا يمكن يا نبضي، لو كانت الشتائم بالتقسيط حسنا ستبدو فكرة معقولة، لكن دفعة واحدة وأنا أرى صفحتي تغرق يوميا بعبارة "المجرب لا يجرب" التي يتداولها المثقفون والجهلة والعقلاء والسذج، كأنها اكتشاف علمي صارخ سوف يتقدم بالإنسان إلى سنوات ضوئية من الرفاهية والتطور.

ثم من أين أستمد قوة للصمت وأنا أرى العراقي بات ينتظر بديهيات كهذه ليختار قراره، إن كان له قرار من الأصل كأنه قاصر في ميتم وليس رجلا راشدا من أقدم الحضارات..

حالة الغياب الفكري والعقلي التي يعانيها تثير القلق، ترقبه الطفولي لما يصدر عن المرجعية كأنها وصي عليه يتشوق لتعليماتها أشياء لا تدل على سلامته الفكرية مطلقا، الكم المفرط الذي يبذله في قدسية هذه المرجعية دون غيرها من المراجع العراقية مستفز للغاية.

أكثر من استفزاز ذلك العلماني الذي يصدعنا بضرورة تفكيك النص وما نص، وبالتمرد على التراث، وهو بالأمس نشر مقالة مطولة يؤول فيها عبارة المجرب لا يجرب كأنه معمم ورث النفاق أبا عن جد حتى انتهى به النفاق بالقول إنها عبارة عظيمة من رجل عظيم ذات مغزى سياسي بليغ، والأكثر سخافة أنه نشر مقالته بإعلان ممول من أموال إحدى السفارات باعتباره ناشطا مدنيا من الداعمين لحقوق المثليين!

قد يتبادر إلى ذهنك الآن التساؤل عن سر هذه القدسية وحالة الاتباع غير المبررة التي تحظى بها هذه المرجعية دون غيرها، لكن اعلمي أي إجابة صادقة في هذا الصدد ستجعل من صاحبها جثة مجهولة الهوية، يمكن أن تعتبري ذلك إجابة.

لكن أعتقد ثمة تساؤل أخف ويستحق المجازفة إذا كنتِ مصرة على التساؤل وهو إذا كانت هذه المرجعية نبي الله الجديد، والحق المطلق، وإله الشورى، وخيار الضائعين، وأهل الناصحين، وأم المظلومين..

باعتبارها العدل بذاته، والسلام بشموخه، والخلاص برسمه، فهي التي كانت ولا تزال حصن العراق وسيفه البتار، كيف لا وهي ذات القوة الخارقة المتصلة بالأموات، كما يقول القيادي قيس الخزعلي، في واقع الفساد ينخر من كل مكان ويقود البلد الفاسدون الكبار.. لماذا لا يطالبها ويفوضها أولئك المغيبون لتكون هي الدولة الحاكمة؟!

فاليوم؛ على الرغم من ذوق الذي يسود العالم تجاه الأديان. لكن الأديان لا تزال تحكمه بالخفاء، والأهم لنرى ويرى العالم كيف هي قدرات ومعدن هذه المرجعية وصدق مواقفها التي تستحق أن يغيب الإنسان عقله من أجلها. لعل عندئذ عدلها يملأ الأرض نورا حتى يخرج أهل الأرض يطالبون بحكمها، أو على الأقل لنتخلص من هذا البغاء والبغي السياسي السائد!

عفوا كنت أحاول قول نكتة، لذا لا تأخذي تلك التساؤلات بجدية أو مجرد التفكير في طرحها، فلا طائل منها، بالمحصلة لا تقل سذاجة عن مضمونها أو الأجوبة التي يتأمل أن يحصل عليها المرء، لكن ثمة تساؤل أخير أود أن أسألك إياه وهو جاد هذه المرة..

هل هذا هو الإنسان العراقي الذي أصبحنا عليه الآن ذاته كما كان، ثم أين تاريخنا وأين حضارتنا العظيمة وأين علمنا وأين مجدنا وأين عقولنا، وأين شرفنا وأين وطنيتنا، وأين أنتِ أيضا؟.. أفتقدك منذ زمن...

09ED97FC-B0FE-47E9-8820-38C3DE13586A
محمد رجا

كاتب عراقي مهتم بالشأن الاجتماعي والسياسي، أكتب في العديد من الصحف والمواقع العراقية والعربية.