عبد العزيز بوتفليقة... رئيس عاشَر كبار القرن وغادر من النافذة

03 ابريل 2019
رئيس عربي آخر يغادر باحتجاجات شعبية (العربي الجديد)
+ الخط -
في 22 فبراير/شباط الماضي، اندلع حراك شعبي حاشد ضد استمرار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في الحكم، دفع به أخيرًا إلى الخروج من الباب الضيق، بعد نحو عشرين عاماً قضاها ممسكًا بمقاليد السلطة في البلاد، في تاريخ سيبقى في ذاكرة الجزائريين، وهو الثلاثاء 2 إبريل/نيسان 2019.

عند هذا التاريخ، كان الرئيس بوتفليقة ينهي ولايته الرئاسية الأخيرة، التي شهدت غيابه التام عن المشهد السياسي، وتحكم شقيقه السعيد بوتفليقة في الحكم وفي القرارات الرئاسية. لكنها شهدت في المقابل تعاظمًا لافتًا لقضايا الفساد بسبب تمدد "الكارتل المالي" المرتبط أيضًا بشقيقه السعيد، وهو ما جعل بوتفليقة عرضة انتقادات سياسية وشعبية حادة، أدخلت منجزات الرئيس بوتفليقة خلال عهداته الرئاسية الأربع في دائرة الشك، وأعادت طرح تساؤلات حول الوعود الثلاثة التي تعهد بها عند تسلمه للسلطة عام 1999.
ولد الرئيس الجزائري المستقيل عبد العزيز بوتفليقة في الثاني من شهر مارس/ آذار سنة 1937، في مدينة وجدة المغربية، التي كانت في الخمسينيات قاعدة خلفية لجيش التحرير وقيادة ثورة الجزائر. التحق بوتفليقة بصفوف الثورة، واتخذ من ''عبد القادر" اسمًا حركيًا له خلال سنتي 1957 و1958. عُيّن مراقبًا عامًا ثم ضابطًا منتدبًا لدى هيئة قيادة الأركان التي كانت تتمركز في الحدود المغربية، وفي سنة 1960 أرسلت قيادة جيش التحرير بوتفليقة إلى الحدود الجنوبية.

وخلال تواجده مع قيادة أركان جيش التحرير في منطقة وجدة المغربية على الحدود الجزائرية، كان بوتفليقة قد تعرَّف على الرئيس الراحل هواري بومدين، وتكونت بينهما صداقة لعبت دورًا بارزًا في المسار السياسي لبوتفليقة، الذي عُيّن عضواً في المجلس التأسيسي (أول برلمان)، ثم وزيرًا للشباب والرياضة والسياحة، وهو في الـ25 من عمره في أول حكومة للجزائر المستقلة، قبل أن يُعيّن عام 1963 وزيرًا للشؤون الخارجية، وهو المنصب الذي ظل يتقلده حتى عام 1979، بعد أن شارك في الانقلاب العسكري الذي أطاح الرئيس أحمد بن بلة في 19 يونيو/حزيران 1965.

في عام 1972، ترأس بوتفليقة الجمعية العامة للأمم المتحدة، وطرد الوفد الإسرائيلي المشارك، وأتاح الفرصة للزعيم الفلسطيني ياسر عرفات لإلقاء خطابه الشهير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في جنيف. وفي ديسمبر/ كانون الأول 1975، لعب عبد العزيز بوتفليقة دورًا بارزًا في إقناع الناشط الثوري اليساري كارلوس بتحرير الوزراء وموظفي "أوبك" الذين احتجزهم رهائن في عملية اقتحام مقر الأخيرة في فيينا. والتقى بوتفليقة في مساره السياسي بكبار الشخصيات في القرن الماضي، كجوزيف تيتو، وجون كينيدي، ونيكيتا خروتشوف، وفيديل كاسترو، وجمال عبد الناصر، والشيخ زايد آل نهيان، والملك فيصل بن عبد العزيز، والحبيب بورقيبة، وجواهر نهرو، وغيرهم.

وبعد وفاة الرئيس الجزائري هواري بومدين في ديسمبر/كانون الأول 1978، بقي بوتفليقة مستشارًا للرئيس الشاذلي بن جديد حتى نهاية عام 1979، قبل أن يغادر السلطة.

وفي عام 1983، اعتبر تقرير مجلس المحاسبة الحكومي بوتفليقة مدانًا بتهم فساد مالي تستدعي توضيحات منه، ليقضي بعد ذلك متنقلاً لسنوات بين جنيف ودمشق ودول الخليج، وخاصة الإمارات العربية المتحدة.


عاد بوتفليقة إلى الجزائر في يناير/كانون الثاني سنة 1987، بعد أن أقر الرئيس الشاذلي بن جديد عفوًا عنه عام 1986. وخلال أحداث الخامس من أكتوبر/تشرين الأول 1988، التي أنهت حكم الحزب الواحد في البلاد، كان بوتفليقة أحد الـ18 الذين وقعوا بيانًا يدعو إلى احترام الحريات العامة وحقوق الإنسان. وفي أعقاب انقلاب الجيش على الإسلاميين ووقف المسار الانتخابي في يناير/كانون الثاني 1992، عرض عليه الجيش منصب وزير مستشار لدى المجلس الأعلى للدولة – (هيئة انتقالية مؤقتة تمت صياغتها بين 1992 و1994) لكنه اعتذر عن قبول المنصب. وفي ديسمبر/كانون الأول 1994، اقترح عليه العسكر منصب رئيس الدولة على أن يتم انتخابه في مؤتمر وفاق وطني، لكنه طالب بصلاحيات واسعة.

في نهاية عام 1998، أعلن الرئيس ليامين زروال عزمه الانسحاب من الرئاسة، ليتبع بوتفليقة ذلك بالإعلان عن عزمه الترشح للانتخابات الرئاسية التي جرت في إبريل/نيسان 1999، وفاز بها، وتعهد في حملته الانتخابية الأولى بتحقيق السلم و"إطفاء نار الفتنة" في البلاد بعد عشر سنوات من الأزمة الأمنية الدامية، وإعادة إنعاش الاقتصاد، وإعادة الجزائر إلى المحافل الدولية.

وفي سبتمبر/ أيلول من ذلك العام، طرح بوتفليقة مشروع قانون وئام مدني يتيح للمسلحين وضع السلاح والعودة إلى أحضان المجتمع. وفي 22 فبراير/ شباط 2004 أعلن بوتفليقة عن ترشحه لعهدة ثانية، وفاز بها، وأطلق خلال ولايته الرئاسية الثانية مشروع المصالحة الوطنية لحلحلة مخلفات الأزمة الأمنية، كتسوية وضعية المسلحين "التائبين" والمفقودين، كما أقر الاعتراف باللغة الأمازيغية كلغة وطنية، قبل أن يتم عام 2014 الاعتراف بها بشكل رسمي ودستوري كلغة وطنية ورسمية.

في سبتمبر/أيلول من عام 2007، تعرض الرئيس بوتفليقة لمحاولة اغتيال عندما فجر انتحاري نفسه قرب موكب شعبي كان يحييه خلال زيارته إلى مدينة باتنة شرقي الجزائر، وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2008، قام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بتعديل جزئي ومحدود للدستور، يتيح له الترشح لولاية رئاسية ثالثة، فاز بها مجددًا، برغم اعتراضات عدد من القوى السياسية على ذلك التعديل، ما عزز الانطباع حول حبه للسلطة. وفي إبريل/نيسان 2012، طرح بوتفليقة حزمة إصلاحات سياسية لم تكن موفقة.



وفي 17 إبريل 2013، أصيب الرئيس بوتفليقة بوعكة صحية استدعت نقله على جناح السرعة إلى مستشفى "فال دوغراس" العسكري في ضواحي باريس، حيث مكث 81 يومًا حتى يوليو/تموز 2013، لكنه ترشح برغم ذلك لولاية رئاسية في إبريل/نيسان 2014 وفاز بها.

ويُحسب لبوتفليقة خلال ولاياته الرئاسية الأربع نجاحه في تحقيق مشروعات للبنية التحتية، والإبعاد التدريجي لعدد من جنرالات الجيش، خاصة من الصقور الذين نفذوا انقلاب يناير/كانون الثاني 1992، وأبرزهم الجنرال محمد العماري واسماعيل العماري ومحمد تواتي، ومحمد مدين المدعو "الجنرال توفيق"، قائد جهاز المخابرات.

غير أنّ كل ما تحقّق في عهدة الرئيس الجزائري الثمانيني بات في مهبّ الريح بعد إعلانه الترشح لعهدة خامسة في الحكم، لا سيّما مع تردّي الأوضاع المعيشية في البلاد، واستشراء الفساد في مؤسسات الدولة، وانسداد الأفق السياسي، ليخرج الجزائريون في مسيرات غير مسبوقة في تاريخ الجزائر منذ التحرير رافعين شعار "رحيل النظام"، ولينتهي المطاف بالرئيس الجزائري المخضرم لمغادرة الحياة السياسية من الباب الضيق.