بنكيران... تذكرة عودة للحكومة

01 يونيو 2016

بنكيران: لن نتراجع، وليس لنا الحق في التراجع (5يونيو/2015/Getty)

+ الخط -
مدّد حزب العدالة والتنمية المغربي رئاسة زعيمه عبد الإله بنكيران سنة أخرى، بعد نهاية ولايتين له على رأس الحزب لا ثالث لهما، وأعطى المؤتمرون الذين التأموا، في مؤتمر استثنائي نهاية الأسبوع الماضي، رئيس الحكومة المغربية فرصة تشكيل حكومةٍ ثانية في أكتوبر/ تشرين أول المقبل، إذا فاز "العدالة والتنمية" بالمرتبة الأولى في الانتخابات البرلمانية المقبلة، وذلك عرفاناً من مناضلي الحزب بأسلوب زعيمهم البراغماتي في إدارة دفّة السياسة في مرحلة دقيقة من تاريخ المغرب، حيث تتصارع إرادتان. تريد الأولى إقفال قوس الربيع العربي، والعودة إلى نهج الاستبداد الناعم، حيث القصر يحكم خلف حكومات ضعيفةٍ ودساتير شكلية، وواجهة ديمقراطية تخفي احتكاراً للثروة والسلطة. فيما تدافع إرادة ثانية عن تثبيت مكاسب الربيع المغربي، واستثمار دستوره الذي أعطى لممثلي الأمة دوراً مهماً في رسم السياسات واتخاذ القرارات، من دون الوصول إلى الاصطدام مع الجالس على العرش الذي أعطاه الدستور صلاحية إدارة الأمن والجيش والشؤون الدينية، فيما أعطى لرئيس الحكومة صلاحية التدبير اليومي لشؤون السياسة والاقتصاد والاجتماع، فيما يشبه نظاماً يقع في الوسط بين الملكيات المطلقة والملكيات البرلمانية، على أمل أن تتطور الممارسة السياسية في ظل التقاليد البرلمانية وشفافية الاقتراع نحو نموذج الحكم الراشد.
ألقى بنكيران خطاباً مهماً في المؤتمر الاستثنائي للحزب، أعاد فيه وضع النقاط على الحروف، في منعطفٍ حسّاسٍ من تاريخ تطور التجربة السياسية المغربية التي اعتمدت شعار (الإصلاح في ظل الاستقرار)، ووجه ثلاث رسائل على قدر كبير من الأهمية:
كانت الرسالة الأولى موجّهة إلى الملكية، حيث لخص بنكيران (فلسفته) في إدارة هذه العلاقة المعقدة بالقول: "نحن ندافع عن الثوابت، ونحن وراء الملك في كل المعارك التي يخوضها في الداخل والخارج، قضينا عشرين عاماً في المعارضة، وخمس سنوات في الحكومة، وأدرنا أمورنا بالتعاون مع الملك، لا بالصراع معه". لكن، في الوقت نفسه، يقول بنكيران: "لسنا مسيحيين، لندير الخد الأيسر للذي يصفعنا على الخد الأيمن". ويقيم بنكيران، هنا، فصلاً لم تتعوّده النخب السياسية التقليدية في المملكة بين الاحترام والتعاون الواجب مع الملك، والتحفظ على سياساتٍ واختياراتٍ تُحسب على القصر، صراحةً أو ضمناً. هكذا، يستطيع بنكيران أن يجمع بين نقيضين، الحكومة والمعارضة.
كانت الرسالة الثانية لزعيم "العدالة والتنمية" موجهةً إلى حزب الأصالة والمعاصرة (حزب الدولة)، وتقول إن اللعب بالانتخابات التشريعية المقبلة خط أحمر. يقول بنكيران: "ستكون الكلفة السياسية للمناورات التي تُحاك ضد التجربة الديمقراطية في المغرب غالية، فإذا كنا حزباً مدافعاً عن الثوابت، حريصاً على الاستقرار، نظيف اليد، ملتزم بقوانينه وديمقراطيته، فمن يزعجه هذا الأمر؟". ويحاول بنكيران أن يخيف الدولة العميقة من احتمال فبركة خارطة انتخابية، بعيدة عن حقيقة كل حزبٍ في صندوق الاقتراع ووزنه.
كانت الرسالة الثالثة، في كلمة بنكيران، موجهة إلى الشعب المغربي، وإلى 13 مليون ناخب يريد أن يجعل منهم شاهدين وفاعلين في استحقاق السابع من أكتوبر، وليس أن يبقوا جالسين على الكنبة، يتفرجون، بل يريد إشراكهم في حماية الاختيار الديمقراطي، وتحمّل مسؤولية الدفاع عنه. يقول زعيم "العدالة والتنمية": "اليوم نأخذ الشعب شاهداً على أننا لن نتراجع، تحت تأثير المكر والخداع والمناورات وأنواع الإفك والتلفيق والاتهام بالباطل. لن نتراجع، وليس لنا الحق في التراجع، لأن هذه التجربة جعلت من المغرب محط أنظار العالم، دولة آمنةً في محيط مرتبك".
وقد أضفى زعيم "العدالة والتنمية" حيويةً على الممارسة السياسية في المغرب، فهو يُقاوم، بطريقته، مخططات قتل روح السياسة، وجعل الأحزاب قطعاً جامدة على رقعة الشطرنج. لم يجبره كرسي السلطة على بلع لسانه، ولا حجب عنه بريق المنصب جذوره الاجتماعية. إنه يجرّب خلطة جديدة للإصلاح من الداخل، وهو يعرف صعوبات هذا الخيار وتعقيداته، في بلادٍ صار صبر الناس فيها قليلاً.
A0A366A1-882C-4079-9BED-8224F52CAE91
توفيق بوعشرين

كاتب وصحفي مغربي، رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" المغربية.