بلير والفهم المُتأخر

26 مايو 2016
يحاول بلير جرّ الفلسطينيين لمزيد من التنازلات(غالي تيبون/فرانس برس)
+ الخط -
أقول لكم بكل صدق وصراحة "اليوم أنا أفهم الشرق الأوسط أفضل من السابق"، هذا ما قاله رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، قبل عدة أيام، عندما كان يمارس هوايته في "اللف والدوران" لتبرير الأخطاء القاتلة التي خلّفها بمشاركته الولايات المتحدة الأميركية في العدوان على العراق في عام 2003.

توني بلير الذي استقال من مهمته في الرباعية الدولية للسلام في الشرق الأوسط، من دون الاعتراف بالفشل أو الاعتذار عن عدم تحقيق أي شيء طيلة ثماني سنوات من العمل في مهمة كان من المفترض أن تحرز تقدّماً في مسار السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، عاد ليطل برأسه مُجدداً مُتنقلاً سراً خلال الأسابيع الماضية بين القاهرة وتل أبيب ورام الله، وربما عواصم عربية أخرى، لإخراج حلقة جديدة من مسلسل "وهم السلام"، وهذه المرة من بوابة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وتحت غطاء دخان "المبادرة الفرنسية".
ويبدو أن "بلير 2016"، رئيس "المجلس الأوروبي للتسامح والمصالحة"، أو على الأصح "المجلس الصهيوني العالمي لكسر حركة مقاطعة إسرائيل"، يرى الظروف الراهنة مناسبة جداً لجر الجانب الفلسطيني إلى المزيد من التنازلات التاريخية، لا سيما وهو الطرف الأضعف، بحكم ما يشهده "البيت الفلسطيني" من خراب، وما يشهده الإقليم من دمار. وربما يرى بلير، صديق إسرائيل المُزمن، في الظروف الإقليمية والدولية، فرصة ذهبية لتصفية القضية الفلسطينية، وتحقيق صفقة "سلام" بين العرب وإسرائيل سقفها الأعلى دون المبادرة العربية التي رفضتها إسرائيل في عام 2002.
رغم هذا الزعم بـ "الصدق والصراحة"، وادعاء "الفهم"، يبدو أن "بلير 2016"، لم يستوعب أن إسرائيل لا تنشد "سلاماً" مع العرب، وإنما تسعى إلى فرض استسلام مهين وتطبيع مجاني. ولعل في الرد الإسرائيلي على خطاب السيسي، ما يبرهن على ذلك، وإلا بماذا يُفسر بلير مقابلة إسرائيل عاصفة "التطبيع العربي"، بتعيين زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" المتطرف أفيغدور ليبرمان، وزيراً للأمن، أليس هو ذاته ليبرمان صاحب الدعوة إلى تدمير السد العالي، وصاحب نظرية تدمير السلطة الفلسطينية، وإعادة احتلال قطاع غزة؟
إسرائيل رفضت المبادرة الفرنسية، وقبل ذلك رفضت المبادرة العربية، وبينهما واصلت الاستيطان والتهويد والقتل والاغتيال، وشنّت ثلاثة حروب على قطاع غزة المُحاصر، وربما تستعد اليوم مع وزير أمنها الجديد إلى شن عدوان رابع، في رد "جميل" على الانبطاح العربي القبيح.

المساهمون