مع بلوغ ممارسات التنكيل ذروتها في الأيام الأخيرة بحق أهالي بلدة العيسوية، الواقعة شمالي شرق البلدة القديمة من القدس المحتلة وسط الضفة الغربية، يدرك الأهالي هناك ومنهم عضو لجنة المتابعة في البلدة، محمد أبو الحمص، أن ممارسات التنكيل التي كان هو آخر ضحاياها قبل أيام، تتصل بما هو أبعد من جرائم ترتكب بحقهم، ألا وهو المخطط الاحتلالي القاضي بعزل بلدتهم عن القدس وعن سائر أحيائها وربطها بمناطق تخضع إدارياً لسلطات جيش الاحتلال وذراعه التنفيذية المسماة "الإدارة المدنية"، وبالتالي إخراجها من منطقة النفوذ البلدي لبلدية الاحتلال في القدس. أبو الحمص، والذي يظهر في كل مواجهة بين شبان وأهالي بلدته العيسوية من جهة، وجنود الاحتلال من جهة أخرى، كان قد تعرض قبل أيام قليلة إلى اعتداء وحشي ببندقية أحد جنود الاحتلال، ما أفقده الوعي قبل أن ينقل إلى مستشفى هداسا الإسرائيلي المقام على تخوم بلدته في جبل المشارف، المطل على البلدة القديمة من القدس.
لم يكن الاعتداء الأخير بحق أبو الحمص الأول من نوعه، فقد تعرّض لاعتداءات كثيرة، وفي المرة التي سبقت الاعتداء الأخير أبعد عن بلدته لنحو أسبوعين، لكنه لم يبتعد كثيراً عنها إذ افترش الأرض عند مدخلها الغربي الرئيسي ليقضي هناك مدة إبعاده، قبل أن يعود إليها ليخوض في الأسبوع الأخير معركة جديدة من التصدي لاعتداءات جنود الاحتلال على مدارس البلدة وتلاميذها وعلى أولياء الأمور فيها، وهو عضو في لجنة أولياء الأمور بالبلدة.
وأدت جرائم الاعتداء والتنكيل على مدى الأشهر الستة الماضية بحق أهالي العيسوية إلى سقوط شهيد، وإصابة واعتقال المئات من أبناء البلدة من الشباب والأطفال وحتى من النساء وكبار السن، فيما الاعتداءات مستمرة، مع تلفيق الاتهامات الباطلة للأهالي من أجل تبرير جرائم الاحتلال بحق البلدة. ومن تلك الاتهامات، ما حصل أخيراً بوضع أكياس من الألعاب النارية في مدخل منزل المواطن فتحي المصري وتصويرها من قبل جنود الاحتلال، لكن الأهالي انتبهوا، ووثّق بعض الشبان عملية وضع تلك المفرقعات ومواجهة جنود الاحتلال وجهاً لوجه بما قاموا به حسبما أوضح أبو الحمص في حديث لـ"العربي الجديد".
من جهته، ذكر أشرف المصري، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "12 جندياً من أفراد الوحدات الخاصة الإسرائيلية يرافقهم مصوّر من عناصر الشرطة كانوا قد اقتحموا منزل العائلة، وقاموا بزرع تلك المفرقعات على مدخل المنزل وتصويرها، لإظهار أن شبان البلدة هم من خبأوها ليستخدموها في مهاجمة قوات الاحتلال التي حوّلت البلدة إلى مسرح من الجرائم اليومية ترتكب على مدار الساعة". ويهدف الاحتلال من وراء جرائمه في الممارسات اليومية بحق العيسوية وأهلها، إلى كسر إرادة البلدة وأبنائها وتنفيذ مخططاته بالعزل وإخراجها من داخل الحدود البلدية للقدس، إذ تُعتبر البلدة واحدة من أقوى نقاط المواجهة والمقاومة للاحتلال ومخططاته.
في السياق، كشف هاني العيساوي لـ"العربي الجديد" أن "الاحتلال صادر معظم أراضي بلدة العيسوية وحاصرها بمستوطناته من كل الجهات، وآخر مصادراته الاستيلاء على مئات الدونمات من أراضيها في الناحية الشرقية لصالح ما يسمى بالحدائق القومية"، مضيفاً أنه "لا يكاد يمرّ يوم من دون أن يهدم من منازلها أو يسلم مواطنيها إخطارات بالهدم، كل هذا يهدف إلى دفع الأهالي للاستسلام، وبالتالي فإن الاحتلال يمارس عملية تطهير عرقي ظاهرها ممارسات التنكيل وما يقترفه من جرائم، أما باطنها فهو عزل البلدة والتخلص من سكانها الذين يربو عددهم على 25 ألف نسمة". ما ذهب إليه العيساوي، أكده أيضاً خبير الأراضي والاستيطان خليل تفكجي في حديث لـ"العربي الجديد"، مشيراً إلى أن الهدف من هذه الممارسات هو كسر النواة الصلبة، قاصداً بذلك العيسوية، لتكون رسالة ودرساً لغيرها من المواقع والأحياء في القدس التي تعد نقاط مواجهة ساخنة معه.
وقال تفكجي: "الاحتلال يسعى منذ زمن طويل لإخراج العيسوية من منطقة نفوذ بلدية الاحتلال في القدس، بعد أن يحطم بنيتها الديمغرافية وتركيبتها العشائرية، علماً أن ما يجري تنفيذه على الأرض وبصمت يتعلق بنفق تحت الأرض يربط البلدة ببلدة عناتا المجاورة ليتبعها بعد ذلك إغلاق مدخلها الغربي الرئيس الذي يربطها بمركز المدينة". وفيما يتعلق بالمكانة القانونية لأهالي بلدة العيسوية فيما لو تم عزل بلدتهم، لفت إلى أن "سكان البلدة سيحتفظون ببطاقاتهم الشخصية التي ستتيح لهم التنقل والحركة، لكن من دون أي امتيازات اجتماعية أو اقتصادية. بالتالي سيصبحون بمكانة غير واضحة أو محددة، فلا هم خاضعون للسلطة الفلسطينية، ولا هم تحت سلطة (الإدارة المدنية) الإسرائيلية التي سترفض تحمل أية مسؤولية تجاههم". وكانت سلطات الاحتلال، انتهت مطلع العام الحالي، من إنشاء حاجز عسكري إلى الشرق من بلدة العيسوية يربط الشوارع المارة بين جنوب الضفة الغربية وشمالها ضمن مخطط للفصل بين سيارات الفلسطينيين والمستوطنين.
ووفقاً لتفكجي، فقد أقيم هذا الحاجز على جزء من 2070 دونماً من أراضي بلدة العيسوية التي صودرت عام 1994، وقد شيّد الاحتلال على جزء منها جدار الفصل العنصري، علماً بأن الحاجز هو جزء من خطة هيكلية تحمل رقم 4585، ويعرف بشارع الطوق والذي يشمل أيضاً شق أنفاق تحت مدينة القدس وجسور فوقها، ويمتد شرقاً من بلدة عناتا حتى حاجز قلنديا، بالإضافة إلى طريق أبو جورج، إلى الشرق من بلدة عناتا.
ووفقاً للجنة المتابعة في بلدة العيسوية، فإن الحاجز الجديد مقام بالقرب من معسكر جيش الاحتلال المقام على الأراضي الزراعية لأهل البلدة التي منع الأهالي من الوصول إليها في المنطقة الشرقية، والمعروف الآن بـ"معسكر الكتيبة"، المكلف بتأمين الحماية للمستوطنين خلال تنقلاتهم بمحاذاة البلدة. يُذكر أن شارع الطوق الشرقي، سيطوق المدينة المقدسة ابتداء من أراضي قرية أم طوبا جنوب القدس حتى حاجز قلنديا شمال القدس، وسيلتهم عند استكمال شقه حوالي 2300 دونم من أراضي القرى والبلدات الفلسطينية: أم طوبا، صورباهر، جبل المكبر، الشيخ سعد، السواحرة، أبو ديس، العيزرية، الطور، الزعيم، والعيسوية.