منذ عام 2002 تعتمد بلجيكا قانون القتل الرحيم الذي يسمح بإنهاء حياة شخص في حالة المرض بعد مرور طلبه من خلال طبيب ثم موافقة لجنة فيدرالية عليه. لكنّ ازدياد الطلبات "غير الموجبة" دفع إلى إعادة النقاش حول هذا الحق.
في بلجيكا، تتضمن طلبات القتل الرحيم التي تصل إلى اللجنة الفيدرالية للرقابة والتقييم، في المكان المخصص للتشخيص، عبارة واحدة في بعض الأحيان هي "التعب من العيش" باللغة الفرنسية أو الهولندية. وهو ما يدفع باللجنة، بشكل منهجي، إلى تقديم طلب إلى الهيئة الطبية لتحديد الحالة الخطيرة والمستعصية التي يعاني منها المريض.
تقول لـ"العربي الجديد" الخبيرة في الشؤون المحلية البلجيكية أنيك هوفين: "أبرزت دراسة أجريت في منطقة الفلاندرز ونشرت عام 2015 أنّ بعض الأطباء البلجيكيين يعتبرون التعب من العيش سبباً مشروعاً للموافقة على طلب القتل الرحيم، إذ أشار ربع الأطباء الذين شملهم الاستطلاع إلى ذلك في الأسباب التي أدت بهم إلى الرد بشكل إيجابي على طلب المريض، الذي غالباً ما يكون مسناً. لكن، لا توجد أيّ دلائل على النسبة المئوية للحالات التي كان فيها التعب من العيش هو السبب الوحيد المذكور في الطلب".
اللجنة الاستشارية الأخلاقية في مجال علم الأحياء في بلجيكا التي يطلب منها النظر في طلبات القتل الرحيم الجديدة لمرضى يعانون من مشاكل نفسية، اعتبرت في قرارها الصادر هذا الأسبوع بعدم جواز قبول طلب القتل الرحيم للمسنين الذين تعبوا من العيش فقط. وقد توصلت اللجنة، في ما يتعلق بهذه النقطة، إلى إجماع في الآراء. وينص الرأي الذي نشر كاملاً هذا الأسبوع، على أنّه: "حتى عندما تكون المعاناة لا تطاق، فهناك حاجة إلى ضرورة طبية لقبول تنفيذ القتل الرحيم. والشيخوخة ليست مرضاً في حد ذاتها". يقول البروفيسور بول كوسينز، نائب رئيس اللجنة الاستشارية الأخلاقية في مجال علم الأحياء لـ"العربي الجديد": "هناك مثلاً كثير ممن تجاوزوا التسعين ولا ينتظرون أيّ شيء من الحياة. فليست لديهم خطط للمستقبل ويعتقدون أنّ الحياة بالنسبة لهم قد انتهت. لكن، إذا لم تكن هناك أمراض فعلية فالقتل الرحيم لا يمكن أن يُسمح به في هذه الحالات".
وتطرح مسألة "الأمراض الفعلية" مجموعة من الأسئلة منذ صدور القرار، على الرغم من أنّ جميع أعضاء اللجنة متفقون على أنّه يمكن اعتبار بعض حالات تعدد الأمراض التي تتطور مع التقدم في السن، سبباً لطلب القتل الرحيم، لكن بشرط أن تكون هذه الأمراض لا تُحتمل في ما يتعلق بالمعاناة وغير قابلة للشفاء، خصوصاً غياب الأمل على المستوى الطبي. يقول البروفيسور بول كوزينز: "يعبر بعض الأشخاص المسنين عن شكاوى. لكنّ السؤال المطروح هو إن كان طلبهم يتعلق بالشيخوخة فحسب أم بحالة مرضية. فهناك فرق بين الشيخوخة المتعلقة بتقدم عمر الأنسجة بيولوجياً والتي تؤدي إلى نقص في السمع والبصر والقدرة على التحرك من جهة، والأعراض المرضية الفعلية من جهة أخرى". يضيف: "بالنسبة إلى محبّي الموسيقى مثلاً، فإنّ ضعفاً في السمع يصل إلى الصمم يمكن أن يعني نقصاً كبيراً في نوعية الحياة. وهو ما يطرح مجموعة من الأسئلة للنقاش في كيفية اتخاذ القرار".
ترفض اللجنة الاستشارية الأخلاقية في مجال علم الأحياء بالإجماع ما تسميه "المعالجة الطبية للمشاكل الاجتماعية". فبحسب البروفيسور، بول كوزينز: "كان هناك إجماع على التعبير عن هذا الموقف. فإذا كان الشخص المسن معزولاً، من دون علاقات اجتماعية، ومن دون أسرة، وفي ظروف مالية سيئة، فإنّ القتل الرحيم لا يمكن أن يكون حلاً لهذا الوضع". كذلك، تقول أنيك هوفين: "على الرغم من أنّ الكثير من المرضى يشيرون إلى المعاناة النفسية الناجمة عن مجموعة من المشاكل النفسية والاجتماعية والطبية، فلا يمكن تفعيل قانون عام 2002 الذي لا يسمح بالقتل الرحيم سوى في حال وجود مشاكل طبية تتعلق بألم مستمر ولا يطاق ومن دون حلّ". تضيف أنّ "اللجنة الأخلاقية شددت في قرارها على أنّ الإحساس بالوحدة والعجز يتطلب استجابة اجتماعية واقتصادية وسياسية عاجلة وليست طبية، خصوصاً إذا كان الأمر يتعلق بقبول طلب القتل الرحيم".
وقد أوصت اللجنة بإيلاء قدر أكبر من الاهتمام لتدريب الأطباء على المعرفة الدقيقة بالقانون المتعلق بالقتل الرحيم والتفكير الحاسم في ترسيخه في مجال الممارسات الطبية الخاصة بالمسنين. وهذا يعني أيضاً معرفة بالرعاية التلطيفية، وفقاً للجنة.
كذلك، دعا أعضاء اللجنة إلى إجراء تقييم حقيقي لقانون القتل الرحيم لعام 2002، فضلاً عن إجراء دراسات علمية بشأن جميع القرارات الطبية الخاصة بمرحلة نهاية العمر. بما في ذلك التخدير المستمر، الذي يهدف إلى تخفيف آلام المريض، لكنّ له تأثيراً على تسريع الموت.
وصل عدد حالات القتل الرحيم عام 2016 إلى 2024 حالة بحسب اللجنة الفيدرالية للرقابة والتقييم، و2021 حالة عام 2015. كذلك، شهد عام 2016 تنفيذ القتل الرحيم لأول مرة على قاصر كان في المرحلة النهائية من المرض.