05 نوفمبر 2024
بعد فوز ترامب.. أميركا وسورية والعالم
فاز مرشح الحزب الجمهوري، دونالد ترامب، في الانتخابات الرئاسية الأميركية، ليصبح الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة، وجاء فوزه تاريخياً، ومخالفاً لمعظم التوقعات واستطلاعات الرأي، ومسجلاً سابقةً، تتمثل في وصول شخص من خارج المؤسسة الحزبية الأميركية، لأول مرّة، إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة، بعد سباق انتخابي محموم، حظي باهتمام ومتابعة الملايين، حتى كاد مشهد الانتخابات الأميركية يحتكر المتابعة الإعلامية، وخصوصاً في منطقتنا العربية، نظراً لأن نتيجتها ستترك آثاراً على مسار الأوضاع فيها، وعلى ملفاتها الساخنة الكثيرة التي يتوقف مآلها، إلى حدّ بعيد، وخلال السنوات المقبلة، على طريقة تعامل الإدارة الجديدة معها.
ويأتي فوز ترامب بعد حملة انتخابية، تميزت بحدّتها وبخروجها عن المألوف والتقليدي، استخدمت فيها كل الوسائل المتاحة والممكنة لدى كل من هيلاري كلينتون التي تنافست على أمل أن تصبح أول سيدة في منصب الرئاسة، في وجه دونالد ترامب القادم من عالم المال والأعمال، والبعيد عن مزاولة السياسة بالشكل الحزبي التقليدي، الأمر الذي كشف خللاً كبيراً في الحزبية الأميركية، فيما بدت العملية الانتخابية وكأنها صراع محموم، وصلت فيه حمّى المنافسة إلى حدّ جعل كلاً منهما يستند إلى رؤيةٍ تسعى إلى الانتصار بأي ثمن، من خلال النيل من الخصم، بدءاً من تناول تاريخه الشخصي، وتناول سيرته، وصولاً إلى نبش أسراره والحفر في ماضيه.
ويجسّد وصول ترامب إلى البيت الأبيض ظاهرة، ويثير مخاوف وتوجسات، وسيكون له أثره الواسع على مناطق كثيرة من العالم، وخصوصاً منطقتنا العربية وملفاتها الساخنة، وعلى العلاقات الأميركية الروسية وسياسات واشنطن في العالم، حيث بنى ترامب ملامح سياساته على انتقاد سياسات هيلاري كلينتون ورفضها، بوصفها استمراراً لعهد الرئيس باراك أوباما الذي لم يسلم من انتقادات ترامب الكثيرة له، في مقابل الإشادة بمواقف الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، والإعجاب بها، غير أن أي رئيس أميركي لم يكن صاحب صلاحيات مطلقة، إذ على الرغم من أهمية دوره كفرد، إلا أن المؤسسات التقليدية الحاكمة، ومراكز رسم الاستراتيجيات والسياسات وصنعها، ستلتف عليه وتقيده بجملةٍ من الضوابط والمحدّدات، كونها تمثل قوىً مدنية وعسكرية واستخباراتية مؤثرة داخل الإدارة وخارجها.
وليس مبالغاً فيه القول إن فوز ترامب قد يغيّر المستقبل السياسي للولايات المتحدة وتوازناتها
وإذا كانت هذه الانتخابات الرئاسية الأميركية قد كشفت انقساماً كبيراً في المجتمع الأميركي، امتد إلى مختلف تفاصيل هذا المجتمع، ونسيجه الاجتماعي، وبدا في صورة خلافات وصراعات، إلا أن ذلك يشير إلى تغير شعبي عميق حدث في المجتمع الأميركي، وبشكل لم تتمكّن معه هيلاري كلينتون من أن تصبح الرئيسة التي يلتئم حولها الأميركيون، كونها افتقدت الجاذبية والشعبية، إضافة إلى أن قسماً كبيراً منهم لم يثق بها، واعتبرها صناعة المؤسسة الحاكمة، وخصوصاً الشركات الكبرى المدنية والعسكرية، وبالتالي، فإن أميركا المنقسمة على نفسها ستزداد عداءً في ما بينها، مع فوز دونالد ترامب، المرشح الجمهوري رغم أنف الجمهوريين.
غير أن ترامب يمثل ظاهرةً نامية جديدة، تمثل الرجل الأميركي الأبيض الذي بنى خطابه على كراهية الآخر، والاحتجاج على وضع الولايات المتحدة الراهن، ويمكن تسمية هذه الظاهرة الجديدة، الترامبية (نسبة إلى ترامب)، وهي ليست وحيدة في العالم، إنما تحاكي ظاهرة صعود النزعات اليمينية المتطرّفة في أوروبا، والتي تجسّد إيديولوجيتها أحزاب اليمين وتياراته في بلدان أوروبية عديدة، لكن الظاهرة الترامبية هي الأكثر وضوحاً وصفاقةً، مقارنة بالنموذج الذي ينمو وينتشر بسرعة في بلدان الاتحاد الأوروبي التي أضحت فيها أحزاب اليمين تنمو وتعتاش على خطاب العداء للآخر، وخصوصاً العربي الإسلامي، وراحت تراكم مكاسبها الانتخابية على حساب معاناته، ليبلغ هذا الخطاب ذروته في خطاب ترامب العدائي خلال حملته الانتخابية.
وإذا كانت الظاهرة الترامبية ستلقي بأثرها العميق على الديمقراطية التمثيلية الأميركية، إلا أن
قد يكون من المبكّر استشراف النهج الذي سيتبعه دونالد ترامب حيال الصراع في سورية وسواها، لأن الأمر لا يتعلق بالمواقف خلال الحملة الانتخابية التي عادة ما تتغيّر، بعد وصول المرشح إلى منصب الرئاسة، بل يتعلق بالإدارة التي سيختار الرئيس الجديد أعضاءها في البيت الأبيض والبنتاغون والخارجية ومختلف الإدارات. ولكن، هناك توجس من أن ندخل مرحلة جديدة في الشكل، لكنها، من حيث المضمون، مشابهة سابقتها، خصوصاً أن ترامب وعد بأن تكون أولويته هي "التخلص من داعش"، قبل الحديث عن سورية، واعتبر مصير الأسد ثانوياً.