بعد الهزيمة أمام كورونا: هل باتت الأوبئة أشدّ شراسة وصعوبة؟

11 اغسطس 2020
بدأ ربط الفيروس بالمتغيرات المناخية والتخريب البيئي يأخذ اهتماماً متزايداً (Getty)
+ الخط -

تجاوزت أميركا عتبة الخمسة ملايين إصابة بكورونا. حصة فاضحة ومحرجة أثارت الكثير من الجدل حول كيفية وصول أميركا إلى هذه النقطة، وما العمل لفرملة الفيروس، إن لم يكن القضاء عليه. فهذه المحطة اعتبرت لطخة وعلامة هبوط لبلد عملاق، انتهى حتى الآن ليدفع ربع تكلفة العالم من إصابات ووفيات بهذا الوباء. وإذا كانت السياسة بحكم تقديم حساباتها الانتخابية قد لعبت دورها في مفاقمة الخسارة؛ فإن المسألة في أصلها واحتمالاتها ومخاطرها تشكل تحدياً أكبر على المستويين القريب والبعيد، بحيث إنها ترتبط بمدى أضرار التلوث المناخي وتخريب موازين الطبيعة، حسب قراءات علمية وأكاديمية تحذّر من الدخول في زمن الأوبئة الشرسة، التي يصعب التصدي لها بالمعالجات واللقاحات كما كان في السابق.

أما بخصوص أسباب الوصول إلى هذا الحد، فلا جدال بين الجهات المعنية بأن أهل القرار اختاروا المكابرة منذ البداية وعدم الاعتراف بخطورة الحال واتخاذ الاجراءات اللازمة للحد من انتشار الفيروس. أدى ذلك إلى التأخير، وبالتالي إلى فوات أوان الاستدراك في الوقت الملائم  المبكر، وربما فتح الباب للتفشي الذي خرج عن السيطرة إلى حد بعيد. فحتى الآن وباستثناء أسابيع قليلة بين مايو/أيار ويونيو/حزيران الماضيين؛ كان معدل الوفيات اليومي أكثر من ألف. كما وصل عدد الإصابات إلى خمسين ألفاً يومياً وأحيانا أكثر. حجم لم تعرفه بلدان لا تقارن إمكاناتها الطبية بجزء من المتوفر للولايات المتحدة. ومع هذا لا تزال النواقص قائمة حتى الآن، في التخطيط والتمويل والتنسيق، الأمر الذي يهدد بالمزيد من الإصابات والتعطيل لدورة الحياة العادية، وخاصة الاقتصادية والتربوية–التعليمية والمعيشية. وما زال البيت الأبيض يبشّر بقرب العثور على علاج أو لقاح في المدى القريب، خلافاً لكافة التوقعات الطبية، لعلّ ذلك يساعد في تحسين رصيد الرئيس عشية الانتخابات القريبة.

اختارت الإدارة الأميركية المكابرة منذ البداية وعدم الاعتراف بخطورة الحال واتخاذ الاجراءات اللازمة للحد من انتشار الفيروس، مما أدى إلى التأخير وفوات الأوان

لكن الأخطر في دروس كوفيد 19 التي توصلت إليها دراسات وأبحاث علمية أميركية، أن هذه الجائحة قد تكون بداية نمط من الأوبئة "ذات المنشأ الحيواني الذي يُعتقد أنها تطورت بفعل التضييق الإنساني على البيئة الحيوانية البرية"، حسب كولن كارلسون، أستاذ علم البيئة في جامعة جورج تاون في واشنطن. والذي يرى أن "تكثيف الزراعة وتدمير الأمكنة الطبيعية للحيوانات، إضافة إلى ارتفاع درجة الحرارة الكونية، كله أجبر هذه الكائنات على البحث عن بيئة أخرى صارت بحكم ضيق المكان قريبة من البشر، مما جعل فيروساتها تنتشر بيننا". ويشرح في هذا السياق كيف أدّى ذلك إلى اقتراب الخفافيش في الصين من المراكز السكنية، الأمر الذي زاد من خطر تسلل فيروساتها "التي يكفي أن يكون أحدها من النوع المُعدي حتى يلتقطه شخص ثم يتوزع من خلاله إلى الكثرة".

كما أن ربط الفيروس بالمتغيرات المناخية والتخريب البيئي بدأ يأخذ المزيد من الاهتمام بعد استعصاء الوباء. ويعزز هذا الاعتقاد أن "طبيعة كوفيد 19 ما زالت مجهولة إلى حد بعيد. ويزيد من المخاوف أن التعاون العلمي الدولي تراجع منذ بداية القرن الحالي بسبب "تقلص التمويل". وهذا وضع مرشح للتفاقم في ضوء التعثر المتوقع لمنظمة الصحة العالمية"، التي طرحت علامات استفهام حول تأخيرها في الإبلاغ عن الفيروس وانسحاب واشنطن منها، ما يحرمها من 450 مليون دولار سنوياً لتمويل موازنتها.

فيروس كورونا الذي كان من المحتمل أن يكون زخمه قد تراجع في مثل هذا الوقت وبانتظار موجة الخريف القادم، هو الآن المحور والمركز. وتتخوف الجهات الطبية من تزايد انتشاره في المناطق الريفية، طالما أن الانضباط يتراخى لتطويقه. وبذلك باتت كل الأزمات والاستحقاقات  الزاحفة مرتبطة به، من الحالة الاقتصادية والبطالة، إلى حزمة التحفيز المتعثرة، إلى العودة إلى المدارس بعد أقل من أسبوعين، وانتخابات الرئاسة بعد 85 يوماً. وكلها استحقاقات مؤجلة الحلول أو مرشحة للتأزم وعلى رأسها الانتخابات.

المساهمون