بعد الانفصال.. معارك تنتظر أجنحة "نداء تونس"

12 يناير 2016
من مؤتمر "نداء تونس" في العاصمة تونس (أمين الأندلسي/الأناضول)
+ الخط -

بعد أشهر طويلة من عمر أزمة حزب "نداء تونس"، وصل الندائيون إلى القطيعة المنتظرة والمتوقعة منذ بدء الأزمة، بُعيد الانتخابات الرئاسية (2014)، ليتحوّل الحزب الى حزبين، ويغيّر المشهد السياسي والنيابي في تونس، في انتظار استكمال مؤتمرات أحزاب أخرى.

في مشهد سينمائي درامي، كان جناحا "النداء" المنقسمان، يجتمعان في تونس وسوسة على التوالي، يوم الأحد، في وقتٍ واحد، ويتبادلان التهم، في ظلّ صراع تداخلت فيه الطموحات الشخصية وقضايا الهوية والخيارات الاستراتيجية، التي قادت بطبيعة الحال إلى القطيعة والانقسام. وجاءت مسألة خلافة الرئيس الباجي قائد السبسي، في الدولة والحزب، على رأس الخلافات، بعد انفجار الأزمة مع خروجه إلى قصر الرئاسة بقرطاج. وبدأ التناحر باكراً، حول خلافته على رأس حزب أكثري في البرلمان، ويقود الحكومة، ويسيطر على المشهد السياسي بماكينة انتخابية جاهزة، توارثها من حزب "التجمّع" المنحل. خلافة السبسي، لم تكن شأن الطموحين في "النداء" وحدهم، فكثر في أحزاب أخرى يراهنون، منذ الآن، على خلافة رئيس البلاد.

غير أن أزمة "النداء" انطلقت بشكل سريع للغاية، قبل تشكيل حكومة الحبيب الصيد (فبراير/شباط 2015)، تحت يافطة الأيديولوجيا، بسبب معارضة كثر خيار التحالف مع "حركة النهضة" منذ اللحظة الأولى. وبرز في الحزب تيار واضح بملامح يسارية، أثبت اليوم، أن أغلب المنتمين إليه قد غادروا الحزب، إلى الحزب الجديد الذي أعلن عنه محسن مرزوق.

وضمن سياق الخلافات الداخلية، تواصل جدل الهوية الفكرية إلى آخر لحظات الصراع، خلال افتتاح مؤتمر الحزب في تونس، الأحد، بمناسبة حضور زعيم "النهضة" راشد الغنوشي، الذي أثار موجة من ردود الفعل الواسعة، ما دفع أحد أعضاء الحزب صالح البرقاوي، إلى الانسحاب، بسبب الترحيب الذي لاقاه الغنوشي. واعتبر البرقاوي أنّه "وقع التخلّي نهائياً عن المشروع الذي جاء من أجله النداء، وهو تأكيد عدم التقائه مع النهضة، لكونهما خطين متوازيين لا يلتقيان".

اقرأ أيضاً محسن مرزوق: أعيننا على الفوز بالانتخابات البلدية في تونس

وهو ما أكده محسن مرزوق أيضاً، حين أشار إلى أن "من بين أسباب انفصاله عن الحزب ما يتعلّق بالهوية، التي على أساسها شُكّل، من أجل توجه عصري بورقيبي (نسبة للرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة) يحثّ على التعايش واحترام روح الدستور، تحديداً الفصل بين الدين والسياسة، لأن الدين لله والسياسة للوطن والحياة السياسية".

في المقابل، كانت ورقة الأرضية الفكرية لمؤتمر سوسة، تؤكد أن "المطلوب اليوم هو أن نتّحد حول ما يجمعنا ونتحاور بهدوء ومسؤولية حول ما نختلف فيه. والنظام السياسي الجديد الذي أفرزه دستور 27 يناير/كانون الثاني 2014، يفرض علينا التعايش في الاختلاف والتوافق مع القوى السياسية الأخرى، والبحث عن صيغ التوافق والتشارك في إدارة الشأن العام، وتسمح للخلاف السياسي والفكري، أن يعبّر عن نفسه بكامل الحرية، وفي إطار احترام قانون اللعبة الديمقراطية".

وجاء إعلان الحزب، في سوسة، عن هويته، صريحاً هذه المرة، إذ اعتبر أن "حزب حركة نداء تونس منذ تأسيسه، هو حركة سياسية وطنية، سليلة الحركة الإصلاحية التونسية، ومتأصلة في التربة التونسية تأصّل شجرة الزيتونة المباركة في أرضنا. وهو أيضاً ديمقراطي المنهج والأهداف، واجتماعي المبادئ، ووسطي الموقع ومنفتح على العالم والمنجزات الكونية الإنسانية".

ويتضح من خلال الموقفين المتناقضين لندائيي تونس وندائيي سوسة، أن الخلاف حول الهوية حقيقي، دفع بكثيرين إلى اعتبار عملية الانفصال عملية فرز حقيقية، ستنسحب على كل الأحزاب التونسية التي تشكّلت بسرعة بعد الثورة، ولم تتمكن في غمرة الاستحقاقات الانتخابية المتتالية، من أن تبحث في هويتها أو تتثبت في ملامح مناضليها.

ولكن هذا العامل الفكري لا يفسر وحده ما حدث في النداء، أو في أحزاب أخرى شهدت بدورها انقسامات حادة، فالمستقيلون من "النداء" يساريون ونقابيون، وفيهم أيضاً دستوريون وتجمّعيون (نسبة إلى حزب التجمّع المنحل)، وقد انضموا جميعاً إلى حزب مرزوق الجديد. ويعني هذا، أنهم حملوا معهم نفس أسباب الأزمة من ناحية، كما يعكس أيضاً غضبهم من شكل إدارة الحزب الأمّ، فضلاً عن أن بعضهم يبحث عن مكاسب في سوق حزبية مفتوحة.

في محصلة الأمر، خرج كلا الفريقين خاسراً، إذ تحوّل الحزب الواحد الكبير، إلى حزبين صغيرين، تاهت بينهما شخصيات مرموقة وجدت نفسها خارج اللعبة الحزبية، على غرار رئيس مجلس النواب محمد الناصر، ووزير الخارجية السابق الطيب البكوش، وكثر لم يحسموا أمرهم بين الخيارين إلى حدّ الآن، فضلاً عن آخرين غاضبين من نتائج مؤتمر سوسة، مثل وزير الصحة سعيد العايدي، والنائبة بشرى بلحاج حميدة، ونواب آخرين سيلتحقون بالمستقيلين.

وقد خسر "نداء تونس" قيادات كبيرة وأصواتاً مهمة كانت وراء نجاحه في الانتخابات التشريعية والرئاسية، فلا أحد يمكنه نسيان أن مرزوق كان مدير حملة السبسي الرئاسية، بالإضافة إلى أن كثرا دافعوا عن الحزب لحظة تأسيسه، دافعين عنه تهمة إعادة رسالة "التجمّع"، بفعل معارضتهم المعروفة للرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.

كما خسر الحزب مصدر قوته الحقيقية الفاعلة داخل البرلمان، بعد فقدانه الأغلبية النيابية التي تحوّل إلى "النهضة". وسيدخل الحزب استحقاق الانتخابات المحلية (الانتخابات البلدية في 30 أكتوبر/تشرين الأول المقبل)، منقوصاً من كل عوامل نجاحه في الاستحقاقات الماضية.

لكن كثر داخل الحزب سعداء بهذا الوضع الجديد، باعتبارهم أن انتهوا من أزمة طاولت بعد خروج "المعرقلين لمسار التوافق"، ما سيجعل الحزب في نظرهم أكثر انسجاماً ومرونة وقدرة على التقدّم بسرعة على مسارات كثيرة.

في المقابل، لا يمكن لتفاؤل مرزوق بحزبه الجديد، إخفاء حقيقة المعوّقات التي قد تفرمل من اعتقاده بنجاحه في الاستحقاق المحلي المقبل، فهو خسر أصدقاء كثرا أيضاً، كان يعوّل عليهم. كما سيكون في مواجهة رغبات الطامحين الكثر في حزبه الجديد، وقد بدأت أعراض ذلك تظهر منذ اليوم الأول. لكنه سيكون مجبراً تحديداً على إثبات، أنه لن يكون حزباً عادياً في قائمة الأحزاب الكثيرة، التي تذخر بها تونس، والتي ولدت كلها بطموحات كبيرة، لكنها لم تستطع أن تكون أحزاباً منافسة. وسيكون على مرزوق في الوقت عينه، أن يدفع عن حزبه الجديد تهم "الدعم الخارجي" و"الأجندات الخفية".

اقرأ أيضاً الغنوشي بمؤتمر نداء تونس: يغازل السبسي ويدعو لتجاوز الأحقاد

المساهمون