بعد أربع سنوات حرب: السعودية عاجزة عن إيقاف هجمات الحوثيين على الحدود

20 فبراير 2019
تدور المعارك في مناطق جبلية وعرة(فايز نور الدين/فرانس برس)
+ الخط -

بعد ما يقرب من أربع سنوات حرب دمرت وألحقت أضراراً جسيمة في مختلف مظاهر الحياة في اليمن، لا يكاد يخلو يوم واحد من خبر تبثه وسائل الإعلام السعودية عن مواكب تشييع الجنود الذين يسقطون بنيران مسلحي جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، الأمر الذي لا يُعد سوى أحد شواهد الفشل السعودي بتحقيق انتصار في اليمن ينهي، على الأقل، قدرة الحوثيين على تهديد مناطق سعودية حدودية. وعوضاً عن ذلك يبرز حضورها شرقاً في محافظة المهرة، حيث لا وجود للحوثيين، بقدر أنه تطبيق لأجندة أطماعها غير المعلنة.

وشهدت الأيام الأخيرة ارتفاعاً في وتيرة الهجمات التي ينفذها الحوثيون باتجاه السعودية. وشملت الزحف باتجاه مواقع حدودية متفرقة، حيث أعلنت الجماعة سيطرتها على العديد من المرتفعات في جحفان في منطقة جيزان، ومواقع أخرى في بلدة رشاحة الشرقية والغربية في منطقة نجران، بالإضافة إلى تكثيف القصف المدفعي والصاروخي وأعمال القنص التي استهدفت جنوداً سعوديين في نقاط حدودية مختلفة في جيزان ونجران، المرتبطتين بشريط حدودي مع محافظة صعدة معقل الحوثيين. وفيما يواصل التحالف قصفه الجوي اليومي في المناطق الحدودية، ومحافظة صعدة خصوصاً، تدور المواجهات، وفقاً لمصادر ميدانية، لـ"العربي الجديد"، على الحدود بين الحوثيين من جهة وبين القوات السعودية (من تشكيلات الجيش وحرس الحدود المختلفة)، إلى جانب قوات الجيش اليمني الموالية للشرعية، التي تقدمت من الجانب السعودي من أكثر من جبهة حدودية باتجاه صعدة، وشاركت إلى جانبها في الشهور الأخيرة بمعارك حدود صعدة قوات سودانية كجزء من التحالف. علماً أن المعارك تدور في مناطق جبلية وعرة بالغالب، ما عزز من تحولها إلى معركة استنزاف.

وإذا كانت الحدود مع السعودية على رأس دوافع التدخل العسكري السعودي المباشر بالحرب منذ أربع سنوات، تحت مبرر دعم الحكومة الشرعية، التي انقلب الحوثيون عليها، وإنهاء التهديد الذي يمثله الحوثيون على الحدود الجنوبية السعودية، فقد تحولت الأخيرة إلى أحد أبرز مظاهر الفشل العسكري السعودي. وبينما تروج وسائل الإعلام التابعة للرياض عن انتصارات يحققها الجيش اليمني، مدعوماً من التحالف، باتجاه صعدة معقل الحوثيين، لا يكاد يمر يوم دون أن تقر الرياض بمقتل جندي من الجيش السعودي خلال المواجهات في الحد الجنوبي. وفي الوقت الذي لا تتحدث فيه وزارة الدفاع السعودية عن أعدادهم، تتناول وسائل الإعلام أخبار الجنائز التي تقام في مدن مختلفة من البلاد، بما يعزز ما يعلنه الحوثيون عن هجمات ومواجهات في قرى وبلدات سعودية، لكنهم في المقابل لا يعترفون أيضاً بسيطرة قوات الجيش اليمنية التابعة للحكومة على مواقع حدودية من الجانب اليمني.


وتمثل صعدة والمناطق الحدودية أبرز النقاط الساخنة بالمواجهات والقصف الجوي والمدفعي والصاروخي المكثف، منذ تدشين التحالف عملياته في مارس/آذار2015. ومنذ العام 2017 على الأقل، سعت الرياض إلى التأثير على واقع المعارك الحدودية بدعم قوات من الجيش اليمني تزحف من الجانب السعودي صوب صعدة، وفتحت جبهات في باقم والبقع والملاحيظ. وحتى أن وسائل الإعلام السعودية تحدثت خلال الشهور الماضية عن تقدم صوب منطقة مران في مديرية حيدان، معقل الحوثيين الأول. وفيما تتواصل مواجهات صعدة بين الحوثيين وقوات الجيش اليمنية بوتيرة يومية، فإن ذلك لم يمنع الحوثيين من استمرار تهديد مناطق حدودية تابعة للسعودية. وتقول مصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، إن بعض المعارك تتخذ طابع الكر والفر، كما أن الحوثيين يخسرون أعداداً غير قليلة من مقاتليهم الذين يدفعون بهم لتحقيق انتصارات معنوية وإيصال رسائل سياسية. لكن الأهم بالنسبة إليهم أنهم لا يزالون قادرين على إلحاق خسائر يومية بالسعوديين وقوات الشرعية، كما تعلن الوسائل الإعلامية الرسمية للجماعة على الأقل، رغم الحرب التي يتعرضون لها منذ سنوات.

وخلال العام 2018، تصدرت جبهة الحدود في صعدة وصولاً إلى حجة الواقعة أقصى الشمال الغربي لليمن، تطورات المعارك إلى جانب الحديدة، إذ تقدمت القوات اليمنية الموالية للشرعية في ميدي وحرض وأجزاء من مديريات أخرى في المحافظة، بعد معارك كر وفر، بعضها استمر لسنوات (كما في ميدي). ومع ذلك، يظل وجود الشرعية وتقدمها هشاً بالنظر إلى محدودية التحولات على الأرض. وفي السياق، يتزامن التصعيد الأخير للحوثيين في المناطق الحدودية مع معركة محورية تخوضها جماعة "أنصار الله" في منطقة حجور، غير بعيد عن الحدود، حيث تحشد الجماعة قواتها والموالين لها في المحافظة لإخضاع القبائل غير الخاضعة لها، ولا تتورع في سبيل ذلك، عن اعتماد الأسلوب التعبوي الذي يسعى إلى تقديم الجماعة في موقع "قوة" للتأثير على موقف وجهاء القبائل الذين يمكن أن يكون لموقفهم تأثير في أزمة حجور.

وبينما تواجه السعودية أزمة مع المجتمع الدولي منذ مقتل الصحافي جمال خاشقجي، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وكنتيجة للحرب الفاشلة في اليمن وما خلفته من آثار كارثية، يرى يمنيون أن أحد أسباب الفشل السعودي وتهديد الحدود من قبل الحوثيين هو انصراف التحالف السعودي الإماراتي إلى البحث عن موطئ قدم في المناطق اليمنية الاستراتيجية جنوباً وشرقاً على حساب المعركة مع الحوثيين، الذين لا يزالون يسيطرون على أغلب محافظات شمال ووسط وجنوب غرب البلاد، بما فيها العاصمة صنعاء. وتعد محافظة المهرة البوابة الشرقية لليمن على الحدود مع سلطنة عُمان شاهداً على انصراف السعودية إلى تعميق نفوذها في محافظات بعيدة عن مركز الصراع مع الحوثيين. وتسعى الرياض إلى مد أنبوب لتصدير النفط عبر محافظة المهرة إلى البحر العربي، وتكثيف تواجدها العسكري قرب الشريط الحدودي اليمني مع سلطنة عُمان. إلا أن تحركاتها، مثل أبو ظبي، لم تعد بعيدة عن أعين اليمنيين الذين تنتشر غالبيتهم في المحافظات التي تكتوي بنار الحرب. ولا تزال السعودية عاجزة عن إنهاء التهديدات التي تطاول حدودها على الأقل، ممن تعتبرهم ذراعاً لخصمها الإقليمي إيران، ولا يزالون يمثلون قوة تتحكم بأجزاء غير قليلة من الشمال اليمني بعد أربع سنوات من الحرب، كما أنهم يطورون أنفسهم عسكرياً، على غرار الإعلان عن طرز جديدة من الصواريخ أو الطائرات المسيرة من دون طيار.