بطّيخ

25 أكتوبر 2014
تزايد أرقام الطلاق تزعج الباحثين (Getty)
+ الخط -
في تونس مثلٌ شعبي يُلخّص إقبال الناس على الطلاق خلال السنوات الأخيرة. يقول: "الصيف في الصالة، والشتاء في قصر العدالة". نستعير في لبنان فاكهة البطيخ لوصف الزواج. حظُّ المرء به كحظّه في مذاق هذه الفاكهة.

على الأغلب، ليس محصول البطيخ في أفضل حالاته خلال السنوات الأخيرة، وخصوصاً في الدول العربية، التي لا تكفّ عن إطلاق صيحات "الفزع" بسبب ارتفاع نسب الطلاق. الأرقامُ ليست تفصيلاً في مجتمعات "تبغض" الطلاق، وتُقدّس تكوين الأسر، غير آبهة بتوازن الآباء والأمهات النفسي، وتأثير ذلك على الأجيال المقبلة. وغالباً ما تتجاهل وجع النفس لصالح صورة عائلة تبتسم أمام الكاميرا، لنقلِ واقعٍ جميل ترغب بالاقتناع به، علّه يصيرُ حقيقة.

لكن الأرقام صادمة حقاً. تونس سجلت أكثر من 16 ألف قضية طلاق خلال عام 2005، فيما وصلت نسبة الطلاق في مصر إلى 40% في الكثير من المحافظات، و47% في دول مجلس التعاون الخليجي.

تُصيب هذه الأرقام المجتمعات العربية بالهلع. ويبدأ الباحثون الاجتماعيون بتعداد أسباب معلّبة، يؤمنون أنه يمكن إسقاطها على الجميع. الأسباب اقتصادية واجتماعية في الغالب. لا يتحدث أحد عن حريّة الفرد والحق في الاختيار، وإنصاف المرأة على وجه الخصوص، بعدما باتت قادرة على اختيار "الخضوع" لنفسها أولاً. والإنصاف هنا ليس تشجيعاً لخطوة هي قرار شخصي في نهاية المطاف لا تختلف عن قرار الزواج، وإن كان الأخير في أحيان كثيرة نتيجة موروثات اجتماعية تتحوّل إلى قناعة شخصية بحكم العادة.

ليست العزوبية أو المساكنة أو الطلاق آفات اجتماعية. هي حالات لا تختلف عن الزواج. تجارب شخصية تحتمل النجاح والفشل. وترتبط السعادة بمدى قدرة الشخص على إدارة نفسه فيها. لا شك أن للطلاق أسباباً كثيرة، منها ما يذكره الباحثون، إضافة إلى الاستسلام للموروثات الاجتماعيّة التي تجعل من الزواج "خياراً "لا بدّ منه" بل "حاجة ملحّة"، وسيطرة تفاصيل مؤسّسة الزواج على تفاصيل الثنائي، وغيرها وغيرها.

في رواية زوربا اليوناني لنيكوس كازانتزاكي، يسأل الراوي زوربا إن "كنت تعزف في بيتك على السانتوري لطرد الهموم"؟ يُجيبه: "في البيت، المتاعب، المرأة، الأطفال، ماذا سنأكل؟ ما الذي سنرتديه؟ ما الذي سنصير إليه؟ يا للجحيم. يجب أن تكون متفرغاً للعزف وصافياً". ربما لو عزف زوربا في بيته، لقضى على تفاصيل تزعجهم، ولكانوا رقصوا جميعاً.

يمكن إيجاد السعادة في جميع الخيارات. وهي مهما كانت، لا تستدعي الفزع. ما يهمّ أن العالم العربي بدأ يختار. وهذه حرية أيضاً.

دلالات
المساهمون