بطلة أنثى لا تكفي لصناعة فيلم مخابرات مختلف

13 اغسطس 2017
تلعب تشارليز ثيرون دور البطولة في الفيلم (Getty)
+ الخط -
خلال السنوات الأخيرة، أصبح هناك توجه ملحوظ في السينما الأميركية مرتبط بالتعددية، وكسر الصورة النمطية لبعض أبطال الأفلام. فقبل أشهر، مثلاً، ظهرت أنباء عن احتمالية أن يكون الممثل إدريس ألبا، البطل القادم لسلسلة "جيمس بوند"، في تحد معلن لصورة الجاسوس البريطاني، والتفكير في شكل مختلف، يكون العميل 007 فيه أسود البشرة. وقبل عدة أسابيع، طرحت شركة "دي سي" فيلمها Wonder Woman الذي حقق نجاحاً كبيراً، وكان أول فيلم "أبطال خارقين" من بطولة امرأة خلال السنوات العشر الأخيرة. والآن، يعرض Atomic Blonde، كفيلم حركة يتخذ المخابرات عالماً سرياً لبطلته. الأنثى الجميلة التي لا تكتفي هنا بكونها مغوية، ولكنها المحرك الأساسي لأحداث العالم، وقادرة على قتال الرجال، في استمرار لكسر نمطية صورة "البطل الذكر الأبيض" التي حافظت عليها السينما لعقود. 


ولكن السؤال في المقابل، هل مجرد الاختلاف في هوية أو شكل الشخصية الرئيسية، هو أمرٌ كاف لصنع تميز للفيلم؟ يدور القسط الأكبر من أحداث الفيلم في ألمانيا ما بعد انهيار جدار برلين عام 1989، والأمتار الأخيرة من نهاية الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي التي استمرت لسنوات. يفتتح الفيلم بمشهد قصير في برلين يتم فيه اغتيال عميل مخابرات بريطاني وسرقة قائمة مهمة (يتم استخدامها درامياً كمحرك للأحداث دون الكشف عن تفاصيلها) موجودة في ساعة يده، قبل أن ننتقل إلى لندن بعد 10 أيام، لمتابعة تحقيق مع العميلة لورين برايتون، تكشف فيه ما جرى في الأيام الماضية التي ذهبت فيها إلى برلين في مهمة استعادة القائمة السرية، وتعاونت فيها مع عميل بريطاني آخر هو ديفيد برسيال، وهي المهمة التي انتهت بتطوُّراتٍ غير متوقعة.

هناك بعض الجوانب الإيجابية في هذا الفيلم، على رأسها على الإطلاق، الصورة الجذابة التي تخلقها الممثلة تشارليز ثيرون، في الدور الرئيس، وهو دور ليس صعباً من الناحية الأدائية، ولكن فيه صعوبات جسديَّة واضحة، مرتبطة بمشاهد الحركة المكثفة جداً التي يعتمد عليها الفيلم. وثيرون بهيئتها وطريقتها المقنعة جداً التي أدت بها تلك المشاهد، منحت الفيلم جانبه الأكثر أيقونية في خلق صورة قوية لامرأة مخابرات.

إلى جانب ذلك، فالزمن نفسه الذي يدور فيه الفيلم غير معتاد، ويمنحه بعض التميز حين تبنى الأحداث، وفي خلفيتها جنون العالم في الأيام التي تلت واحدة من أكثر اللحظات تأثيراً في القرن العشرين. ويزداد التميز أيضاً إذا أضفنا إليه قدرة المخرج، ديفيد ليتش، على منح خصوصية بصرية وطابع مختلف عن الأفلام التجارية الشبيهة، تحديداً في اختيار الألوان والتباين الواضح بين بعض المشاهد، مثل الفارق بين أجواء التحقيق والتصوير الخارجي الأزرق في برلين، وبعض المشاهد التي تبنى بالكامل على اللون الأحمر (كمشهد الملهى الليلي)، وكذلك في تنفيذ بعض مشاهد الحركة المسلية فعلاً، وهي نقطة تميز لليتش الذي كان يعمل بالأساس كـ"دوبلير" في المشاهد الخطيرة للنجوم، قبل أن تقدره هوليوود بعد إخراجه لفيلم "جون ويك" عام 2014، ويؤكد هو على قدراته هنا في فيلمه الثاني.

ولكن تلك النقاط الجيدة لا تستطيع، مع ذلك، تجاوز مشاكل واستسهال السيناريو الواضح في كل نقاطه المحورية، والتي تحتوي على كل "الكليشيهات" المتكررة في أفلام المخابرات، والتي تجاوزها "بوند" نفسه منذ فترة طويلة، سواء في الصورة الكارتونية للأشرار الروس ذوي الملامح المتجهمة، والذين يتحدثون بلهجة غريبة، أو عميل المخابرات القادر على أن يقاتل الجميع بمفرده، ويصرع 5 رجال ملتفين حوله دون أن يخدش، وصولاً للطريقة التي يغلق بها الفيلم، والالتواءات الدرامية التي يصنعها في الختام، محاولاً صنع مفاجأة هي في الحقيقة متوقعة منذ المشاهد الأولى. ليبدو في النهاية أن صناع الفيلم اعتمدوا فقط في كتابته على أن بطلته أنثى، وأن تلك هي المرة الأولى التي سنراها تفعل تلك الأشياء.

دلالات
المساهمون