أينما ذهبت في المدن الإيرانية الكبرى تسمع حديثاً مشتركاً حول مشكلة يراها الإيرانيون الأصعب في حياتهم. هي البطالة التي تشكل الهاجس الأكبر للملايين، خصوصاً طلاب الجامعات
بالرغم من أنّ البطالة عقدة يعاني منها ملايين المواطنين، ويعلم المسؤولون بالمشاكل الاجتماعية الخطيرة الناجمة عنها، فإنّ شيئاً لا يتغير في واقع البطالة في إيران.
الخبراء في الشأن الاجتماعي يتحدثون عن أرقام أعلى بكثير مما يعلن عنه رسمياً. وقد أورد صندوق النقد الدولي في تقرير أخير له أنّ نسب البطالة ارتفعت في إيران عام 2016 إلى 11.3 في المائة. كذلك، أعلن مركز الإحصاء الرسمي في سبتمبر/ أيلول الماضي أنّ عدد العاطلين من العمل في إيران يبلغ مليونين و729 ألفاً، بينما ذكرت وزارة العمل أنّه يصل إلى مليونين و500 ألف. لكنّ مركز الدراسات والتحقيقات التابع لمجلس الشورى الإسلامي أفاد مؤخراً أنّ الرقم الحقيقي يتجاوز هذه المعدلات بكثير، ويصل إلى أربعة ملايين و800 ألف إيراني، باحتساب من يعملون في وظائف غير ثابتة، أو يحاولون الحصول على قوتهم اليومي بأعمال حرة غير مضمونة.
يقول مدير هذا المركز كاظم جلالي للصحافة الإيرانية إنّ استمرار الأمر على هذا المنوال يعني أنّ عدد الذين يعانون من البطالة في إيران سيصل إلى 11 مليوناً بعد أقل من خمسة أعوام من الآن. ويدعو إلى تطبيق الخطط التي جرى إقرارها سابقاً، بل إقرار خطط جديدة مجدية لتلافي تبعات الأمر الذي ينعكس بشكل خطير على ظواهر اجتماعية سلبية ثانية.
في السياق نفسه، يؤكد عضو اللجنة الاجتماعية في البرلمان الإيراني عبد الرضا عزيزي أنّ النواب يدرسون في الوقت الراهن تفاصيل الموازنة التي قدمتها الحكومة، ومنها بنود تتعلق بإنعاش صندوق التنمية الوطني. وهو ما من المفترض أن يساعد في توفير فرص عمل جديدة للمواطنين في المستقبل القريب.
وفي حديثه مع "العربي الجديد" يلفت عزيزي إلى أنّ فرص العمل الحقيقية غير متوفرة حالياً. والسبب في رأيه يعود إلى عدم الرغبة لدى المواطنين في استثمار أموالهم، خصوصاً أنّ الفوائد المصرفية قليلة جداً، وبالتالي لن يكون هناك إنتاج، وهو ما يعني بشكل أو بآخر ارتفاعاً في معدلات البطالة.
في الشارع وحتى بين السياسيين، يلقي كثيرون باللائمة على الحكومة، فالرئيس الحالي حسن روحاني قدم وعوداً للمواطنين خلال الدعاية الانتخابية قبل ما يقل عن أربع سنوات، وأكد لهم أنه يعي أنّ البطالة هي المشكلة الأولى التي تعني المجتمع الإيراني، بل أكد أنّ لديه برامج لتوظيف المزيد من الإيرانيين، وإعادة من هاجر من الشباب والنخب إلى الخارج بغية الحصول على عمل أفضل.
هنا تبرز إحدى المشكلات التي أفرزتها البطالة في إيران، فهجرة النخب من البلاد باتت تشكل هاجساً لكثيرين، ومعظم هؤلاء يعزون الأمر إلى عدم توفر فرص عمل تلائم قدراتهم. جاء في تقرير خاص نشرته وكالة "مهر" الإيرانية أنّ سبب ارتفاع نسب البطالة على الرغم من الوعود الحكومية وانفتاح إيران نحو الخارج عقب التوصل إلى الاتفاق النووي، يعود إلى ارتفاع عدد الخريجين من الجامعات. ذكر التقرير أرقاماً ترجح أنّ في إيران أكثر من 100 ألف شخص حاصل على شهادة الدكتوراه لا يجدون فرصة عمل تتناسب وشهادتهم.
اقــرأ أيضاً
عن أزمة البطالة وأسبابها، يقول المتخصص في علم الاجتماع أصغر مهاجري إنّ هناك من يعزو الأمر إلى التقصير الحكومي، وهناك من يحمّل المواطنين جزءاً من المسؤولية. يذكر مهاجري أنّ الإيرانيين يعتمدون كثيراً على الفرص التي توفرها الحكومة، ولا يخاطرون باستثماراتهم وأموالهم، على الرغم من أنّ المشاريع الصغيرة تستطيع أن تنتشل المجتمع من مشكلته هذه، كما يقول.
يتابع أنّه لا ثقافة عمل في إيران، فعلى الأفراد أن يكونوا واعين لآليات خلق فرص عمل جديدة ومناسبة لهم حتى مع تردي الأوضاع الاقتصادية: "لكنّ الجميع يعتمد على الخطط الحكومية التي تعتمد بدورها على عائدات النفط، والتي تتأثر بالعقوبات وبالملفات السياسية".
يضيف مهاجري أنّ الاتفاق النووي فتح فرصة أمام المواطنين الإيرانيين وليس أمام الحكومة فقط. فالمواطنون يستطيعون البدء بمشاريعهم، وهو ما يعني أنّ كلّ فرد قد يستطيع مساعدة مجموعة من المواطنين في المجتمع. ويحذر من تسبب البطالة بتبعات اجتماعية خطيرة: "تؤدي إلى كسل اجتماعي، وفقدان الثقة بالنفس، ما يؤدي بدوره إلى مشكلات أخرى".
ما يعنيه مهاجري بالذات عدداً من القضايا التي باتت تشكل معضلات بالفعل. وتشير تقارير إلى أنّ البطالة تؤدي بشكل أو بآخر إلى ارتفاع معدلات الطلاق، والتي توصف بالمخيفة هي الأخرى. الإحصاءات الرسمية تنقل أنّ الطلاق في البلاد وصل إلى 16 في المائة، وفي مدينة طهران وحدها إلى 36 في المائة، أي حالة طلاق بين كلّ 3 زيجات في العاصمة. وأكد مركز الإحصاء الوطني أنّ 21 في المائة من الحالات التي طلب فيها الزوجان الطلاق كان الزوج فيها عاطلاً من العمل.
من ناحية أخرى، تتسبب البطالة بارتفاع معدلات الفقر، وهو ما يؤدي في الوقت نفسه إلى زيادة معدلات المدمنين على المخدرات. بعض التقارير تجد أنّ الإدمان، والفقر، والبطالة مثلث ترتبط أضلاعه بعضها ببعض. من ذلك، إشارة مركز السلامة التابع لبلدية طهران إلى أنّ الفقر والبطالة عاملان رئيسيان يساهمان في ارتفاع معدلات الإدمان. كذلك، قد يؤدي الإدمان إلى خسارة المدمن وظيفته.
اقــرأ أيضاً
بالرغم من أنّ البطالة عقدة يعاني منها ملايين المواطنين، ويعلم المسؤولون بالمشاكل الاجتماعية الخطيرة الناجمة عنها، فإنّ شيئاً لا يتغير في واقع البطالة في إيران.
الخبراء في الشأن الاجتماعي يتحدثون عن أرقام أعلى بكثير مما يعلن عنه رسمياً. وقد أورد صندوق النقد الدولي في تقرير أخير له أنّ نسب البطالة ارتفعت في إيران عام 2016 إلى 11.3 في المائة. كذلك، أعلن مركز الإحصاء الرسمي في سبتمبر/ أيلول الماضي أنّ عدد العاطلين من العمل في إيران يبلغ مليونين و729 ألفاً، بينما ذكرت وزارة العمل أنّه يصل إلى مليونين و500 ألف. لكنّ مركز الدراسات والتحقيقات التابع لمجلس الشورى الإسلامي أفاد مؤخراً أنّ الرقم الحقيقي يتجاوز هذه المعدلات بكثير، ويصل إلى أربعة ملايين و800 ألف إيراني، باحتساب من يعملون في وظائف غير ثابتة، أو يحاولون الحصول على قوتهم اليومي بأعمال حرة غير مضمونة.
يقول مدير هذا المركز كاظم جلالي للصحافة الإيرانية إنّ استمرار الأمر على هذا المنوال يعني أنّ عدد الذين يعانون من البطالة في إيران سيصل إلى 11 مليوناً بعد أقل من خمسة أعوام من الآن. ويدعو إلى تطبيق الخطط التي جرى إقرارها سابقاً، بل إقرار خطط جديدة مجدية لتلافي تبعات الأمر الذي ينعكس بشكل خطير على ظواهر اجتماعية سلبية ثانية.
في السياق نفسه، يؤكد عضو اللجنة الاجتماعية في البرلمان الإيراني عبد الرضا عزيزي أنّ النواب يدرسون في الوقت الراهن تفاصيل الموازنة التي قدمتها الحكومة، ومنها بنود تتعلق بإنعاش صندوق التنمية الوطني. وهو ما من المفترض أن يساعد في توفير فرص عمل جديدة للمواطنين في المستقبل القريب.
وفي حديثه مع "العربي الجديد" يلفت عزيزي إلى أنّ فرص العمل الحقيقية غير متوفرة حالياً. والسبب في رأيه يعود إلى عدم الرغبة لدى المواطنين في استثمار أموالهم، خصوصاً أنّ الفوائد المصرفية قليلة جداً، وبالتالي لن يكون هناك إنتاج، وهو ما يعني بشكل أو بآخر ارتفاعاً في معدلات البطالة.
في الشارع وحتى بين السياسيين، يلقي كثيرون باللائمة على الحكومة، فالرئيس الحالي حسن روحاني قدم وعوداً للمواطنين خلال الدعاية الانتخابية قبل ما يقل عن أربع سنوات، وأكد لهم أنه يعي أنّ البطالة هي المشكلة الأولى التي تعني المجتمع الإيراني، بل أكد أنّ لديه برامج لتوظيف المزيد من الإيرانيين، وإعادة من هاجر من الشباب والنخب إلى الخارج بغية الحصول على عمل أفضل.
هنا تبرز إحدى المشكلات التي أفرزتها البطالة في إيران، فهجرة النخب من البلاد باتت تشكل هاجساً لكثيرين، ومعظم هؤلاء يعزون الأمر إلى عدم توفر فرص عمل تلائم قدراتهم. جاء في تقرير خاص نشرته وكالة "مهر" الإيرانية أنّ سبب ارتفاع نسب البطالة على الرغم من الوعود الحكومية وانفتاح إيران نحو الخارج عقب التوصل إلى الاتفاق النووي، يعود إلى ارتفاع عدد الخريجين من الجامعات. ذكر التقرير أرقاماً ترجح أنّ في إيران أكثر من 100 ألف شخص حاصل على شهادة الدكتوراه لا يجدون فرصة عمل تتناسب وشهادتهم.
عن أزمة البطالة وأسبابها، يقول المتخصص في علم الاجتماع أصغر مهاجري إنّ هناك من يعزو الأمر إلى التقصير الحكومي، وهناك من يحمّل المواطنين جزءاً من المسؤولية. يذكر مهاجري أنّ الإيرانيين يعتمدون كثيراً على الفرص التي توفرها الحكومة، ولا يخاطرون باستثماراتهم وأموالهم، على الرغم من أنّ المشاريع الصغيرة تستطيع أن تنتشل المجتمع من مشكلته هذه، كما يقول.
يتابع أنّه لا ثقافة عمل في إيران، فعلى الأفراد أن يكونوا واعين لآليات خلق فرص عمل جديدة ومناسبة لهم حتى مع تردي الأوضاع الاقتصادية: "لكنّ الجميع يعتمد على الخطط الحكومية التي تعتمد بدورها على عائدات النفط، والتي تتأثر بالعقوبات وبالملفات السياسية".
يضيف مهاجري أنّ الاتفاق النووي فتح فرصة أمام المواطنين الإيرانيين وليس أمام الحكومة فقط. فالمواطنون يستطيعون البدء بمشاريعهم، وهو ما يعني أنّ كلّ فرد قد يستطيع مساعدة مجموعة من المواطنين في المجتمع. ويحذر من تسبب البطالة بتبعات اجتماعية خطيرة: "تؤدي إلى كسل اجتماعي، وفقدان الثقة بالنفس، ما يؤدي بدوره إلى مشكلات أخرى".
ما يعنيه مهاجري بالذات عدداً من القضايا التي باتت تشكل معضلات بالفعل. وتشير تقارير إلى أنّ البطالة تؤدي بشكل أو بآخر إلى ارتفاع معدلات الطلاق، والتي توصف بالمخيفة هي الأخرى. الإحصاءات الرسمية تنقل أنّ الطلاق في البلاد وصل إلى 16 في المائة، وفي مدينة طهران وحدها إلى 36 في المائة، أي حالة طلاق بين كلّ 3 زيجات في العاصمة. وأكد مركز الإحصاء الوطني أنّ 21 في المائة من الحالات التي طلب فيها الزوجان الطلاق كان الزوج فيها عاطلاً من العمل.
من ناحية أخرى، تتسبب البطالة بارتفاع معدلات الفقر، وهو ما يؤدي في الوقت نفسه إلى زيادة معدلات المدمنين على المخدرات. بعض التقارير تجد أنّ الإدمان، والفقر، والبطالة مثلث ترتبط أضلاعه بعضها ببعض. من ذلك، إشارة مركز السلامة التابع لبلدية طهران إلى أنّ الفقر والبطالة عاملان رئيسيان يساهمان في ارتفاع معدلات الإدمان. كذلك، قد يؤدي الإدمان إلى خسارة المدمن وظيفته.