رصد مدير عام "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، رئيس مجلس أمناء "معهد الدوحة للدراسات العليا"، الدكتور عزمي بشارة، ثلاثة توترات دائمة في "الديمقراطية الليبرالية"، في المحاضرة العامة ضمن سلسلة محاضرات "حوارات العصر"، و"الشعبوية"، و"تحولات السياسة المعاصرة"، التي نظمتها كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية في "معهد الدوحة للدراسات العليا".
وأول هذه التوترات كما لخصها بشارة في محاضرته حول "الشعبوية والأزمة الدائمة للديمقراطية" في اليوم الثاني والأخير للورشة، "التوتر بين البعد الديمقراطي المتعلق بالمشاركة الشعبية القائمة على افتراض المساواة الأخلاقية بين البشر، والبعد الليبرالي الذي يقوم على مبدأ صون حرية الإنسان وكرامته".
والتوتر الثاني، حسب بشارة، "يوجد داخل البعد الديمقراطي ذاته بين فكرة حكم الشعب لذاته من جهة وضرورة تمثيله عبر قوى سياسية منظمة ونخب سياسية"، فيما يتلخص التوتر الثالث "بين التمثيل بالانتخابات، ما يقود إلى اتخاذ قرارات بأغلبية ممثلي الشعب، أو بأصوات ممثلي الأغلبية من جهة ووجود قوى غير منتخبة مثل القضاء وبيروقراطية الدولة".
ووصف الدكتور بشارة الديمقراطية بأنها: "نظام سياسي قام تدريجيًا من خلال الصراع على السلطة السياسية، وأيضًا من خلال التجربة والخطأ، وتوسع تطبيق إجراءاته بالتدريج"، موضحًا أنه نظام "لا يعتمد على العقلانية فقط، بل على القيم أيضًا، ولا يتجاهل المصالح بل يخاطبها، ويستمد ديمومته من عناصر غير عقلانية، مثل التعويد، وإرساء ذاته في الهوية والمشاعر الوطنية ونمط الحياة وغيرها.
وقال إن النظام الديمقراطي الليبرالي "ليس أيديولوجية نهائية، ويمكن بالطبع أن تنشـأ بدائل عالمية له غير الشيوعية"، مضيفًا أن هذا الأمر "ممكن من الناحية النظرية، وأن انتصار الديمقراطية ليس حتميًا".
وفضّل الدكتور بشارة التمييز تحليليًا بين الشعبوية والحركات الأيديولوجية الشمولية التي تكتسب تأييدًا شعبيًا عبر استخدام الديماغوجيا والأدوات الشعبوية، والتحريض ضد الآخر، موضحًا أن الشعبوية "ليست أيديولوجيا، وأن الحركات الأيديولوجية الشمولية تستغل الشعبوية في التعبئة ضد الخصوم السياسيين، أو للتجييش ضد النظام الديمقراطي نفسه، وليس فقط ضد فساد السياسيين والبرلمانيين، ولكن هدفها تسييد أيديولوجية نخبوية باسم الشعب".
Twitter Post
|
وكانت أستاذة النظرية السياسية في جامعة وستمنستر في لندن، الدكتورة شانتال موف، قد سلطت الضوء في الجلسة الأولى للورشة، على موضوع "الديمقراطية التصادمية والشعبوية اليسارية: مقاربة من منظور الهيمنة".
وناقشت شانتال موف في ورقتها عددًا من المفاهيم، بينها المفهوم السياسي، السياسة، الهيمنة، الديمقراطية التصادمية، والديمقراطية الراديكالية، مشيرة إلى أن تطوير هذه المصطلحات يتم في إطار ما يعرف بـ"ما بعد الماركسية"، وأن أي عمل سياسي "لا بد أن يقوم على تحديد العدو والصديق بصورة واضحة، والتعامل معه".
ورأت موف، على خلاف الكثير من المفكرين السياسيين الليبراليين، أن السياسة "لا يمكن حسم الأمور فيها بالتوافق"، مؤكدة على ضرورة وجود صراعات هيمنة لا بد أن تحسم.
وأضافت أن السياسة "هي صراع حول الهيمنة، وأن الليبرالية بتبنيها فكرة التوافق لا يمكن أن تفسر وتفهم ظواهر مثل الشعبية".
"الشعبوية النسوية"
وشهدت الجلسة الثانية مشاركة أستاذة الفلسفة فـي الجامعة البابوية الخافيارية، لوشيانا كاداهيا، بورقة عمل تناولت: "الشعبوية النسوية"، ناقشت فيها التلميحات التي تشير إلى إمكانية تخيّل بديل لليبرالية الجديدة عن طريق البحث في الإشكالية النسوية والشعبوية، موضحةً أن الشـعبي والنسـوي "هما شكلان من أشكال النضال القائم بالفعل ضد الليبرالية الجديدة".
وتحدث عميد كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية، الدكتور عبد الوهاب الأفندي، عما سمّاه: "ما بعد السياسة، لاهوت وبلاغيات عصر الشعبوية".
وحاول الأفندي في مداخلته الإجابة عن سؤال: هل تشير الشعبوية إلى عودة السياسي أم أنها تعني في الواقع نهاية السياسة؟ وذلك عن طريق معالجة البعد اللاهوتي في الموضوع.
وقال إن الحركات الشعبوية "تتسم بتكثيف وإلهاب المشاعر إلى مستويات خطيرة لدرجة أنها تطغى على العقلانية والمنطق"، موضحًا أن السمة المميزة للشعبوية ليست المطالب المشتركة، وإنما سرديات التآمر حول المخاطر المحدقة.
وفي الجلسة الثالثة تحدث كريستوف فينتورا، وهو زميــل باحــث أول فــي المعهــد الفرنســي للشــؤون الدوليــة والاستــراتيجية، عن تجليات الشعبوية الأوروبية، موضحًا أن أوروبا الغربية تجد نفسها اليوم في لحظة شعبوية متعددة الأشكال. وتطرق الباحث إلى أشكال الشعبوية في فرنسا، وميزان القوة بين اليمين الشعبوي واليسار الشعبوي.
وفي السعي نحو الفائض كان عنوان الورقة التي قدمها الأستاذ المشارك في برنامج علم الاجتماع والأنثروبولوجيا، إسماعيل الناشف، وتناول مفهوم "السياسي"، مجادلًا أن تسميته تتناقض بالضرورة مع إمكاناته كأداة تغيير جماعية.