في المغرب، لا تشترط الشهرة أن يكون المرء ذا حظوة مالية وسلطة لا يضاهيها أحد. قد يكون مجرد عمل بسيط لكنّه كبير في الوقت عينه، يؤثر في الآخرين ويحقق لصاحبه نصيباً من الشهرة المترافقة مع التقدير الشعبي.
بعض المغاربة البسطاء طبعوا مجتمعهم بمثل هذه الأعمال. يميل هؤلاء إلى الطيبة والتواضع، فيما يبادلهم مجتمعهم كثيراً من الود والاهتمام، ولو أنّ الانتقادات توجّه إلى بعضهم.
محمد المرضي أحد هؤلاء. يشتهر بلقب "الروبيو"، ويعني الأشقر، بلغة أهل شمال المغرب. استطاع أن يضمن لنفسه قسطاً من الشهرة وسط العديد من المغاربة، بفضل مهنته كبائع للصحف والكتب في قلب العاصمة الرباط. كذلك بات صديقاً مقرباً من السياسيين والإعلاميين.
"الروبيو" ليس بائع صحف عادياً، فهو مثقف أيضاً بطريقته الخاصة. يحفظ عناوين الكتب التي يبيعها وأهم محتوياتها، كما يمتلك قدرة على السجال والنقاش في كثير من القضايا والمواضيع التي تستأثر باهتمام المغاربة. هو ببساطة وسيلة رئيسة لقياس نبض شارع العاصمة.
يقف "الروبيو" في كشكه الصغير في شارع محمد الخامس قبالة مقر البرلمان المغربي، بكثير من الشموخ، لكنّ ذلك سرعان ما يتحول إلى تواضع وتهذيب. يرشد الزبون إلى العناوين التي يبحث عنها بشغف في كشكه الصغير. هو يضع بصمته الخاصة على القراء الذين ألفوا شراء الصحف اليومية والدوريات والكتب منه تحديداً. يرتاحون لديه ويأنسون إليه حتى من كان منهم سياسياً او حقوقياً أو إعلامياً.
يقول عنه الناشط السياسي محمد شتوكي لـ"العربي الجديد": "بات الروبيو رمزاً لبائع الصحف المثقف والمطلع على الشأن السياسي والثقافي للبلاد، وقد تحول إلى مصدر للمعلومة، يقصده الصحافيون كما السياسيون". يضيف: "الروبيو تحول إلى قارئ نهم لكلّ ما يبيع من جرائد ومؤلفات، وهو ما يجعل روحه التواقة إلى القراءة والمتابعة تهيمن حتى على زبائنه من كبار مثقفي البلاد، وكبار سياسييها أيضاً، وهؤلاء يجدون لديه ما يفتقدونه لدى باعة صحف آخرين".
من بيئة أسرية متواضعة من منطقة أزيلال، وسط البلاد، بدأ "الروبيو" حياته، بعمل جاد ونهم للمعرفة وحسن تواصل مع الآخرين، أوصله إلى تكريم ناله من المفكر المغربي الراحل المهدي المنجرة، بمنحه جائزة "التواصل الثقافي" لسنة 2001 "عرفاناً بجهوده في تحدي الأمية والجهل".
"الشيخ سار" مثال آخر. هو لقب الناشط الشاب إلياس الخريسي الذي سبق له احتراف غناء الراب. استطاع بدوره أن يضع بصمة على العديد من الشباب المغاربة. على الرغم من اختلاف كثيرين مع خلفيته الإيديولوجية الدينية، فقد نال شهرة بفضل مداخلاته وبرامجه على موقع "يوتيوب".
تثير مبادرات عديدة يعلن عنها "الشيخ سار" جدالاً كبيراً في المجتمع. من ذلك مبادرته بالوساطة بين الشباب عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" من أجل الزواج، والهدف "الجمع بين الشباب في عش الزوجية بطعم الحلال بعيداً عن الوقوع في الممارسات المحرمة".
يقول "الشيخ سار" لـ "العربي الجديد" إنّ الجدال دليل على حيوية المجتمع المغربي، واهتمام وتفاعل الفئات المستهدفة مع برامجه وأفكاره التي يقدمها. ويشير إلى أنّه يستمد من انتقادات الآخرين روحاً جديدة لتقديم أفضل ما لديه.
يحظى "الشيخ سار" بشهرة كبيرة وسط الشباب المغربي، خصوصاً مستخدمي الإنترنت. لكنّه في المقابل، يتلقى كثيراً من الانتقادات، خصوصاً من المنتسبين إلى التيارات العلمانية والحداثية، الذين يتهمونه بالرغبة في تحقيق الشهرة عن طريق استغلال الدين.
من جهته، يُعرف مصطفى السملالي بلقب "علال القادوس". ظهر في وسائل الإعلام وهو ينقذ حياً شعبياً وسط العاصمة الرباط، من خطر الغرق في الفيضانات التي شهدتها البلاد السنة الماضية. وكان "علال القادوس" قد بادر بعفوية - من دون أن يدري أنّ صوره التي التقطها هواة سيجوبون المغرب - إلى الدخول في أحد أنابيب مجاري الصرف الصحي لفتحه، بعدما كان مسدوداً بالأحجار وغيرها، ما هدد الحي بغرق بيوته ومحاله التجارية.
تحولت شخصية "علال القادوس" من ذلك المواطن الفقير والأمين الذي يعمل في حمام في الحي نفسه، إلى شخصية شهيرة يقدرها ملايين المغاربة، بفضل شهامته وشجاعته التي أنقذت الحي. وهكذا، بات "علال القادوس" رمزاً للبطولة يظهر في برامج التلفزيون وتحييه الأغاني الشبابية. كذلك بات دليلاً على تباطؤ السلطات المحلية في نجدة السكان، إذ كلّما تقع مصيبة يطالب الناس اليوم بـ"علال القادوس".
اقرأ أيضاً: حديقة خلفيّة لـ "داعش" في المغرب