دفع تراجع أسعار الوقود إلى أدنى مستوياته التاريخية في أكثر من عقد من الزمن إلى تسارع خسائر قطاع الصناعات النفطية في العالم، وتراجع حجم الاستثمار في مصادر الطاقة التقليدية. وعلى عكس المتعارف عليه، فإن النفط الرخيص لم يعد مؤشراً يُنبئ بقرب حدوث كارثة مالية لشركات الطاقة المتجددة كما جرى في السابق. على النقيض من ذلك، بدأ المستثمرون، الذين أصيبوا بخيبة أمل كبيرة نتيجة تدهور استثماراتهم في قطاع الوقود الأحفوري، البحث عن فرص استثمارية أخرى في قطاع الطاقة المتجددة تحديداً، مستفيدين من التوصيات التي خرج بها المؤتمر العالمي للمناخ الذي عُقد العام الماضي في باريس.
ورغم الانتعاش الذي طرأ على أسعار النفط خلال الشهر الماضي، والمدفوع بتوقعات تجميد مستويات إنتاج النفط من قبل كبار المنتجين، لا تزال الشكوك تساور المستثمرين حول قدرة أسواق النفط على النهوض من كبوتها المستمرة منذ نحو عامين. فقد تسببت عمليات البيع المحمومة في انخفاض أسعار أسهم شركات الطاقة التقليدية والمدرجة في كبرى البورصات العالمية بنسبة تجاوزت 20%، ما أغرق المستثمرين في خسائر قُدّرت بنحو 800 مليار دولار منذ أن سجلت أسعار النفط مستويات قياسية في يونيو/حزيران من عام 2014. رداً على ذلك، بدأت شركات النفط سلسلة من إجراءات تقليص النفقات، فقامت بتفكيك ثلثي حفارات النفط والغاز، وقلصت كثيراً من استثماراتها في تنقيب وتنمية حقول نفط جديدة، فضلاً عن إنهاء خدمات نحو 250 ألف عامل لديها.
لكن كيف تتأثر شركات الطاقة المتجددة بتراجع أسعار النفط؟ تاريخياً، يعد هذا السؤال من بين الأسئلة المعروف جوابها سلفاً. فحتى وقت قريب، ربط التحليل الإحصائي، أسعار النفط الخام مع أسعار أسهم كبرى شركات الطاقة المتجددة، فكلما انخفضت أسعار النفط، تقلصت الآفاق الاستثمارية للعديد من شركات الطاقة المتجددة. على سبيل المثال، انخفضت أسهم كبار منتجي توربينات الرياح وألواح الطاقة الشمسية الضوئية في العالم، "فيستاس" و"ينغلي"، انخفاضا حاداً في نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2014، بعد قرار أوبك الحفاظ على مستويات إنتاجها المرتفع والذي تسبب بمزيد من التراجعات الحادة لأسعار النفط.
اقــرأ أيضاً
في الواقع، تبدو هذه العلاقة التقليدية بين النفط الخام ومصادر الطاقة المتجددة مبهمة وغير واضحة، إذ لا يمكن اعتبار مصادر الطاقة التي يمثلها كل طرف على حدة بمثابة بدائل طاقوية مباشرة. ففي حين تُستخدم مصادر الطاقة المتجددة في توليد الطاقة الكهربائية، فإن النفط الخام يُستخدم، بشكل أساسي، في إنتاج الوقود لوسائط النقل المتعددة، ولا تتجاوز نسبة توليد الكهرباء باستخدام النفط أكثر من 6% فقط. وحتى مع أسعار وقود منخفضة، فإن النفط يُعد مُكلف بما فيه الكفاية لكيلا يُستخدم في تشغيل شبكات كهربائية ضخمة.
أما بالنسبة إلى المستثمرين الذين خاب أملهم في قطاع الطاقة التقليدية، فإن هذا التحول قد أتى في وقت مناسب جداً بالنسبة لهم، إذ تبدو فرص الاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة، ذات النمو المرتفع، أكثر ثباتاً مع اكتساب هذا القطاع المزيد من الاهتمام العالمي في ظل استمرار نزيف أسواق النفط والفحم وفقدانها للكثير من جاذبيتها. في هذا الصدد، تقدمت 6 صناديق استثمارية عالمية، لاستثمار أموالها في أسهم كبرى شركات الطاقة المتجددة، وحققت عوائد مجزية في السوق العالمية، تتراوح حالياً بين 6 % إلى 8%.
لم تأت هذه الربحية بمحض الصدفة. فقد تم طرح مشاريع مرتبطة بالطاقة المتجددة، خلال مؤتمر باريس للمناخ المنعقد العام الماضي، بقيمة تقدر بنحو 13 تريليون دولار للأعوام الثلاثين المقبلة، لتشكل فرصة استثمارية واعدة للمستثمرين من القطاع الخاص. إن التحول الشامل من الوقود الأحفوري إلى الطاقة المستدامة قد بدأ بالفعل، وقد حان الوقت لركوب الموجة وانتهاز الفرص الاستثمارية التي تقدمها مشاريع الطاقة المتجددة.
(خبير اقتصادي أردني)
اقــرأ أيضاً
ورغم الانتعاش الذي طرأ على أسعار النفط خلال الشهر الماضي، والمدفوع بتوقعات تجميد مستويات إنتاج النفط من قبل كبار المنتجين، لا تزال الشكوك تساور المستثمرين حول قدرة أسواق النفط على النهوض من كبوتها المستمرة منذ نحو عامين. فقد تسببت عمليات البيع المحمومة في انخفاض أسعار أسهم شركات الطاقة التقليدية والمدرجة في كبرى البورصات العالمية بنسبة تجاوزت 20%، ما أغرق المستثمرين في خسائر قُدّرت بنحو 800 مليار دولار منذ أن سجلت أسعار النفط مستويات قياسية في يونيو/حزيران من عام 2014. رداً على ذلك، بدأت شركات النفط سلسلة من إجراءات تقليص النفقات، فقامت بتفكيك ثلثي حفارات النفط والغاز، وقلصت كثيراً من استثماراتها في تنقيب وتنمية حقول نفط جديدة، فضلاً عن إنهاء خدمات نحو 250 ألف عامل لديها.
لكن كيف تتأثر شركات الطاقة المتجددة بتراجع أسعار النفط؟ تاريخياً، يعد هذا السؤال من بين الأسئلة المعروف جوابها سلفاً. فحتى وقت قريب، ربط التحليل الإحصائي، أسعار النفط الخام مع أسعار أسهم كبرى شركات الطاقة المتجددة، فكلما انخفضت أسعار النفط، تقلصت الآفاق الاستثمارية للعديد من شركات الطاقة المتجددة. على سبيل المثال، انخفضت أسهم كبار منتجي توربينات الرياح وألواح الطاقة الشمسية الضوئية في العالم، "فيستاس" و"ينغلي"، انخفاضا حاداً في نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2014، بعد قرار أوبك الحفاظ على مستويات إنتاجها المرتفع والذي تسبب بمزيد من التراجعات الحادة لأسعار النفط.
في الواقع، تبدو هذه العلاقة التقليدية بين النفط الخام ومصادر الطاقة المتجددة مبهمة وغير واضحة، إذ لا يمكن اعتبار مصادر الطاقة التي يمثلها كل طرف على حدة بمثابة بدائل طاقوية مباشرة. ففي حين تُستخدم مصادر الطاقة المتجددة في توليد الطاقة الكهربائية، فإن النفط الخام يُستخدم، بشكل أساسي، في إنتاج الوقود لوسائط النقل المتعددة، ولا تتجاوز نسبة توليد الكهرباء باستخدام النفط أكثر من 6% فقط. وحتى مع أسعار وقود منخفضة، فإن النفط يُعد مُكلف بما فيه الكفاية لكيلا يُستخدم في تشغيل شبكات كهربائية ضخمة.
إن التهديد الحقيقي الذي يواجه دمج الطاقة المتجددة في مشاريع شبكات الكهرباء، لا يأتي من النفط الرخيص، وإنما من التكاليف الرخيصة لتوليد الكهرباء. فرغم أن الغاز الطبيعي بات ينافس الفحم كأكبر مصدر وقود منخفض التكلفة لتوليد الكهرباء، إلا أن المتوسط العالمي لأسعار الكهرباء لا يزال يواصل ارتفاعه عالمياً نتيجة ارتفاع التكاليف السنوية لتحديث وصيانة هذه الشبكات والتي تضاعفت أكثر من أربع مرات منذ عام 1982. هذه التكاليف المرتفعة تجعل خيارات استخدام الطاقة المتجددة، مثل وضع ألواح الطاقة الشمسية الكهروضوئية على أسطح المباني، أكثر جاذبية.
إضافة إلى ذلك، ساهم تراجع أسعار النفط في ارتفاع حجم الاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة حيث تشهد اليوم توسعاً هائلاً. فخلال عام 2014 وحده، شكّلت مصادر الطاقة المتجددة أكثر من نصف الإضافات الجديدة لسعة الطاقة العالمية لتوليد الكهرباء، ونمت الاستثمارات المرتبطة بمشاريع الطاقة المتجددة أكثر من 300 مليار دولار، أو بنسبة نمو 18%، وتم خلق أكثر من 1.5 مليون وظيفة في هذا القطاع. أما بالنسبة إلى المستثمرين الذين خاب أملهم في قطاع الطاقة التقليدية، فإن هذا التحول قد أتى في وقت مناسب جداً بالنسبة لهم، إذ تبدو فرص الاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة، ذات النمو المرتفع، أكثر ثباتاً مع اكتساب هذا القطاع المزيد من الاهتمام العالمي في ظل استمرار نزيف أسواق النفط والفحم وفقدانها للكثير من جاذبيتها. في هذا الصدد، تقدمت 6 صناديق استثمارية عالمية، لاستثمار أموالها في أسهم كبرى شركات الطاقة المتجددة، وحققت عوائد مجزية في السوق العالمية، تتراوح حالياً بين 6 % إلى 8%.
لم تأت هذه الربحية بمحض الصدفة. فقد تم طرح مشاريع مرتبطة بالطاقة المتجددة، خلال مؤتمر باريس للمناخ المنعقد العام الماضي، بقيمة تقدر بنحو 13 تريليون دولار للأعوام الثلاثين المقبلة، لتشكل فرصة استثمارية واعدة للمستثمرين من القطاع الخاص. إن التحول الشامل من الوقود الأحفوري إلى الطاقة المستدامة قد بدأ بالفعل، وقد حان الوقت لركوب الموجة وانتهاز الفرص الاستثمارية التي تقدمها مشاريع الطاقة المتجددة.
(خبير اقتصادي أردني)