بزوغ شمس ألمانيا

12 أكتوبر 2015
تاريخ طويل من صناعة مناجم الفحم والصناعات الثقيلة(فرانس برس)
+ الخط -
شتاء ألمانيا طويل ومظلم. لا يزال الجميع يتذكر كيف أن شوارع "برلين" كانت لا تزال مغطاة بالجليد والثلوج قبل أيام قليلة من عيد الفصح الماضي. لكن الربيع سيأتي، وإن جاء متأخراً، وعندما يذوب الثلج سيظهر لمعان الألواح الشمسية الكهروضوئية القاتمة والممتدة من بحر الشمال إلى جبال الألب البافارية.

تصطف الألواح الشمسية فوق أسطح المنازل السكنية وعلى أسقف الحظائر منخفضة الارتفاع، وتظهر بوضوح في صفوف منتظمة على طول خطوط السكك الحديدية، وتغطي تلالاً من مخلفات مناجم الفحم في منطقة كانت تُعرف سابقاً بـ "ألمانيا الشرقية". أما القواعد العسكرية السوفييتية القديمة الملوثة فقد تحولت إلى منشآت للطاقة الشمسية. في الواقع، إن 22% من إجمالي الطاقة المنتجة في ألمانيا هي من مصادر الطاقة الشمسية.

ومع تاريخ طويل من صناعة مناجم الفحم والصناعات الثقيلة وكآبة فصل الشتاء، فإن ألمانيا ليست البلد الذي يمكن أن يملك مقومات تجعله "قوة شمسية" عالمية. لكن بعد توليفة من القوانين والدعم الشعبي الواسع لمصادر الطاقة المتجددة، أصبحت ألمانيا إحدى القادة المحتملين في إنتاج الطاقة "الخضراء" على مستوى العالم، لما تملكه من خبرات كبيرة في توليد الطاقة من الشمس والقادرة على قلب هيمنة شركات الطاقة التقليدية رأساً على عقب.

اقرأ أيضا: جورجيا تنهض مجدداً

قبل عشرين عاماً، كان واضحاً أن مشاريع الطاقة الشمسية ليست في طريقها لتحقيق تقدم ملموس على صعيد إحلالها مكان طرق إنتاج الطاقة التقليدية، فقد كانت الألواح الشمسية مكلفة وغير فعالة، وحتى أنظمة الطاقة الشمسية المصممة لتسخين المياه لم تكن تلقى رواجاً في الأسواق المحلية. في الواقع، إن إنتاج الكهرباء من ضوء الشمس يكلف أكثر من عشرة أضعاف مقارنة مع تكلفة توليد الطاقة باستخدام الفحم أو الطاقة النووية.

في العام 1991، قرر الساسة الألمان من مختلف ألوان الطيف السياسي سن قانون للطاقة المتجددة الذي اعتبره الكثيرون، حينذاك، بمثابة قانون شكلي لن يفي باحتياجات الألمان من الطاقة. كفل هذا القانون تقديم مولدات الطاقة الكهرومائية الصغيرة بدءاً بولاية بافاريا، التي أصبحت سوقاً لاحتياجاتهم من الكهرباء، وألزم شركات المرافق العامة بتوصيل الكهرباء إلى جميع منتجي الطاقة المتجددة وصولاً إلى أصغر الألواح الشمسية المنتشرة على أسطح المساكن، عبر شبكة وطنية للطاقة الشمسية. علاوة على ذلك، تم تثبيت سعر شراء الطاقة الشمسية عند سعر ثابت (أعلى قليلاً من سعر السوق لضمان تحقيق عائد متواضع على المدى الطويل)، على افتراض أن الأسعار ستحقق التوازن المطلوب مستقبلاً، وتقضي على التكاليف الخفية الناتجة عن استخدام الطاقة التقليدية مثل التلوث وعقود من تقديم الدعم لتوليد الطاقة من الفحم.

بدأ المستثمرون بتناول مشاريع الطاقة الشمسية على محمل الجد باعتبارها استثمارات طويلة الأجل، محيطين علماً بالالتزام الحكومي بتوصيل الطاقة إلى الشبكة الوطنية ما يضمن مستقبلاً مزدهراً للطاقة الشمسية، واستثماراً مجدياً من الناحية الاقتصادية. ترافق ذلك مع قيام الدولة بتقليص حلقات الروتين والبيروقراطية المرتبطة بمشاريع الطاقة الشمسية، واستثمارها بمليارات الدولارات في أبحاث مصادر الطاقة الشمسية خلال فترة التسعينيات، مستفيدة من إعادة توحيد ألمانيا، والتي كانت تعني ضخ المزيد من الأموال على مشاريع الطاقة في ألمانيا الشرقية.

واليوم، فإن الشركات الألمانية تقود العالم في أبحاث تكنولوجيا الطاقة الشمسية، إذ أن عدداً من الشركات الألمانية أصبح رائداً في تصنيع أجهزة العواكس التي تستخدم في عكس اتجاه تدفق الكهرباء والطاقة، وتغذية الألواح الشمسية المنتشرة على أسطح المساكن بالطاقة من خلال الشبكات الوطنية. في يوم مشمس من شهر مايو/ أيار الماضي، أنتجت ألمانيا 23 غيغاوات من الطاقة من الشمس، ما يشكل نصف الإنتاج العالمي أو إنتاج 21 محطة للطاقة النووية.

اقرأ أيضا: الصين.. وصناعة التضليل

لقد ساعدت قوانين الطاقة المتجددة والدعم السخي المقدم من الدولة الألمانية في دفع عجلة الابتكار إلى نقطة أصبحت فيها الألواح الشمسية رخيصة بما يكفي للدخول في المنافسة في أسواق الطاقة، حيث انخفض سعر الألواح الشمسية بواقع 70% منذ عام 2005، وأصبح بمقدورها المنافسة مع مصادر أخرى لإنتاج الطاقة، مثل الفحم، خلال السنوات القليلة المقبلة.
(خبير اقتصادي أردني)
المساهمون