وسيساعد العلاج المحتمل المرضى الذين لا تنتج أجسامهم ما يكفي من الأجسام المضادة، لمحاربة الفيروس. وفي حديثه لـ"العربي الجديد" يقول باتريك، إنّ التجارب مستمرّة، ولا تزال في بدايتها، لذلك ليس هناك نتائج ملموسة أو أكيدة حتى الآن. ويلفت إلى أنّهم سحبوا البلازما من دمه، مرتين لغاية الآن، واستغرق الأمر في كلّ مرة، ساعة تقريباً، وهو لديه موعد ثالث لسحب البلازما خلال الشهر الحالي، وقد يستمر الأمر، على هذا المنوال، لفترة.
ويعبّر باتريك عن سعادته بهذه الخطوة، والمساهمة في مساعدة مرضى كوفيد-19، كونه عانى من تجربة مريرة، شعر معها باقترابه من الموت، واضطر إلى توديع أطفاله وزوجته وأهله وأصدقائه.
يروي باتريك المحنة التي مرّ بها لـ "العربي الجديد"، ويقول: "مكثت لمدة ثلاثة أيام في فندق في لندن بحكم عملي، وعندما عدت إلى المنزل قصدت النادي الرياضي عند المساء، فشعرت بتوعك بسيط. لكنّي لم أشتبه آنذاك أنني قد أكون مصاباً بكوفيد-19. وبدأت الأعراض تظهر علي، يوم الأربعاء في 11 مارس/آذار، أي قبل بدء حالة الإغلاق في البلاد. في اليوم التالي شعرت بأنني لست على ما يرام، وكان عليّ أن أذهب إلى العمل".
يشدّد باتريك، الذي يعمل مسؤول مبيعات في شركة اتصالات، على أنّه من المدمنين على العمل، لكنّه بقي في المنزل وأتمّ اجتماعاته يومها عبر "سكايب". وتدهورت حالته تدريجياً، فلم يرافق زوجته يوم السبت كالعادة للتسوّق، وبدأ يشعر بارتفاع حرارته. ووجد نفسه يأوي إلى الفراش باكراً ذلك المساء. قلقت عليه زوجته فاتصلت بسيارة الإسعاف، وبعد إجراء الفحوص اللازمة له أبلغه المسعف الطبي بأنّ مستوى الأوكسجين لديه منخفض بشكل طفيف، وحرارته مرتفعة جداً.
دخل باتريك المستشفى، حيث أُجري له اختبار كورونا، وأمضى ليلته هناك. في اليوم التالي أخبره الطبيب أنّه على الرغم من ارتفاع حرارته والنقص البسيط في الأوكسجين في جسمه، من الأفضل له أن يعود إلى المنزل ويعزل نفسه.
نفّذ باتريك نصيحة الطبيب على مضض، وعاد إلى المنزل، حيث وصلته نتيجة الفحص، بعد يومين، لتؤكّد إصابته بالمرض وليكون من بين أول ألفي إصابة مؤكّدة بفيروس كورونا في بريطانيا. على الرّغم من ذلك، طُلب منه البقاء في المنزل مع الالتزام بالعزل الذاتي، والاتصال بالطوارئ إن ساءت حالته.
قلق باتريك على زوجته وأطفاله، وابتعد عنهم قدر المستطاع كي لا يلتقطوا العدوى، فلم يدخل الغرف التي يتواجدون فيها، ومكث في غرفة منفصلة. تدهور حال باتريك بعدها، لكنّه رفض فكرة دخول المستشفى.
يقول باتريك: "بدأت أبحث على "غوغل" عما قد يواجهه مرضى كوفيد-19، ورأيتهم في غيبوبة، متصلين بأجهزة التنفّس. مشاهد أثارت قلقي، فحاولت جاهداً تفادي وصولي إلى هذه المرحلة".
كان باتريك يشعر بالاختناق عندما قرّر الاتصال بالطوارئ، يوم الجمعة 20 مارس/آذار الماضي. مشى بصعوبة باتجاه سيارة الإسعاف.
وُضع باتريك في قسم خاص بالإصابات المؤكّدة بفيروس كورونا. وبعد أن جاءت نتائج فحوصه موجبة، أعاد الأطباء الاختبار مرة أخرى للتأكّد من صحتها. ثمّ أبلغوه بأنّه ينبغي أن يدخل في غيبوبة وأن يصلوه بجهاز التنفس. "صُدمت وقلت لهم إنني لا أريد ذلك. وكنت أتنفّس بجهد وأجد صعوبة بالغة في الكلام. ردّت الممرّضة أنّني قد أموت هذه الليلة إن لم يفعلوا ذلك. وأوضحت بأنّ جسدي ينهار، وأنّها لا تضمن النتائج حتى بعد وضعي على جهاز التنفس".
كان أمام باتريك 15 دقيقة للاتصال بعائلته وأصدقائه قبل أن يدخل في غيبوبته. ويقول "كنت أبكي. لم أشأ أن أموت، ولم أدرك كيف تدهور حالي بشدة هكذا، وتساءلت: "لماذا أنا؟". رجوت الممرّضين والأطباء أن ينقذوني. كانت لحظات مؤلمة، أذكر اتصالي بوالديّ وهما يحاولان طمأنتي ودعمي وهما يقولان: "لن تموت قبلنا". أرسلت رسائل لأصدقائي وزملائي في العمل وتلقيت الدعم المعنوي من الجميع".
بقي باتريك في وحدة العناية المركّزة، في غيبوبة وموصول بجهاز تنفس، من دون أن يتحسّن حاله في الأيام الأربعة الأولى. وفي اليوم الخامس بدأت تظهر بوادر تعافيه. لكنّه لم يتجاوب بشكل جيد مع العلاج عند فصله عن جهاز التنفس، فاضطر الأطباء إلى حقنه بأدوية مهدّئة ووضعوه على جهاز تنفس آخر. وذكر أنّه كان يشعر بثقل كبير في فمه، بسبب الأنابيب الموصولة به.
مضى يومان من دون أن يتمكن باتريك من النوم، بسبب ألم في معدته. وفي الصباح، أخبرته الممرضة أنّه بحال أفضل وقد تم فصله عن جهاز التنفس، ثم ساعدته لينتقل خارج وحدة العناية المركّزة، حيث بقي يومين وعاد بعدها إلى منزله.
وجاء في التقرير الطبي أنّ باتريك عانى من كوفيد -19، الذي تسبّب له بالتهاب رئوي حاد، وهو وفق منظمة الصحة العالمية، التشخيص الأكثر شيوعاً والأكثر خطورة لهذا المرض.
اللاّفت أنّ باتريك لم يكن يعاني من أي أمراض في السابق، وعلى الرغم من ذلك فتك به كوفيد-19 بشدة. واليوم وبعد مرور ما يزيد عن ثلاثة أشهر على إصابته، يشعر أنّه بصحة جيدة، لكنّه كلّما خلد إلى الفراش لينام، يصلّي أن يستيقظ في صباح اليوم التالي. كما لا يغيب عن ذاكرة باتريك، مشهد المرضى الممدّدين إلى جانبه، وصوت الأجهزة الموصولة بهم، فضلاً عن وفاة شخصين منهما، بينما هو يراقب عاجزاً عن الحركة.
يعتبر باتريك نفسه محظوظاً لنجاته، لأنّ 53 في المائة من المرضى الذين يتم وصلهم بأجهزة التنفس يموتون.
ويدعو باتريك الناس إلى التريّث في الرابع من يوليو/تموز المقبل، ويقول إنّه يتشوّق مثل الآخرين للخروج كما في الماضي، لكن من الواضح أن الفيروس مستمر في الانتشار، ومن الخطر أن يهرع الناس إلى الحانات والمقاهي والسينما. عليهم أن يتذكروا صعوبة هذا المرض وعدد الأشخاص الذين توفوا بسببه.