بريطانيون يقاتلون في الجيش الإسرائيلي بلا محاسبة

18 أكتوبر 2014
100 بريطاني يخدمون في الجيش الإسرائيلي (فرانس برس)
+ الخط -

وضع البرلمان البريطاني في ابريل/نيسان الماضي، تقريراً يوضح أساليب ووسائل مكافحة "إرهاب المسلمين البريطانيين"، الذين سافروا للقتال في سورية والصومال وأفغانستان ويحتمل عودتهم إلى البلاد. لكن التقرير الذي جاء في 246 صفحة، لم يتطرق بتاتاً لتهديد اليهود البريطانيين، الذين يسافرون للخدمة في الجيش الإسرائيلي ويعودون إلى البلاد. كما أن البرلمان البريطاني لم يذكر أن الخدمة في الجيش الإسرائيلي لا تزال جريمة مخالفة لقانون "التجنيد الخارجي" للعام 1870، الذي يجرم المواطنين البريطانيين الذين يخدمون في القوات المسلحة، لدولة أخرى.

تقول قناة التلفزيون البريطانية الرابعة، إن هناك حوالي 100 بريطاني يخدمون في صفوف الجيش الإسرائيلي حالياً، وهم منخرطون بشكل تام في كل العمليات القتالية، التي يخوضها الجيش الإسرائيلي. وتساءلت القناة الرابعة في سياق برنامج وثائقي عن سبب عدم مساءلة هؤلاء البريطانيين المتطوعين في الجيش الإسرائيلي، في مقابل المسؤولية القانونية التي باتت تطارد البريطانيين، الذين ذهبوا للقتال ضد نظام الأسد.

وتضيف القناة الرابعة: "إذا كنا قلقين من عودة الشبان المسلمين الذين ذهبوا إلى سورية، بعد أن تدربوا على الأعمال العسكرية، فإننا ينبغي أن نقلق بنفس الدرجة من عودة الشبان اليهود الذين تدربوا في الجيش الإسرائيلي ومارسوا أنشطة قتالية في صفوفه".

المستشار السابق للحكومة البريطانية في "مكافحة التطرف في الأوساط الإسلامية"، فاروق صديقي، الذي ظهر في برنامج "القناة الرابعة" تساءل أيضاً عن عدم "تجريم الحكومة للبريطانيين الذين يذهبون للقتال ضد النظام السوري، وتهدد باعتقالهم عند عودتهم، وتجريدهم من جوازات سفرهم، وفي المقابل لا تعاقب الشبان البريطانيين الذين يتطوعون للقتال في صفوف الجيش الإسرائيلي".

وقبل ذلك، وعلى وجه التحديد في العام 2009، طُرح سؤال على مجلس اللوردات البريطاني، حول إذا ما كان هناك بريطانيون يخدمون في الجيش الإسرائيلي أو قوات الاحتياط الإسرائيلي. وقد أجابه وزير الدولة في وزارة الخارجية البريطانية، اللورد مالوخ براون، بالقول "لا تملك الحكومة البريطانية معلومات أكثر مما تنشره وسائل الإعلام".

عدم وجود نص قانوني حديث يمنع المواطنين البريطانيين من الانضمام لأي قوة مسلحة لدولة تحارب دولة أخرى غير معادية لبريطانيا، خلق حالةً يصفها البعض بالتناقض. فبينما تجرم بريطانيا من يلتحقون بالقتال في سورية، فإنها لا تعاقب من يقاتلون إلى جانب إسرائيل.

وازداد الأمر غموضاً بعد صدور قانون "مكافحة الإرهاب" وبعد ما جاء في خطاب الملكة الأخير، الذي يعد مرجعية للسياسات الحكومية، إذ أوضحت أن" كل بريطاني يسافر للخارج للتدريب أو ممارسة الإرهاب ضد أي حكومة، سيتم ملاحقته قضائيا، وكأن ما ارتكبه من مخالفات قد تمت على الأراضي البريطانية".

ربما يفهم الأمر أكثر بعد الاطلاع على حكم المحكمة العليا العام الماضي، الذي جاء فيه أن التعريف القانوني للإرهاب يمكن أن يتضمن "أياً أو كل الهجمات العسكرية من قبل مجموعة مسلحة غير نظامية، ضد أي أو كل قوة مسلحة تابعة لدولة أو لمنظمة حكومية خلال نزاع مسلح غير دولي". بالتالي، هذا ينسحب حتى على الجماعات المسلحة "المعتدلة" والجماعات المسلحة المصنفة "إرهابية" التي تقاتل ضد أي نظام، حتى لو كانت الحكومة البريطانية تعارض ذلك النظام.

مبررات واهية

بعض الأصوات تحاول تبرير التحاق البريطانيين بالخدمة في الجيش الإسرائيلي، بالقول إن القوانين الإسرائيلية تفرض على معظم المواطنين الإسرائيليين خدمة عسكرية اجبارية لمدة عامين ونصف، وهذا ما ينسحب على البريطانيين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية الى جانب الجنسية البريطانية.

كما تحاول بعض هذه الأصوات التفريق بين من يلتحقون بالمليشيات او الجماعات المسلّحة، وبين من يلتحقون بجيش نظامي مثل الجيش الإسرائيلي، حيث قواعد الانضباط العسكرية، وهو الأمر الذي لا يتوفر لمن يلتحق بـ"المليشيات" التي لا تحتكم لأي قواعد انضباط. إلا أن المستشار فاروق صديقي، يرفض هذه المبررات ويقول:" بغض النظر عن طبيعة كل من الملشيات أو الجيوش النظامية، فالمسألة بالأساس أن كليهما يوفر للملتحقين بهما تدريب عسكري، وبالتالي يتساوى كلاهما فيما يوفران للفرد من معرفة عسكرية وقتالية".
 

"محال" لتجند الشباب

التحاق المتطوعين من بريطانيا وكندا والولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية، في صفوف الجيش الإسرائيلي، ليس جديدا، حيث كانت المنظمات الصهيونية، حتى قبل إنشاء إسرائيل وفي ظل الانتداب البريطاني، تعمل ضمن برنامج يعرف بـ"محال" على تجنيد المتطوعين من كل أنحاء العالم، للالتحاق في صفوف العصابات الصهيونية المقاتلة، مثل عصابتي "شتيرن" و"الهاغاناه"، اللتين ارتكبتا أبشع المجازر بحق سكان القرى والمدن الفلسطينية، وحتى انها هاجمت أهدافا بريطانية.

وفي حرب 1948 تمكنت "محال" من جلب حوالي 4000 من قدماء محاربي الحرب العالمية الثانية من كندا والولايات المتحدة وانحاء أوروبا للقتال مع القوات الإسرائيلية. ولم يفت رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إسحاق رابين أن يشكر هؤلاء المتطوعين، حيث قال:"لقد جاؤوا عندما كنا بأمس الحاجة لهم، في تلك الأوقات العصيبة من حرب الاستقلال في العام 1948".

ولم تنته جهود "محال" في تجنيد المتطوعين بعد قيام إسرائيل. وحسب الموقع الإلكتروني الرسمي لبرنامج "محال"، فإن آلاف المتطوعين قدموا من 40 دولة في العالم، للخدمة في الجيش الإسرائيلي والوحدات المقاتلة الأخرى منذ العام 1948.

ولا تعد الجنسية الإسرائيلية شرطاً أساسياً لتطوع الأجانب في الجيش الإسرائيلي. إذ يسمح برنامج "محال"، لليهود من غير الإسرائيليين للالتحاق بدورات في الجيش لمدة 18 شهراً. وبموجب قواعد عمل "محال" فإن أي شخص (يقل عمره عن 24 سنة للرجال و21 سنة للنساء) ويتحدّر من أبوين أحدهما، أو أحد أجداده يهودي، يحق له الالتحاق بالبرنامج. ويمكن للشخص غير الاسرائيلي الراغب بالالتحاق بالبرنامج اثبات يهوديته بشهادة موقعة من حاخام معتمد.  

ويخضع البرنامج المتطوعين من غير الإسرائيليين إلى ذات نظام الرواتب والخدمة، الذي يسري على الإسرائيليين، لأن المتطوعين يخدمون جنباً الى جنب مع الجنود النظاميين في الجيش الإسرائيلي.

المساهمون