بريطانيا تنتخب: حملات اللحظة الأخيرة ولا فائز في الأفق

07 مايو 2015
مخاوف من أن تفضي الانتخابات البريطانية إلى برلمان معلق(Getty)
+ الخط -
ما بين الساعة السابعة من صباح اليوم الخميس، وحتى الساعة العاشرة مساء بتوقيت لندن، سوف يتوجه قرابة 30 مليون بريطاني نحو 40 ألف مركز اقتراع للإدلاء بأصواتهم في انتخابات عامة لأعضاء مجلس العموم (البرلمان)، والذي يحدد شكل الحكومة التي ستتولى حكم البلاد خلال الخمس سنوات المقبلة، إذ إن النظام السياسي البريطاني يُوكل مهمة تشكيل الحكومة للحزب أو ائتلاف الأحزاب التي تحصل على الأغلبية الحاسمة من مقاعد المجلس. ويقسم النظام الانتخابي مقاعد مجلس العموم الـ650 على الأقاليم الأربعة التي تشكل الاتحاد البريطاني، بحيث يكون لإنكلترا 533 دائرة انتخابية، و59 لإسكتلندا، و40 لإقليم ويلز و18 لإيرلندا الشمالية.


خطاب الترهيب

لا تعترف التقاليد الديمقراطية البريطانية بما يسمى ساعات أو أيام "الصمت الإنتخابي" التي تعني توقف المرشحين وأنصارهم عن الحشد قبيل أيام من بدء عمليات الاقتراع، إذ يواصل زعماء الأحزاب والمرشحون، وحتى اللحظات الأخيرة من مساء اليوم، حملات التحشيد التي امتازت في الساعات الأخيرة بإستخدام المرشحين من جميع الأطياف السياسية لمختلف أساليب الترغيب والترهيب للحصول على أصوات المترددين.
فقد شهد الخطاب الدعائي خلال الساعات الأخيرة ارتفاع نبرات ترغيب الناخبين في برامج كل من حزبي المحافظين والعمال، وبالمقابل ترهيبهم من مغبة التصويت لصالح الأحزاب الأخرى.

وقد انطلق زعيم حزب المحافظين، رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، منذ أمس الأول، في جولة عبر البلاد بهدف حض الناخبين على منح حزبه صلاحيات واضحة للاستمرار في الحكم، لأن البديل هو حكم قائم على "الصفقات السرية" التي يعقدها حزب العمال مع الحزب القومي الإسكتلندي الذي لا يخفي مساعيه لتقسيم الاتحاد البريطاني بعد الاستقلال باسكتلندا.
وشنّ كاميرون هجوماً عنيفاً على احتمال التحالف بين "العمال" و"الحزب القومي الإسكتلندي" بعد الانتخابات لدعم حكومة أقلية بزعامة "العمال"، قائلاً إنه "احتمال تقشعر له الأبدان". واتهم زعيم المحافظين، أمس، زعيم حزب العمال، إيد ميليباند، بالإعداد "لخدعة" ليصبح رئيساً للوزراء. وأثار رئيس الوزراء شكوكاً جديدة حول شرعية حكومة حزب العمال التي يجب أن تعتمد على الحزب القومي الاسكتلندي لكسب الأصوات في مجلس العموم.

بدوره، حذر وزير المالية جورج أوزبورن، الذي ينتمي إلى حزب المحافظين، من أن خروج الانتخابات بنتيجة غير حاسمة يمكن أن يسبب "حالة من عدم الاستقرار العميقة" في بريطانيا. وقال أوزبورن، لصحيفة "فاينانشيال تايمز"، إن سمعة بريطانيا بالنسبة لقوتها الاقتصادية واستقرارها قد تنهار في دقائق في حال فاز حزب العمال في الانتخابات.

اقرأ أيضاً بريطانيا: سيناريوهات ما بعد الانتخابات

أما زعيم حزب العمال، إيد ميليباند، فلا يزال متمسكاً بموقفه الرافض لعقد أي صفقات مع الحزب القومي الإسكتلندي، داعياً الناخبين إلى منح حزبه فرصة تشكيل حكومة أغلبية غير خاضعة لمساومات الأحزاب الصغيرة، وقادرة على الاستمرار في الحكم لخمس سنوات مقبلة.
ودعا زعيم العمال، أمس الأربعاء، الناخبين إلى التصويت لصالح حزبه، متهماً زعيم المحافظين بأنه "سيعمل على تدمير الخدمات الصحية في البلاد من خلال القيام بمزيد من الاستقطاعات. وقال ميليباند "أطالب الناخبين بالتصويت للعمال، وعندما سأصبح رئيساً للوزراء سأضع الأسر العاملة أولاً، وليست القلة المحظوظة، هذا هو الخيار في هذه الانتخابات".
وبلهجة أخرى، حذر زعيم حزب العمال الناخبين، في جولة انتخابية في جنوب بريطانيا، من "استقطاعات وحشية" في ميزانية نظام الرعاية الصحية والمستشفيات إذا ما فاز "المحافظون" في الانتخابات. وقال ميليباند "لا يوجد خيار في هذه الانتخابات أهم من مستقبل نظام الرعاية الصحية لدينا". كما حذر ميليباند الناخبين من مخاطر التصويت للمحافظين لأن موقف بريطانيا في الاتحاد الأوروبي سيكون ضعيفاً في حال فوز حزب المحافظين بعد أن وعد كاميرون بإجراء استفتاء على عضوية بلاده في الاتحاد بحلول 2017.
وفي موقف أكثر وضوحاً، أعلن زعيم حزب العمال، إيد ميليباند، أن حزبه لن ينظم أي استفتاء حول مصير عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، إذا ما فاز بتشكيل حكومة بعد الانتخابات المقبلة.
وربما يحاول العمال في هذا الموقف كسب ما خسره من دعم رجال الأعمال الذين يخشون أن تثير الوعود بتنظيم "الاستفتاء" عدم استقرار ينعكس سلبياً على أداء الاقتصاد، ويحول دون جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، مما يضر بنمو سوق العمل البريطاني.

من جهته، توقع نائب رئيس الوزراء البريطاني وزعيم حزب الديمقراطيين الأحرار، نيك كليج، عقد انتخابات عامة أخرى في بريطانيا قبل نهاية العام الحالي إذا لم يكن حزبه جزءاً في حكومة ائتلافية بعد انتخابات اليوم، مؤكداً أنه من المستحيل لحكومة أقلية أن تمرر تشريعات حاسمة من دون تقديم تنازلات مثيرة للجدل للحزب القومي الإسكتلندي وحزب الاستقلال.
وقال كليج، في بيان حزبي، إن إجراء انتخابات أخرى سيكون "حتمياً" من دون وجود الديمقراطيين الأحرار فى الحكومة، مشيراً إلى أن "الجميع يعلم أنه لن يحقق أحد الأغلبية في هذه الانتخابات حتى مع عدم اعتراف كاميرون وميليباند بذلك علنا". وأضاف كليج بلهجة تحذيرية "إذا حاولوا المغامرة من خلال حكومة أقلية فوضوية وغير مستقرة بدلاً من وضع مصلحة البلاد أولاً، فإنهما سيخاطران بالعمل الشاق والتضحيات التي قام بها الناس خلال السنوات الخمس الماضية". واعتبر كليج، بلهجة ترغيبية، "أن الحزب الوحيد الذي سيضمن الاستقرار هو حزب الديمقراطيين الأحرار".

استطلاع الساعة الأخيرة

أظهر استطلاع اللحظات الأخيرة الذي أجرته مؤسسة "بوبيولوس" أن حزب المحافظين متعادل مع حزب العمال المعارض. ومن المتوقع أن يحصل كل منهما على 34 في المائة من مجموع الأصوات. ووفقاً لاستطلاع "بوبيولوس"، تراجع التأييد لحزب الاستقلال المناهض للاتحاد الأوروبي بواقع نقطتين ليصل إلى 13 في المائة، بينما ارتفع التأييد لحزب الليبراليين الديمقراطيين إلى 10 في المائة. وكان الفارق ببن الحزبين الرئيسيين ضئيلاً للغاية في معظم استطلاعات الرأي التي أجريت منذ مطلع العام، إذ لم يحقق أي من الحزبين تقدماً بارزاً في استطلاعات الرأي. ورجحت استطلاعات الرأي المتعاقبة عدم فوز أي من الحزبين الرئيسيين بأغلبية حاسمة في البرلمان المقبل.
وترجح استطلاعات الرأي أن يؤدي موقف الناخبين غير الحاسم إلى انتخاب "برلمان معلق" يحظى فيه كل من حزبي المحافظين وحزب العمال بـ34 في المائة من أصوات الناخبين، على أن يحظى الحزب القومي الإسكتلندي بالكتلة الثالثة، وأن يفوق عدد نوابه بمرتين عدد نواب الليبراليين الديمقراطيين.
وفي حال لم يتمكن أحد الحزبين الرئيسيين (المحافظين أو العمال) من تحقيق أغلبية تؤهله لتشكيل الحكومة المقبلة، فإن الملكة تعطي الأولوية للحكومة المنتهية ولايتها من أجل إعادة تشكيل حكومة قابلة للاستمرار.

ومن المرجح أن يقرر المحافظون عندها الاستمرار في تحالفهم مع حزب الأحرار الديمقراطي، ولا سيما أن أداء الائتلاف الحكومي الذي جمعهما منذ العام 2010 كان ناجحاً إلى حد كبير، ولا سيما لناحية معالجة الأزمة الاقتصادية التي واجهت البلاد منذ العام 2008.
وإذا ما تعذر على رئيس الحكومة الحالية تشكيل حكومة ائتلاف فيمكن أن يحكم بحكومة أقلية مدعومة من كتل أخرى. أما إذا قرر الاستقالة، فيمكن دعوة زعيم الكتلة البرلمانية التالية إلى تشكيل حكومة أقلية أو حكومة ائتلاف، وإذا ما فشل في ذلك يبقى الخيار الأخير في حل البرلمان وتنظيم انتخابات عامة جديدة.
تثير الانتخابات البريطانية هذه المرة فضول كل المهتمين بالشأن البريطاني، وذلك لصعوبة التكهن بماهية ما ستفضي له. فبينما يحاول الحزبان الرئيسيان الفوز بالأغلبية، وعدم الوصول إلى ائتلاف حكومي على غرار انتخابات عام 2010، التي لم يحصل فيها أي حزب على أكثر من نصف المقاعد في مجلس العموم، يجد كلا الحزبين نفسهما محشورين أمام خيارات أحلاها مُرّ. فإذا عاد ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء المحافظ، إلى منصبه فإنه ملتزم بإجراء استفتاء في العام 2017 قد يؤدي إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ودخولها في حالة من الانعزال الاستراتيجي. أما إذا أصبح إيد ميليباند، زعيم حزب العمال، رئيساً للوزراء، فسيكون عليه التحالف بشكل مباشر، أو الاعتماد بشكل غير معلن على دعم من الحزب القومي الإسكتلندي، الذي يريد الانفصال عن المملكة المتحدة.

لا حيادية في مواقف الصحف

انقسمت الصحافة البريطانية بشكل واضح في مواقفها من الأحزاب المتنافسة. وقد دعت صحيفة "ذي إندبندنت‬‎" قراءها إلى تجديد انتخاب الائتلاف الحكومي المنتهية ولايته، الذي استمر بين حزبي المحافظين والأحرار الديمقراطي طيلة الفترة البرلمانية الماضية. أما صحف "ميل أون صنداي"، "صنداي تايمز"، "صنداي تلغراف"، و"ذي صن" وصحيفة "فاينانشال تايمز" فقد انحازت لصالح المحافظين، في حين حثّت صحف "ذي غارديان"، "الأبزيرفر" و"ذي ميرور" قراءها على التصويت لصالح حزب العمال. ولم يؤيد حزب الاستقلال اليميني سوى صحيفة "ديلي إكسبرس".

اقرأ أيضاً مسلمو بريطانيا والانتخابات: ثقل حاسم في 25% من الدوائر