بدد وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون، يوم الثلاثاء، أحلام ألمانيا، في إمكانية تأسيس "جيش أوروبي موحد" بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، مُؤكداً أن "بلاده ستظلّ تعارض أي مشروع لتشكيل جيش أوروبي، حتى بعد خروجها من الاتحاد، لأن حلف شمال الأطلسي، يجب أن يظلّ ركيزة الدفاع في أوروبا".
في هذا السياق، قال فالون عند وصوله للمشاركة في اجتماع لوزراء دفاع الاتحاد الأوروبي في العاصمة السلوفاكية، براتيسلافا، الثلاثاء: "نحن موافقون على أن أوروبا عليها بذل جهود أكبر لمواجهة تحديات الإرهاب والهجرة، لكننا سنواصل معارضة أي مشروع لتشكيل جيش أوروبي، أو مقر قيادة لجيش أوروبي لن يؤدي سوى إلى تقويض حلف الأطلسي".
موقف فالون مشابه لموقف لجنة شؤون الحلف في البرلمان البريطاني، عندما حذّرت في وقتٍ سابق من أن "قيام جيش أوروبي موحّد قد يطيح الأطلسي، وخصوصاً إذا ما وصل إلى السلطة في واشنطن إدارة انعزالية، ترى أن أوروبا بجيشها الموحّد لم تعد بحاجة للولايات المتحدة دفاعياً".
بالتالي إن هناك ضرورة لتأسيس "جيش أوروبي موحد" من أجل إقناع روسيا بأن الاتحاد الأوروبي جاد في الدفاع عن قيمه، على حد تعبير رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر. ورأى يونكر أن العمليات العسكرية لروسيا في أوكرانيا جعلت من إنشاء جيش أوروبي مسألة أكثر إلحاحاً، وأن تشكيل هذا الجيش سوف يؤدي إلى ترشيد الإنفاق العسكري، وتعزيز اندماج الدول الاعضاء. وسبق له أن قال في مقابلة مع صحيفة "دي فيلت" الألمانية في 9 مارس/آذار 2015، إن "تشكيل هذا الجيش سيساعد على وضع سياسة خارجية وأمنية مشتركة، وأن حلف الأطلسي ليس كافياً، لأن بعض الأعضاء المهمين فيه ليسوا أعضاء في الاتحاد".
أما من الجهة الألمانية، فإن "مستقبلنا كأوروبيين سيكون في مرحلة ما مع وجود جيش أوروبي"، وفقاً لوزيرة الدفاع الألمانية، أورسولا فون دير لاين، التي تدفع مع دول أوروبية شرقية لجهة إنشاء "جيش أوروبي" يحمل لواء العقيدة الأمنية لـ"الدفاع عن القيم والمصالح الأوروبية أمام كافة التحديات والمخاطر".
في المقابل، فسّر مراقبون الرفض البريطاني بأنه بسبب طبيعة العلاقات الاستراتيجية بين لندن وواشنطن، إذ لا يريد الثنائي سلخ الاتحاد الأوروبي عن الولايات المتحدة، فالأميركيون على قناعة تامّة بأن هذا الجيش إذا ما تشكّل، فسوف يعمّق استقلال الاتحاد الأوروبي عن الولايات المتحدة. وهذا أمر لا يمكن لواشنطن قبوله، لا سيما في ظل مساعي شريحة لا بأس بها من ممثلي النخبة في العاصمة البلجيكية بروكسل (مقرّ الاتحاد الأوروبي) لـ"التحرّر من الإملاءات الأميركية".
كما تخشى واشنطن ولندن من سيطرة برلين، الأكثر اندفاعاً للاستقلال عن الأميركيين، والأكثر ميلاً للتفاهم مع موسكو، على "الجيش الأوروبي". وقد عبّر عضو لجنة شؤون الحلف في البرلمان البريطاني، اللورد منسيز كامبل، عن "قلقه الشديد على مصير الأطلسي عندما تتمّ بريطانيا عملية خروجها من الاتحاد الأوروبي".
وقال في هذا الصدد إن "الأمر مقلق للغاية، فماذا سيحصل للأطلسي عندما تغادر بريطانيا الاتحاد، ويمرّر الأخير قراراً بإنشاء جيش أوروبي موحّد؟ بالطبع لن تتمكن بريطانيا عندها من منعه لأن عضويتها الأوروبية تكون قد انتهت". وأضاف كامبل أن "الركيزة الأساسية لقوة الأطلسي العسكرية هي واشنطن، لأن الولايات المتحدة تساهم بنحو 75 في المائة من الميزانية المالية للحلف".
وعلى الرغم من اندفاع بعض المسؤولين الأوروبيين إلى تشكيل الجيش الأوروبي الموحد، بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إلا أن الكثير من الخبراء في الدوائر الأوروبية يشككون في إمكانية ولادة هذا الجيش، على الأقل في السنوات العشر المقبلة. ومردّ هذا التشكيك يعود أولاً إلى معارضة بريطانيا، وهي التي هددت باستخدام "الفيتو" إذا ما طُرح مشروع الجيش الأوروبي الموحد خلال تمتعها بكامل العضوية في الاتحاد الأوروبي. كما يصطدم مشروع الجيش الأوروبي بتمسك الولايات المتحدة بحلف شمال الأطلسي الذي يعزز نفوذها السياسي والأمني في أوروبا، ورغبة واشنطن في إبقاء برلين تحت السيطرة في ظل مواجهة مُحتملة مع موسكو. أضف الى ذلك عدم قدرة الكثير من الدول الأوروبية على رصد الميزانيات اللازمة لتأسيس جيش أوروبي، وعدم تأييد غالبية دافعي الضرائب الأوروبيين لزيادة الإنفاق العسكري، مقابل سياسات التقشف في قطاعات الصحة والتعليم ومشاريع الخدمات العامة.