بروكسل تتصدى للتمييز في مكان العمل

18 أكتوبر 2017
الكفاءة معيار التوظيف (لوك كلايسين/ فرانس برس)
+ الخط -
قانون طليعي صوّت عليه برلمان العاصمة البلجيكية، بروكسل، أمس الثلاثاء، بالأغلبية، يتعلق بـ مكافحة التمييز في التوظيف، لمنح الفرص نفسها للجميع بغض النظر عن العمر والأصل والجنس

ابتداء من يناير/ كانون الثاني المقبل، سيسمح قانون أقرّ أمس الثلاثاء في برلمان مقاطعة بروكسل، التي تضم العاصمة البلجيكية، أن يراقب مفتشو العمل الشركات في ما يتعلق بمكافحة التمييز في الفرص الوظيفية فيها.

وبغض النظر عن الاختلافات بين الأطراف السياسية التي أدت إلى تصويت مجموعة من اليمين ضد هذا القانون، فإنّ ترسانة التشريعات التي اعتمدتها منطقة بروكسل فريدة من نوعها. فكما قال وزير الاقتصاد في المقاطعة، ديدييه غوزوان، عقب اعتماد القانون إنّها "معركة طليعية. لنكن صادقين: في السويد أو في فرنسا، تمارس بعض العمليات المماثلة، لكنّ الجمعيات تسهر عليها وليست السلطات العامة". وهو ما يجعل قانون بروكسل مهماً جداً ليس للبلاد فقط، بل على المستوى الأوروبي أيضاً.

ينص القانون، على وجه التحديد، على تقنين عمليتين. تتعلق الأولى بما يسمى بالاختبارات الظرفية، وفيها ترسل إلى الشركة سيرتان ذاتيتان بنفس المؤهلات لكن مع متغير معين على صعيد الجنس والأصل والعمر والإعاقة، وذلك عندما يتوفر دليل على تمييز في تلك الشركة. يوضح الوزير في مقاطعة بروكسل، ديدييه غوزوان، لـ"العربي الجديد": "ما هو متوقع هو أنّ جميع الأشخاص الذين يمتلكون الكفاءات نفسها، هم على قدم المساواة، وبالتالي ينبغي التعامل مع ملفاتهم بنفس الطريقة". ويشير إلى ملف تطرقت له، خلال العام الماضي، كلّ وسائل الإعلام، إذ لم تحصل سميرة، وهي سيدة من أصل مغربي، على مقابلة بخصوص فرصة عمل إلاّ بعدما استبدلت اسمها باسم "سيسيل".

أما العملية الثانية فتسمى "التسوق المخفي". وتتعلق بالتواصل مع رب عمل للتحقق من أنّه لا يمارس تمييزاً محتملاً في العمل، إذ لوحظت بعض الحالات بالفعل في بعض شركات الخدمات، على سبيل المثال.


عند بدء التنفيذ العملي في يناير/كانون الثاني المقبل سيحق لمفتشي العمل ممارسة هذه الاختبارات والمكالمات السرية. ويؤكد المسؤولون أنّ العملية لن تنفذ اعتباطياً، إذ ينص القانون على مبدأ عدم الاستفزاز. يعلق غوزوان: "لا نية لإجراء اختبارات شاملة. فنحن لن نرسل، دفعة واحدة، الكثير من السير الذاتية لجميع الشركات. ولن يتم ذلك إلاّ إذا كانت هناك تقارير جادة من خلال هيئات رسمية، مثل المركز الفيدرالي من أجل المساواة ومكافحة التمييز أو المنظمات العاملة في مجال محاربة التمييز في مكان العمل". يضيف: "سيتطلب ذلك دلائل واضحة على ممارسات يمكن وصفها بأنها تمييزية في حق شخص ما". وفي حال كان اختبار التمييز إيجابياً، فستعقد جلسات استماع مع مسؤولي الشركة المعنية بالأمر، ثم يعدّ تقرير ينقل إلى محكمة العمل.

وفي خصوص العقوبات، فهي في الواقع منصوص عليها في قوانين تعود إلى عام 2008، لكن لم يجرِ تفعيلها بعد لعدم وجود مراقبة عملية وحقيقية. ويمكن أن تتراوح الغرامات بما بين 400 يورو و50 ألف يورو. كذلك، يمكن تنفيذ أحكام بالسجن لمدة أقصاها سنة واحدة. وبحسب غوزوان فإنّ "الهدف ليس خلق عقوبات جديدة، بل السماح برصد تطبيق القوانين التي جرى التصويت عليها عام 2008".



يروي لوموما الذي التقت به "العربي الجديد" أنّه بحث عن عمل طوال ثلاث سنوات، على الرغم من حصوله على عدة شهادات دراسية في مجال القانون. وقد تركت عملية البحث عن عمل لديه طعماً مراً إذ أرسل عدداً هائلاً من نسخات سيرته الذاتية كما يقول. حظي بمجموعة من المقابلات لكنّه لم يتمكن من الحصول على وظيفة واحدة. ووفقاً له، فإنّ أصوله الأفريقية هي التي ساهمت في هذه التعقيدات. وعلى الرغم من اعترافه بعدم مواجهته مواقف أو ملاحظات تمييزية بشكل مباشر، فهو يعتبر أنّ أصله هو العائق الرئيسي أمام الحصول على وظيفة. وكدليل على ذلك، يشير إلى التطور المهني لزملائه في الدراسة: "من أصدقائي العشرة البيض، تسعة وجدوا فرصة عمل مباشرة. بينما من بين أصدقائي العشرة من أصل أفريقي، لم يجد سوى واحد منهم عملاً خلال فترة قصيرة، أما التسعة الآخرون فقد عانوا كثيراً قبل أن يجدوا عملاً في نهاية المطاف". يتابع: "في بعض الأحيان يختار رب العمل شخصاً يشبهه، لأنّه لا يريد أن يعقد حياته عن طريق اختيار شخص من ثقافة أخرى، وهو ما قد يتطلب الاكتشاف، بالطبع، هذا منطق بدائي لا أتفق معه. وهناك أيضاً من تتحكم به الأفكار النمطية". تمكن لوموما، بعد جهد، من الحصول على وظيفة لمدة عام في منصب إداري. منصب لا يوافق تماماً ما كان يبحث عنه ولا كفاءته، لكنّه سعيد لأنّ هذا سيساعده على اكتساب الخبرة في سوق العمل، وكذلك وهو الأهم كسب لقمة العيش.

بدوره، يقول النائب عن حزب العمل البلجيكي، يوسف حنديشي، لـ"العربي الجديد": "إنها خطوة أولى في الاتجاه الصحيح. خطوة ضرورية. عندما ننظر إلى واقع الأرقام المتعلقة بالتمييز في سوق العمل، ندرك أنّ هناك حالة طوارئ، ففي بروكسل فجوة في معدل العمالة بين العمال من أصل بلجيكي والمهاجرين. وهذه الفجوة ناتجة عن عدم المساواة القائمة على أساس الأصل أو الثقافة أو لون البشرة أو الدين، بالإضافة إلى أوجه عدم المساواة الاجتماعية الواضحة. وليس لدينا المزيد من الوقت لنخسره لمكافحة الفقر والتمييز". ويشير إلى ضرورة اعتماد هذا القانون على المستوى الوطني ليصبح عبرة لكلّ الدول الأوروبية.