تراهن الحكومة الصينية "الصامتة"، وحليفتها حكومة هونغ كونغ، على ثلاثة عوامل تُمهّد لإسكات جوشوا وونغ ورفاقه، في حركة "احتلوا الوسط" في هونغ كونغ: الوقت، والضغط المالي، والاشتباكات الداخلية.
في مسألة "الوقت"، تبدو بكين غير مستعجلة، من أجل حسم الأوضاع باكراً، وتفضّل ترك الأمور على ما هي عليه، على اعتبار أن المتظاهرين سيُنهكون ولن يستمرّوا في احتجاجاتهم وسيعودون إلى منازلهم في نهاية المطاف. فالسكان المتعلقين بالتكنولوجيا الحديثة، ويصوّرون حالياً كل تفصيل يجري، بأحدث الهواتف النقالة، ليسوا في وارد الذهاب بعيداً في احتجاجاتهم، فهم ليسوا بـ"أبناء الشوارع" الفعليين. بالتالي لا يُمكن وصف ما يجري بـ"ربيع هونغ كونغ"، بل مجرّد فورة حماسية لشباب تحت قيادة وونغ (17 عاماً). بحسب المفهوم الصيني.
بالنسبة إلى الصين، فإن المعارضة والعالم "سيملّان" من الحراك الذي لم، ولن، يصل إلى نتيجة. وتُعتبر تلك الخاصية واضحة للصينيين، فهم قادرون على تأدية دور "مراقب الأحداث"، مهما طالت، خصوصاً وأن كل شيء ما يزال تحت السيطرة.
وإذا كان الصينيون، مرتاحين، على ما يظهرون، في مسألة "الوقت"، إلا أن الوضع ليس كذلك في هونغ كونغ، إحدى أكثر مناطق العالم إرتباطاً بالنظام الرأسمالي، وحركيته المالية والتجارية. لا يُمكن لإقليم هونغ كونغ الاستناد على احتياطي ما، لديمومة التظاهرات، فـ"الضغط المالي"، أكبر من أن يسمح بتخطّي خطوط حمراء محددة، قد تؤدي إلى هجرة الرساميل والاستثمارات، في ظرف حسّاس للغاية، سيُفضي في نهاية المطاف إلى أن تطلب هونغ كونغ المساعدة الصينية.
فنمط الحياة في هونغ كونغ لا يسمح بالتراجع سنتيمترات قليلة في المفهوم المعيشي، على الرغم من حقّ الإقليم في نيل حريته، لكن على التضحيات أن تكون "عادية" فقط، أي أن "الضغط المالي"، في حال طالت الاحتجاجات، سيعني أن أي توقيع لـ"ثوار" هونغ كونغ على صكّ استسلام قريب لشروط بكين سيلوح في الأفق في مرحلة لاحقة. فالصين لا تحتاج إطلاقاً إلى أموال إقليم الـ1104 كيلومترات مربّعة، وهنا نقطة لا يُمكن التغاضي عنها، في الأحداث الجارية.
وتبقى المسألة الأهم: الاشتباكات، وهو ما تبرع فيه الصين تحديداً، التي سمحت للمافيا الصينية في التغلغل في هونغ كونغ، عن طريق السماح بحريّة اللعب في منطقة محددة، من دون تجاوز الحدود المرسومة، تماماً كما تفعل الولايات المتحدة في بعض أحياء هارلم وبرونكس في نيويورك وشيكاغو ولوس أنجلوس، حين تسمح لبعض العصابات بالعمل، ضمن اتفاقيات غير مكتوبة، في تلك المناطق، شرط عدم الخروج منها.
في حالة هونغ كونغ، تستخدم بكين المافيا الصينية، كما استخدمت واشنطن المافيا الإيطالية، وأطلقت سراح زعيمها تشارلز "لاكي" لوتشيانو، في منتصف الحرب العالمية الثانية (1938 ـ 1945)، لدوره الكبير في اجتياح قوات الحلفاء جزيرة صقلية (1943)، وكسر حكم الدوتشي بنيتو موسوليني في إيطاليا ولاحقاً الفوهرر أدولف هتلر في ألمانيا.
كما أن دور المافيا الصينية بدأ بالبروز في الأيام الأخيرة من التظاهرات، تحديداً في عطلة نهاية الأسبوع الاعتيادية في هونغ كونغ، يومي الأربعاء والخميس الماضيين، لتقلب الموازين، إلى درجة أن العالم بدأ يتحدث عنها.
أما في المحصلة، فإن أي اتفاق لم يُبصر النور بعد، بين الحكومة في هونغ كونغ والمتظاهرين، لا بل من المرجّح تدهور الوضع أكثر، في ظلّ التوتّر الميداني بين أبناء المدينة. ولا تُبشر "الكرونولوجيا" الجارية المتظاهرين بنهاية سعيدة، من نوع تراجع الصين عن تسمية المرشحين الثلاثة لرئاسة السلطة في عام 2017، بل ستستولد مستنقعاً، شبيها بمستنقعات مماثلة في مختلف أنحاء العالم. مستنقعات تغرق فيها أوراق وقرارات دول العالم والأمم المتحدة، من دون نتيجة إيجابية، في ظلّ واقع ميداني، لا يُمكن تغييره بجرّة قلم. علماً أن رئيس الحكومة، الموالي للصين، لونغ شون ينغ، حدّد "ساعة صفر"، حين دعا عبر الشاشة الصغيرة، ليلة السبت، المتظاهرين إلى الذهاب إلى منازلهم، وموجهّاً تحذيراً مبّطناً "الأمور بحاجة لتعود إلى طبيعتها بحلول يوم الإثنين". ربما "تيانانمين" (مجزرة الساحة عام 1989) جديدة في العام 2014 باتت جاهزة، وتحتاج إلى التنفيذ فقط.
وقد يكون تعبير صحيفة "الشعب" الصينية الرسمية، اليوم الأحد، خير دليل على الموقف الصيني الرسمي. وتشير الصحيفة إلى أن "المتظاهرين يؤججون مشاعر الكراهية داخل المجتمع في المنطقة ويخالفون مبادئ الديموقراطية. الربيع العربي لم يصل إطلاقاً وما وصل هو الشتاء العربي". من جهتها، بثت "إذاعة الصين الدولية" الحكومية تقريراً مطولاً عن الانتفاضات الأخيرة في العالم، محذّرة من خيبة الأمل في تطوّر الديموقراطية. وذكرت في افتتاحية على موقعها الإلكتروني، مساء السبت، أن "هناك دولاً عدة، بينها مصر وتايلاند وليبيا وأوكرانيا غارقة في فوضى داخلية بسبب الانقسامات بين مختلف المجموعات الاتنية، كما أن بعضها غرق في حرب".
ربما قد يكون تاريخ هونغ كونغ "فتياً" في موضوع التظاهرات والاحتجاجات، وربما قد تتحكّم العفوية بكثير من التحرّكات، غير أن الإقليم قادر على التعلّم من تاريخه. فهونغ كونغ أنجبت شخصيات عدة، يبقى اسم بروس لي الأكثر جذباً من بينها. غادر الرجل هونغ كونغ عن سنّ الـ18، بسبب خوف أهله من أن تقضي عليه العصابات الصينية الناشطة في الإقليم.
غادر بروس لي إلى الولايات المتحدة، ولم يكن يحمل في جعبته أكثر من 100 دولار أميركي. بدأ نجمه يسطع في الألعاب القتالية، ثم فتحت هوليوود أبوابها على مصراعيها أمامه، وعبر فيلم "دخول التنين"، دخل لي قلوب الملايين حول العالم. مشواره كان سريعاً، من ولادته إلى سطوع نجمه فوفاته "الغامضة" باكراً. إلا أن مشواره ترسّخ بثابتتين: هروبه من المافيا الصينية، وعدم تمكن الولايات المتحدة من إعادته إلى بلاده على الرغم من تألق اسمه. وبعد حوالى 41 عاماً على وفاته، لا تزال المافيا الصينية صلبة، ولا تزال الولايات المتحدة غير قادرة على تقديم المزيد من الدعم. ربما على وونغ ورفاقه تذكّر هذا في المنعطف الأخطر أمام "ثورة المظلات".
في مسألة "الوقت"، تبدو بكين غير مستعجلة، من أجل حسم الأوضاع باكراً، وتفضّل ترك الأمور على ما هي عليه، على اعتبار أن المتظاهرين سيُنهكون ولن يستمرّوا في احتجاجاتهم وسيعودون إلى منازلهم في نهاية المطاف. فالسكان المتعلقين بالتكنولوجيا الحديثة، ويصوّرون حالياً كل تفصيل يجري، بأحدث الهواتف النقالة، ليسوا في وارد الذهاب بعيداً في احتجاجاتهم، فهم ليسوا بـ"أبناء الشوارع" الفعليين. بالتالي لا يُمكن وصف ما يجري بـ"ربيع هونغ كونغ"، بل مجرّد فورة حماسية لشباب تحت قيادة وونغ (17 عاماً). بحسب المفهوم الصيني.
بالنسبة إلى الصين، فإن المعارضة والعالم "سيملّان" من الحراك الذي لم، ولن، يصل إلى نتيجة. وتُعتبر تلك الخاصية واضحة للصينيين، فهم قادرون على تأدية دور "مراقب الأحداث"، مهما طالت، خصوصاً وأن كل شيء ما يزال تحت السيطرة.
وإذا كان الصينيون، مرتاحين، على ما يظهرون، في مسألة "الوقت"، إلا أن الوضع ليس كذلك في هونغ كونغ، إحدى أكثر مناطق العالم إرتباطاً بالنظام الرأسمالي، وحركيته المالية والتجارية. لا يُمكن لإقليم هونغ كونغ الاستناد على احتياطي ما، لديمومة التظاهرات، فـ"الضغط المالي"، أكبر من أن يسمح بتخطّي خطوط حمراء محددة، قد تؤدي إلى هجرة الرساميل والاستثمارات، في ظرف حسّاس للغاية، سيُفضي في نهاية المطاف إلى أن تطلب هونغ كونغ المساعدة الصينية.
فنمط الحياة في هونغ كونغ لا يسمح بالتراجع سنتيمترات قليلة في المفهوم المعيشي، على الرغم من حقّ الإقليم في نيل حريته، لكن على التضحيات أن تكون "عادية" فقط، أي أن "الضغط المالي"، في حال طالت الاحتجاجات، سيعني أن أي توقيع لـ"ثوار" هونغ كونغ على صكّ استسلام قريب لشروط بكين سيلوح في الأفق في مرحلة لاحقة. فالصين لا تحتاج إطلاقاً إلى أموال إقليم الـ1104 كيلومترات مربّعة، وهنا نقطة لا يُمكن التغاضي عنها، في الأحداث الجارية.
في حالة هونغ كونغ، تستخدم بكين المافيا الصينية، كما استخدمت واشنطن المافيا الإيطالية، وأطلقت سراح زعيمها تشارلز "لاكي" لوتشيانو، في منتصف الحرب العالمية الثانية (1938 ـ 1945)، لدوره الكبير في اجتياح قوات الحلفاء جزيرة صقلية (1943)، وكسر حكم الدوتشي بنيتو موسوليني في إيطاليا ولاحقاً الفوهرر أدولف هتلر في ألمانيا.
كما أن دور المافيا الصينية بدأ بالبروز في الأيام الأخيرة من التظاهرات، تحديداً في عطلة نهاية الأسبوع الاعتيادية في هونغ كونغ، يومي الأربعاء والخميس الماضيين، لتقلب الموازين، إلى درجة أن العالم بدأ يتحدث عنها.
أما في المحصلة، فإن أي اتفاق لم يُبصر النور بعد، بين الحكومة في هونغ كونغ والمتظاهرين، لا بل من المرجّح تدهور الوضع أكثر، في ظلّ التوتّر الميداني بين أبناء المدينة. ولا تُبشر "الكرونولوجيا" الجارية المتظاهرين بنهاية سعيدة، من نوع تراجع الصين عن تسمية المرشحين الثلاثة لرئاسة السلطة في عام 2017، بل ستستولد مستنقعاً، شبيها بمستنقعات مماثلة في مختلف أنحاء العالم. مستنقعات تغرق فيها أوراق وقرارات دول العالم والأمم المتحدة، من دون نتيجة إيجابية، في ظلّ واقع ميداني، لا يُمكن تغييره بجرّة قلم. علماً أن رئيس الحكومة، الموالي للصين، لونغ شون ينغ، حدّد "ساعة صفر"، حين دعا عبر الشاشة الصغيرة، ليلة السبت، المتظاهرين إلى الذهاب إلى منازلهم، وموجهّاً تحذيراً مبّطناً "الأمور بحاجة لتعود إلى طبيعتها بحلول يوم الإثنين". ربما "تيانانمين" (مجزرة الساحة عام 1989) جديدة في العام 2014 باتت جاهزة، وتحتاج إلى التنفيذ فقط.
وقد يكون تعبير صحيفة "الشعب" الصينية الرسمية، اليوم الأحد، خير دليل على الموقف الصيني الرسمي. وتشير الصحيفة إلى أن "المتظاهرين يؤججون مشاعر الكراهية داخل المجتمع في المنطقة ويخالفون مبادئ الديموقراطية. الربيع العربي لم يصل إطلاقاً وما وصل هو الشتاء العربي". من جهتها، بثت "إذاعة الصين الدولية" الحكومية تقريراً مطولاً عن الانتفاضات الأخيرة في العالم، محذّرة من خيبة الأمل في تطوّر الديموقراطية. وذكرت في افتتاحية على موقعها الإلكتروني، مساء السبت، أن "هناك دولاً عدة، بينها مصر وتايلاند وليبيا وأوكرانيا غارقة في فوضى داخلية بسبب الانقسامات بين مختلف المجموعات الاتنية، كما أن بعضها غرق في حرب".
ربما قد يكون تاريخ هونغ كونغ "فتياً" في موضوع التظاهرات والاحتجاجات، وربما قد تتحكّم العفوية بكثير من التحرّكات، غير أن الإقليم قادر على التعلّم من تاريخه. فهونغ كونغ أنجبت شخصيات عدة، يبقى اسم بروس لي الأكثر جذباً من بينها. غادر الرجل هونغ كونغ عن سنّ الـ18، بسبب خوف أهله من أن تقضي عليه العصابات الصينية الناشطة في الإقليم.
غادر بروس لي إلى الولايات المتحدة، ولم يكن يحمل في جعبته أكثر من 100 دولار أميركي. بدأ نجمه يسطع في الألعاب القتالية، ثم فتحت هوليوود أبوابها على مصراعيها أمامه، وعبر فيلم "دخول التنين"، دخل لي قلوب الملايين حول العالم. مشواره كان سريعاً، من ولادته إلى سطوع نجمه فوفاته "الغامضة" باكراً. إلا أن مشواره ترسّخ بثابتتين: هروبه من المافيا الصينية، وعدم تمكن الولايات المتحدة من إعادته إلى بلاده على الرغم من تألق اسمه. وبعد حوالى 41 عاماً على وفاته، لا تزال المافيا الصينية صلبة، ولا تزال الولايات المتحدة غير قادرة على تقديم المزيد من الدعم. ربما على وونغ ورفاقه تذكّر هذا في المنعطف الأخطر أمام "ثورة المظلات".