وكانت السعودية والبحرين والإمارات ومصر قد قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع قطر فجر يوم 5 يونيو/حزيران الجاري، كما فرضت عليها حصاراً بحرياً وجوياً، ومنعت هذه الدول رعاياها من السفر إلى قطر، كما طردت القطريين من بلادها. وأتى ذلك بعد قرصنة الإمارات وكالة الأنباء القطريّة "قنا" وفبركة تصريحات لأمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، فجر 24 أيار/مايو الماضي، استخدمتها دول الحصار لتبرير هجومها على دولة قطر، وتحريضها، وصولاً إلى قطع العلاقات.
جديد دول الحصار هذه المرّة، محاولة تصوير فريضة الحجّ على المسلمين كمكرُمة سعوديّة، يستطيع الملك السعودي، وهو خادم الحرمين الشريفين، إعطاءها للقطريين كهبة خيريّة ومنعها عليهم متى احتاجت البروباغندا دفعاً سياسياً جديداً. فبالرغم من أنّ خطوة السماح للقطريين بالحجّ تُعتبر إيجابيّة، إلا أنّ الغرض السياسي منها كان واضحاً عبر الحملة الإعلاميّة التي قامت بها دول الحصار.
وكانت وكالة الأنباء السعودية (واس)، ذكرت، أمس الأربعاء، أنّ العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، أمر بفتح معبر سلوى الحدودي البري لدخول الحجاج القطريين إلى الأراضي السعودية، ومن دون التصاريح الإلكترونية. وقالت إنّ "الملك وجّه بنقل جميع الحجاج القطريين من مطار الملك فهد الدولي في الدمام ومطار الأحساء الدولي، وإرسال طائرات خاصة تابعة للخطوط السعودية إلى مطار الدوحة لنقل جميع الحجاج القطريين على نفقته الخاصة".
فور ذلك، أطلقت الأذرع الإعلاميّة والإلكترونيّة حملتها الاستغلاليّة سياسياً لفريضة الحجّ على المسلمين، عبر وسم "#الملك_سلمان_يستضيف_حجاج_قطر" الذي سارعت الأذرع لدفعه للأكثر تداولاً عالمياً، وعبر سلسلة من المقالات الصحافيّة الاستعراضيّة.كما حاولت قناة "العربيّة" ومعها صحف ومواقع إلكترونيّة تابعة لدول الحصار، الزج بعبدالله بن علي آل ثاني، ومحاولة تصويره على أنّه بديل سعودي - إماراتي للحكومة الشرعيّة القطريّة، وإظهاره كوسيط لفتح باب الحجّ أمام القطريين بعد استغلال الفريضة وتسييسها من قبل السعوديّة.
وبما أنّ عبدالله بن علي غير معروف للشعب الخليجي، دفع إعلام دول الحصار بمقالات مطوّلة وتغريداتٍ حول هويّة "الوسيط" وانحداره من سليلة آل ثاني، والتركيز على تعبير "يلقى قبولاً داخل الأسرة"، في محاولة للتحريض ضدّ الحكومة الشرعيّة القطريّة وأميرها.
هُنا، ارتكب إعلام دول الحصار خطيئتين بارزتين، تمثّلتا بالتعامل مع القطريين كأنّهم يحجّون إلى السعودية وليس إلى بيت الله الحرام، والتغطية على وضع شروط تُعرقل الحجّ. بالإضافة إلى محاولة تغلفة تآمر دول الحصار ضدّ قطر وشعبها بـ "مكرمات وعطايا"، واستغلال الحج، عبر منح التسهيلات ليس لحكومة قطر الرسمية ومؤسسات الحج، بل لفرع من الأسرة، في محاولة واضحة جديدة لاستغلال الحج كأداة سياسية لخلق معارضة قطرية وبدائل وهمية للحكومة القطرية الشرعية، بعدما فشلت كُلّ المحاولات السابقة.
وفي نفس الإطار، أعربت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في قطر عن ارتياحها لقرار السلطات السعودية بفتح المنفذ البري والخط الجوي المباشر لحجاج دولة قطر، واعتبرته خطوة نحو إزالة العراقيل والصعوبات التي واجهت إجراءات الحج لهذا العام، مشيرة في الوقت عينه إلى أنّ القرار "غامض".
وقالت إنّ قرار السلطات السعودية بفتح المنفذ البري والخط الجوي المباشر لحجاج دولة قطر، "لا يزال يكتنفه الغموض"، لا سيما في ما يتعلّق بالحجاج المقيمين في دولة قطر، مطالبة بتقديم كافة التسهيلات لهم دون تمييز؛ كما طالبت بمزيد من الإجراءات لرفع الحصار كليّاً عن مواطني ومقيمي دولة قطر ومواطني دول مجلس التعاون.
وأكدت اللجنة، في بيانها، أنّ مسألة الحج "لا يمكن إخضاعها لأية حسابات أو وساطات سياسية أو شخصية، وإنّما هي حق أصيل نصت عليه كافة المواثيق والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان والشريعة الإسلامية السمحاء".
وهذه ليست المحاولة الأولى لدول الحصار لتسييس الحج. فقد سعت أذرع السعوديّة الإعلاميّة منذ الشهر الماضي لفبركة أكاذيب لتمويه الإجراءات التعجيزيّة التي فرضتها السعودية ضدّ المعتمرين والحجاج القطريين، والإيحاء بأنّ قطر هي مَن منعت مواطنيها من أداء فريضة الحج، ما يُعدّ تسييساً لفريضة الحج وإساءة لها عبر استغلالها للضغط السياسي على دولة قطر من خلال التضييق على الحجاج، وعرقلة ترتيبات زيارتهم لأداء الفريضة.
لكنّ ما لم يذكره إعلام دول الحصار، أنّه وفي إطار الشروط التعجيزيّة التي فرضتها السعوديّة التي يحاول إعلامها تمويهها، سمحت الأخيرة للقطريين بالدخول إلى أراضيها عبر منفذين جويين فقط، حيث تنطبق هذه القرارات على المواطنين القطريين المقيمين خارج قطر الذين تتعين عليهم العودة إلى الدوحة، ومن ثم الدخول إلى الأراضي السعودية لأداء الشعائر الدينية عبر المنفذين المحددين، وهما مطار الملك عبد العزيز الدولي بجدة (غرب)، ومطار الأمير محمد بن عبد العزيز بالمدينة المنورة (غرب).
كما تعرّضت حملات العمرة القطرية خلال شهر رمضان الماضي إلى انتهاكات مشابهة، إذ تمّت مخاطبة المعتمرين عبر السلطات السعودية، وإجبارهم على العودة إلى قطر عبر الخطوط القطرية، والتي منعت بدورها من مغادرة المطار والعودة إلى قطر إلا في اليوم التالي"، بالإضافة إلى إجبار مواطنين قطريين على مغادرة الفنادق التي يقيمون فيها لأداء عمرة رمضان.