تسعى بعض المؤسّسات الفلسطينية إلى تعميم برنامج المناظرات من أجل تطوير مهارات الحوار بينهم، إذ تُطرح قضية يَتناظر حولها فريقان مُتعارضان، ويُدْعى الفريقُ المؤيّد للقضية فريقَ المُوالاة وهو من يؤيّد القضية المطروحة ليدعمها ويدافع عنها، أمَّا الفريق المعارض فيقوم بتفنيد خطاب فريق الموالاة والحجج التي تقدّم بها، وهكذا، فإن فريق الموالاة يحاول إثبات رأيه الذي يساند موضوع المناظرة بينما يحاول فريق المعارضة أن يُفنده وأن ينفيه.
منذ سنواتٍ قليلة، بدأت نوادي المناظرات تظهر بشكلٍ لافت، إذ تنوّعت أنشطتها ما بين التدريب على المناظرات، تبعها تدريبات أخرى على آليات البحث عن المعلومات، ثم كيفية عقدها التي اختلفت ما بين المؤسّسات القائمة عليها وفق مدارس عالمية محدّدة.
فهم المنطقة العربية
ابتهال شرّاب، واحدة من فريق نادي "مناظرات فلسطين" في مؤسّسة فلسطينيّات، تقول إن تجربة المناظرات من أفضل الفرص التي تدعو الشباب إلى التعبير عن آرائهم والدفاع عنها بالحجج والأدلّة والبراهين، غير أنّها تعزّز مفاهيم التسامح وتقبّل الآخر، مضيفة أن مشروع المناظرات في قطاع غزّة ممتاز، على الرغم من أنّه يحتاج إلى مزيد من التطوير وزيادة الارتباط مع التدريب بالضفّة الفلسطينيّة، ومع الدول العربيّة، كما أن طرح قضايا عربيّة يعطي إثراءً معرفياً وفهماً للشباب حول الأوضاع الجارية في المنطقة بشكلٍ عام.
من جهته يعتبر عمر زين الدين، وهو مناظر آخر، أن تجربة المناظرات غنية وتستحق العناء، إذ وفّرت الفرصة لتعلّم مهارات التناظر وأساليبها والوسائل التي تساعد على تمكين المتحدّث من إيصال وجهة نظره وإقناع الآخرين بها، "القضايا السياسية والاجتماعية والإعلامية صارت محور التناظر بيننا، معظمها ما يعتبر أولوية في حياتنا كالحصار، الكهرباء، الانقسام، وقضايا الإعلام الاجتماعي، وبالفعل حققنا بعض التغييرات خصوصاً في ما يخصّ الإعلام الاجتماعي وما يندرج تحته يشرح عن طبيعة الأطروحات للتناظر".
ويستطرد زين الدين، أن المناظرات أدّت به إلى الحصول على المعارف الجديدة، نتيجة البحث المعمّق، إلى جانب أنها جعلته يدرك قيمة الكلمة وأثرها، وكيف أنّ الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، وكيف أن يقف موقف الطرف المقابل لتفهّم وجهة نظره ومجاراته فيها.
من الحصار إلى الفساد
امتدت المناظرات إلى قضايا الفساد في قطاع غزّة، إذ استخدمت كأداة مساءلة اجتماعية بين شباب وأعضاء المجلس التشريعي، تناولها في محور: "غياب قانون حقّ الحصول على المعلومات يعيق تفعيل مبدأ الشفافية" نموذجاً.
عبد الله خضرة، أحد أنشط المناظرين في نادي "الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة – أمان" يقول إنه انضم إلى النادي قبل ثلاثة أعوام، إذ "تلقّيت تدريبًا على المناظرات، ثم شاركت في دوري مناظرات مكافحة الفساد والذي انتهى بفوز فريق يمثل فلسطين في مسابقة عربية تقام بالأردن وتنظّمها منظمة الشفافية الدولية وكنت أحد أعضائه، لكن لم نستطع السفر لظروف المعابر طبعاً".
ويعتبر المدرّب طلال أبو ركبة أن المناظرات في القطاع صارت هوية مؤسّسة فلسطينيات، بعدما نجحت في تعميمها والارتقاء فيها كونها ترقى بمستوى الحوار بين الشباب، تحديدًا من خلال الخروج من عباءة التلقين التقليدي وإكساب المهارات بشكل عملي من خلال المناظرات.
لكن المتحدّث ينتقد تجربة فلسطينيات بأن قضايا التناظر التي تطرحها مؤخرًا باتت محصورة في القضايا الإعلامية، على الرغم من أن دوري الجامعات قد طرق معظم الأبواب البعيدة عن الإعلام.
للحقيقة وجهان
ويرى أن من خلال تجربة المناظرات هناك استعادة للخطاب الوطني الفلسطيني الداخلي من نشر ثقافة التسامح وقبول الآخر، مرتكزاً على أن للحقيقة وجهين يحتملان الصواب والخطأ.
وتعتبر المناظرة شكلًا من أشكال الخطاب العام، والذي هو عبارة عن مواجهة بلاغية ونقاش رسمي بين متحدثين اثنين أو فرق تضم عدة متحدثين، تدور حول قضية معينة ضمن وقت محدّد، وتتم في جلسة عامة تحكمها ضوابط معينة ويديرها حكم أو رئيس هيئة تحكيم، ويقدم فيها متحدثو كل فريق حججًا متعارضة أو متصادمة، وغالبًا ما تنتهي بتصويت من الجمهور أو لجنة تحكيم يفضي بترجيح كفة حُجج أحد الطرفين.
بدورها، تعقّب منى خضر، وهي منسّقة مؤسّسة فلسطينيّات بغزة، أن تأسيس نادي مناظرات فلسطين بدأ قبل نحو أربعة أعوام. تتابع: "أعلنا عن برنامج المناظرات بعمل استمارات إلكترونية تقدم إليها الطلاب، ثم تم اختيار عدد منهم، ومن ثم بدأنا بعقد تدريبات توّجت بإقامة مناظرات داخل النادي، إلى أن خرجت للعلن، كمناظرات تنافسية بحضور شريحة واسعة من الطلّاب والإعلام".
لم يقتصر الأمر عند طلبة الجامعات، بل صار يشمل الآن مجموعة من الصحافيين والصحافيات، والذين أشادوا بتعميم التجربة، وأقرّوا بأهميتها في ظل أزمة الانقسام والتعصّب الحزبي التي تعصف بعقول الشباب في قطاع غزّة تحديدًا، وفق ما تحدّثوا به في مناظرات علنيّة حضرها معدّ التقرير.
ويهدف نادي "مناظرات فلسطين"، بحسب خضر، إلى دمج الشباب بالمجتمع، وتنمية قدراتهم البحثية والكشف عن الجوانب المختلفة للقضايا المتناظر فيها، إذ يسعى المناظر إلى رؤيتها من كلا الجهتين بالدليل والبرهان وعدم التحدث بمعلومات غير صحيحة، ما يبني ويؤسس لجيل قادر على التحدث بالدليل والمنطق الموجود على أرض الواقع، بعيدًا عن الإسهاب والخوض في أمور لا تعتمد على مصدر موثوق فيه.