أحال رئيس مجلس النواب المصري، علي عبد العال، بيان الحكومة الذي تلاه أمام المجلس رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، ووزراء الخارجية والري والإسكان، يوم الأربعاء، بشأن فشل مفاوضات أزمة سد النهضة، إلى لجنة برلمانية خاصة، برئاسة وكيل المجلس سليمان وهدان، وعضوية رؤساء لجان العلاقات الخارجية، والشؤون الأفريقية، والأمن القومي، تمهيداً لمناقشة تقرير اللجنة عن البيان في جلسة لاحقة.
وشهدت جلسة البرلمان اعتراض عدد كبير من النواب، وفي مقدمتهم أعضاء تكتل (25-30)، بسبب رفض منحهم الكلمة من قبل عبد العال للتعقيب على بيان الحكومة، ما اضطر الأخير إلى وعدهم بالتعليق على البيان بعد انتهاء اللجنة الخاصة من إعداد تقريرها، إثر هجوم حاد شنه عليه النواب أحمد الطنطاوي، وضياء الدين داوود، وأحمد الشرقاوي، وهيثم الحريري.
وأمر عبد العال بقطع الصوت عن الطنطاوي، قائلاً له "لا تتحدث مطلقاً عن سد النهضة"، ما دفع الأول لاستخدام حقه اللائحي في طلب التعقيب على بيان الحكومة الذي ألقته أمس، متحدثاً "هذا بيان مضلل، وزعم أن إيرادات السياحة تجاوزت ما كان محققاً قبل ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، بعد حساب الزيادة بالجنيه بدلاً من الدولار، للادعاء بأن هناك زيادة محققة للسياحة".
وقال الطنطاوي: "رئيس الحكومة لم يتطرق إلى التصنيع والزراعة، أو تفاقم الدين العام نتيجة التوسع في الاقتراض، كما لم يتطرق إلى قضية الإصلاح السياسي، مع العلم أنه لا إصلاح اقتصادياً من دون إصلاح سياسي"، مستطرداً "الإصلاح السياسي ليس رفاهية أو ترفاً، فهو حق للمواطنين كحقهم في الحرية والعدالة الاجتماعية".
وزاد: "الشعب المصري استطاع انتزاع بعض المكتسبات بعد التعبير عن غضبه في الشارع، مثل عودة 1.8 مليون مواطن إلى بطاقات التموين بعد استبعادهم"، مطالباً بـ"تمثيل المعارضة في لجنة الرد على بيان الحكومة بشأن سد النهضة، لأنها قضية وطنية بالأساس، وليست سياسية"، وهو ما رد عليه عبد العال بالقول "أنا لا أشكك في وطنية أي نائب، ولكني أرغب في حماية هذا المجلس!".
وقال عبد العال: "يجب الحذر عند الحديث عن الأمور المتعلقة بالأمن القومي، لأن الطرف الآخر في حالة تربص... وشخص رئيس الدولة هو مقام رفيع، ولن أقبل المساس به في قضية سد النهضة... ويجب على جميع النواب احترام المؤسسات الدستورية، ورئيس البلاد، لأنه من غير المقبول أن يمس شخص رئيس الجمهورية تحت هذه القبة، سواء بطريق مباشر أو غير مباشر".
وسادت حالة من الهرج والمرج أجواء الجلسة، بعد قول عبد العال إن "الأغلبية تمارس في بعض الأحيان دور المعارضة عند الرد على الحكومة"، رغبة من النواب في الحصول على الكلمة، لإبداء رأيهم في موضوع سد النهضة، وسط تعنت واضح من رئيس المجلس، الذي اتهمهم بمحاولة "إثارة الفوضى"، مطالباً رئيس وأعضاء ائتلاف الأغلبية بعدم الالتفات إلى حديث "هؤلاء النواب".
وانتزع نائب الأغلبية مجدي ملك الكلمة، قائلاً: "كلنا نثق في قدرة الرئيس عبد الفتاح السيسي على إدارة الملف، ولكن ما كان أن يخرج وزير الخارجية من قاعة البرلمان من دون أن يقدم استقالته، احتراماً لجموع الشعب المصري، واحتراماً لمؤسسات الدولة، لا سيما بعد فشل مفاوضات سد النهضة"، مضيفاً "نحن لا نزايد على الوطن، وجميعناً يعبر عن الموقف بمنتهى الأمانة الوطنية".
وعقب عبد العال، بقوله: "الخلفية التاريخية للعلاقات المصرية الإثيوبية تشير إلى نموذج فريد من الروابط التي تجمع بين البلدين، فالعلاقات بينهما تعود إلى عهود مصر القديمة، وهي روابط دينية وثقافية، ولم تكن سياسية فقط"، مردفاً "الرئيس السيسي لا يمكن أن يفرط في ذرة رمل واحدة، أو نقطة مياه واحدة، ومصر لن تسمح بأن تتضرر حقوقها في مياه نهر النيل، باعتبارها قضية حياة أو موت".
وطالب عبد العال أعضاء البرلمان بضرورة التعامل مع قضية سد النهضة وفقاً لقواعد حاكمة، قائلاً: "هناك لجنتان فنية وسياسية على أعلى مستوى تعملان الآن، ويجب استخدام الطرق الفنية والسياسية والمهنية المتزنة... والوساطة لا يمكن لأي طرف أن يرفضها، والتحكيم كذلك من المبادئ الحاكمة في العلاقات الدولية في حالة عدم الاتفاق بين الدول".
وزاد: "مصر لم تستنزف وسائل الوصول إلى حل مشكلة سد النهضة، ونتمنى من الجانب الإثيوبي تحكيم العقل، فنحن نعمل وفق القانون الدولي للمحافظة على حقوقنا... ومصر دخلت في حزام الشح المائي بسبب الزيادة السكانية، وثبات حصتها المائية منذ أن كان عدد سكانها 20 مليون نسمة، بينما يزيد الآن عن 100 مليون نسمة".
وختم بالقول: "الموقف في غاية الحساسية، وكل مؤسسات الدولة مُجندة للحفاظ على حقوقنا التاريخية في مياه النيل، والجميع متيقظ لذلك، والدولة لم تدخر جهداً في توفير البدائل من المياه الجوفية، وتحلية مياه البحر. والمشكلة أكبر من تسجيل مواقف، لأنها قضية قومية، وحتى لا تصدر صورة سلبية للخارج. ونحن جميعاً نُعلن دعمنا الكامل لرئيس الجمهورية في إدارة ملف سد النهضة".
من ناحيته، قال رئيس لجنة الشؤون الأفريقية في البرلمان، طارق رضوان، إن "الجانب الإثيوبي يمد أمد المفاوضات حتى يتمكن من إنجاز المشروع كاملاً، وهو أمر لن تقبله مصر"، مضيفاً "ما تفعله أديس بابا يتعارض مع القانون والاتفاقيات الدولية، ويجب مراجعة موقفها، وإعادة فتح المفاوضات بوساطة طرف رابع محايد، لضمان التوصل إلى حلول تحافظ على حقوق كل الأطراف".