براءة مبارك.. وإدانة المتظاهرين
ألقي القبض على الرئيس السابق، محمد حسني مبارك، في أبريل/ نيسان 2011، واتُهِم بعدة تهم منها قتل المتظاهرين، والقضية المعروفة إعلاميًا بقضية القصور الرئاسية، والتي جرت إدانته جنائيًا بها بحكم رسمي بالسجن لمدة ثلاث سنوات عليه، هو ونجلاه علاء وجمال مبارك في بداية عام 2016.
واستمرت قضية قتل المتظاهرين، والتي أُدين فيها مبارك لأول مرة عام 2012، قبل أن تتم إعادة محاكمته في عام 2013، والتي انتهت بحكم نهائي لمحكمة النقض المصرية في الثانِي من مارس/آذار 2017 ببراءة مبارك، براءة غير قابلة للطعن.
وتُعتبر قضية قتل المتظاهرين خلال فترة الـ18 يوماً منذ اندلاع الانتفاضة المصرية، وحتى التنحي في فبراير/ شباط 2011، من أكثر القضايا التي أثارت غضب التيار المدني والثوري في مصر على إثر براءات لقيادات الداخلية المصرية ومنها، وزير الداخلية الأسبق، حبيب العالي، ومعاونيه، والتي يُعتقد أنهم المُنفذ الرئيسي لعمليات القتل العمد والقنص للشباب المُعارض لنظام مبارك خلال أحداث الثورة، وبأوامر مباشرة من مبارك نفسه.
أما عن براءة مبارك هذه المرة فقد أثارت في نفوس الكثير من أهالي الشهداء مرارة لا يمحيها حكم الإدانة في قضية القصور الرئاسية. مرارة سبقها فيها ادعاء حذف شرائط كاميرات المتحف المصري، والتي سجلت الاعتداء على المتظاهرين، إذ أعاقت بدورها سير التحقيقات في القضية، ولحقها سقوط ضحايا آخرين في مناوشات ما بعد سقوط مبارك بين قوات الشرطة المدنية والعسكرية مع الشباب الثائر، كمعركتي محمد محمود ومجلس الوزراء واللتين فلت فيهما القتلة من العقاب أيضًا.
ومرورًا ببعض الأحداث الأخرى، كأحداث مجزرة بورسعيد في فبراير/ شباط 2012 أو أحداث وزارة الدفاع في مايو وأحداث قصر الاتحادية من نفس العام، والتي لم يختلف فيها مصير القناصين ومُشرفي تنفيذ الأوامر العُليا عن الأحداث السابقة أو التي تلتها.
هذه الأحداث، على الرغم من شدتها، لم تكن سياقاتها عنيفة وأكثر دموية من تلك التي أحاطت بفض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة وأحداث الحرس الجمهوري ومسجد الفتح التي راح ضحيتها المئات في أيام قليلة، تخللتها أحداث عربة ترحيلات أبو زعبل في أغسطس/ آب 2013، وهي أحداث تلتها احتفالات شعبية، لم يُدرك المحتفلون قسوتها إلا مُؤخّرًا.
ورغم أن حكم البراءة قد يكون منوطًا بالتشويش على تدهور الوضع الأمني في سيناء، والأحداث الجارية من قتل واستهداف للأسر المسيحية وتهجيرها قسرًا من مدينة العريش، فما زالت وطأتها ثقيلة ومؤشرها على نهج السلطات المصرية وتأثيرها على تسييس أحكام القضاء مُخيف في حد ذاته.
لم يختلف مصير مبارك ورجاله عن مصير المشير طنطاوي ورفاقه، يليهما مصير الرئيس السابق محمد مرسي وعشيرته، ولا عن مصير رأس النظام الحالي. فالجميع ارتكب جرائم في حق مدنيين عُزّل، والجميع لم يُدن؛ لأن إدانة واحدة، كافية لتمرير نفسها خلال السلسة من مبارك إلى السيسي.