تعتقد ليتا تايلر، الباحثة الأولى في برنامج الإرهاب ومكافحته في منظمة "هيومن رايتس ووتش"، أن إجراءات سحب الجنسية في بريطانيا قد تؤدي إلى تمييز ضد أبناء المهاجرين "لأن العديد من حاملي الجنسيات المزدوجة أو من يعتقدون بقدرتهم على الحصول على جنسية ثانية، أصولهم ترجع إلى عرقيات أو إثنيات أو حتى دين محدد، ولذلك توجد خطورة حقيقية بخرق القانون الدولي"، كما تقول لـ"العربي الجديد" موضحة أن "الأمر يطرح مسألة المساواة. فعندما تقوم دول بنزع الجنسية من مزدوجي الجنسية أو حتى ممن يحملون جنسية واحدة فقط، فإنه يتم خلق طبقتين من المواطنين معرضتين لعقوبات مختلفة: الأولى تضم المولودين في البلد ولا يمكن معاقبتهم بالنفي، بينما يمكن نفي من ولدوا خارجها أو يفترض أنهم يمتلكون روابط بدولة أخرى".
يدخل حديث الباحثة تايلر ضمن حالة من النقاش المجتمعي في المملكة المتحدة والذي تفاعل مع قضية شميمة بيغوم التي كانت قد انضمت إلى صفوف "داعش"، منذ أربع سنوات عندما كانت مراهقة، وما زالت قضيتها تشغل الرأي العام، بعد أن طلبت العودة إلى منزلها في لندن، في ظل الجدل حول إمكانية أن تمنحها المملكة المتحدة، المساعدة القانونية اللازمة، في معركتها ضد قرار وزير الداخلية البريطانية سحب الجنسية منها، بعد أن أضاف جيريمي كوربن، زعيم حزب العمال البريطاني، صوته إلى العديد من المنظمات الحقوقية التي دافعت عن حق شميمة في الحصول على التمثيل القانوني المناسب قائلا "إنها مواطنة بريطانية ولذلك تمتلك الحق، مثلنا جميعاً، في طلب المساعدة القانونية إذا كانت لديها مشكلة ما".
وجاءت تصريحات كوربن رداً على تعليق من قبل وزير الخارجية البريطانية جيريمي هانت، قال فيه إن "تخصيص أموال دافعي الضرائب البريطانيين لتمويل مساعي شميمة لتحدي قرار وزارة الداخلية بسحب جنسيتها يجعله يشعر بعدم الارتياح الشديد" مضيفاً: "لقد كانت على وعي بالخيارات التي اتخذتها، ولذلك أعتقد أننا اتخذنا قرارات حول مستقبلها بناء على ذلك".
وعلى الرغم من تصدر قضية شميمة ملف سحب الجنسيات في بريطانيا، إلا أنها ليست وحيدة، فوفقاً لموقع "فري موفمنت" المختص في متابعة شؤون الهجرة في بريطانيا، فقد تم سحب جنسية 81 شخصا في الفترة بين عامي 2010 و2015، عندما كانت تيريزا ماي وزيرة للداخلية.
ومن أصل 81 حالة، كانت حالات التزوير 45، بينما كانت حالات "المصلحة العامة" 36 حالة بحسب حصر "فري موفمنت"، لكن بيانات موقع "ستاتيستا" المتخصص في جمع الإحصاءات، تكشف عن ارتفاع في حالات سحب الجنسية من أجل المصلحة العامة والتي وصلت إلى 150 حالة في عام 2017.
اقــرأ أيضاً
كيف تتم عملية سحب الجنسية؟
"تستند قوانين الحرمان من الجنسية في بريطانيا إلى قضايا تعود إما لعملية التجنيس مثل التزوير أو إخفاء حقائق مادية في طلب الجنسية، أو إذا رأى وزير الداخلية أن الحرمان من الجنسية يصب في المصلحة العامة" وفق ما أوضحه لـ"العربي الجديد" مازن المصري، أستاذ القانون في جامعة لندن، مضيفا أن "السبب الأخير عادة ما يشير إلى أوضاع تشمل قضايا تتعلق بالإرهاب أو الجرائم الخطيرة.
ولا يسمح قانون الجنسية البريطانية لعام 1981 لوزير الداخلية بحرمان أي شخص من جنسيته إذا كان ذلك سيجعل منه ضمن عديمي الجنسية، ما لم يكن لدى الوزير أسباب مقنعة للاعتقاد بأن الشخص يستطيع، وفقاً لقوانين دولة خارج المملكة المتحدة، الحصول على جنسية دولة أخرى".
وأصدرت بريطانيا أول قانون للجنسية عام 1948، وجرى تعديله عام 1981 عبر إلغاء فقرات عفا عليها الزمن، مثل إمكانية الحصول على الجنسية من كلا الوالدين، بينما كانت فقط عن طريق الأب سابقاً، إضافة إلى إلغاء عدد من فئات الجنسية التي ارتبطت بإرث بريطانيا الاستعماري، ولم تسجل أية حالة سحب جنسية بين عام 1973 وحتى فبراير/ شباط 2002، عندما تم إصدار قانون الهجرة لذلك العام، تزامناً مع "الحرب على الإرهاب"، والذي دخل حيز التطبيق عام 2003 وسمح لأول مرة بتجريد مولودين في بريطانيا من الجنسية. وأدخلت هذه التعديلات على الفقرة 40 من قانون الجنسية لعام 1981.
ويؤكد تسنيم أكونجي، محامي عائلة شميمة بيغوم، لـ"العربي الجديد" أن قرار سحب الجنسية منها يعود لدخول تلك الفقرة المعدلة من قانون الهجرة نطاق التنفيذ، بعدما أصبحت أكثر تساهلاً عقب تعديلات أدخلتها عليها الحكومة المحافظة عام 2014، وبمبادرة من تيريزا ماي، عندما كانت وزيرة للداخلية.
وعلى الرغم من أن التعديلات ركزت على جعل بريطانيا "بيئة معادية" للمهاجرين غير القانونيين، إلا أنها شملت فقرة خاصة بنزع الجنسية، تسمح لوزارة الداخلية بحرمان الأفراد الذين يشكلون خطراً على البلاد من الجنسية البريطانية. ويقول أكونجي "كان على الحكومة مسبقاً أن تحدد كيف للشخص الفاقد للجنسية أن يهدد الأمن القومي للمملكة المتحدة، وذلك بشرط ألا تجعل منهم عديمي الجنسية. ولكن التعريف الآن أصبح أكثر تساهلاً، بعد أن نصّ على ألا يكون الشخص مهدداً للمصلحة العامة".
ويشير إلى أن الاستراتيجية التي يتبعها في الدفاع عنها تكمن في عدم امتلاكها جنسية بديلة للبريطانية، خلافاً لما تزعمه وزارة الداخلية البريطانية. ففي ظل قانون مطاط التفسير، يمكن لفريق الدفاع الجدال بأن بنغلادش ترفض منح الجنسية البنغالية لها، وبالتالي فإنها ستصبح عديمة الجنسية، ويضرب في ذلك مثال سحب الجنسية البريطانية من أبو حمزة المصري، والذي كسب المعركة القضائية، بعدما كانت حكومة طوني بلير قد سحبت منه الجنسية البريطانية عام 2003، ولكنه تمكن من كسب معركة الاستئناف القضائي عام 2010، لأنه مجرد من الجنسية المصرية. وبالرغم من ذلك، لا تستطيع وزارة الداخلية البريطانية سحب الجنسية كيفما تشاء، بل يجب أن تتبع إجراءات معينة يلخصها المصري بالقول "قبل إصدار القرار النهائي بسحب الجنسية، تقوم وزارة الداخلية ببعث رسالة إلى الشخص المستهدف تطلعه فيها على نيتها إصدار قرار بحرمانه من الجنسية، وتحدد الأرضية القانونية والأسباب التي دفعتها لاتخاذ القرار، وتطلعه على حقهم باستئنافه. ويحق للفرد حينها الطعن في محكمة هجرة من الدرجة الأولى".
عواقب قانونية
يحمي القانون الدولي الحق في الحصول على جنسية لأنه واحد من الحقوق الأساسية التي تسمح للأفراد بالتمتع بحقوقهم الأخرى، بحسب ما ذكره مازن المصري قائلا: "لا يوجد حظر عام على سحب الجنسية، ولكن الاعتبارات الأساسية التي يأخذها القانون الدولي هي عدم زيادة عدد الأفراد الفاقدين للجنسية، وألا يكون الحرمان من الجنسية اعتباطياً وأن يكون وفقاً للقانون، بوجود ضمانات تمنع إساءة استخدام القوانين، وألا تكون عملية سحب الجنسية مبنية على التمييز.
ويطابق القانون البريطاني هذه الشروط، ولكن بما أن هناك زيادة ملحوظة لنزع الجنسية البريطانية منذ عام 2010، قد يؤدي ذلك إلى التساؤل عن كيفية استخدام هذه القوانين والدوافع وراء ذلك، وهو ما قد يحمل عواقب قانونية، إذ إن الاستعمال الواسع والمفرط لهذه الصلاحيات قد يؤدي بالمتضررين إلى اللجوء إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، أو لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة".
ومن جانبه، لا يرى إبراهيم العلبي، المحامي لدى مكتب غيرنيكا للعدالة الدولية المختص في ملاحقة منتهكي القانون الدولي وقوانين حقوق الإنسان، ومقره لندن، تناقضاً بين القانون البريطاني الخاص بسحب الجنسية وقوانين الاتحاد الأوروبي أو القوانين الدولية، بل الأمر يتعلق بتفسير النص القانوني، وخاصة الفقرة المتعلقة بـ"المصلحة العامة". ويشير العلبي إلى دراسة أعدها ديفيد أندرسون، الخبير القانوني الذي أعد مراجعة مستقلة لقانون الإرهاب ويقول فيها "هناك مبدآن أساسيان في التشريعات الدولية لتجنب حالات عدم الجنسية: ميثاق الأمم المتحدة لعام 1961 حول تخفيض حالات انعدام الجنسية، والميثاق الأوروبي للجنسية الصادر عن المجلس الأوروبي 1997".
ويتابع "من وجهة نظر الحكومة البريطانية لا يعيق هذا المبدآن سلطاتها الداخلية لنزع الجنسية وذلك لسببين: أولهما أن ميثاق 1961 يسمح لها بالحفاظ على سلطة القوانين الداخلية لنزع الجنسية من الأفراد إذا كان هذا الشخص قد "تصرف بطريقة تقوض بشدة من مصالح الدولة"، وهذه السلطات موجودة في قانون الجنسية لعام 1948. وثاني هذه الأسباب أنه رغم أن ميثاق 1997 الأوروبي يمنع سحب الجنسية إطلاقاً إن أدت إلى جعل الشخص عديم الجنسية، إلا في حالات تزوير طلب الجنسية، فإن بريطانيا لم تصادق عليه".
غير أن أكونجي، محامي عائلة شميمة، يرى أن الإجراءات شديدة التمييز لكونها موجهة ضد من ينحدرون من أصول مهاجرة، لتعلقها في نهاية الأمر بجنسية الوالدين. ويرى أكونجي أن تأثير سحب الجنسية يتعلق بتناسب تأثير القرار على حياة الأفراد. فتأثير سحب الجنسية على الأشخاص المقيمين في بريطانيا أكبر منه على المقيمين خارجها. فمن يفقد الجنسية داخل بريطانيا لا يستطيع الوصول للخدمات التي تقدمها الدولة، كما يصبح سفره خارج البلاد شديد الخطورة.
ويمكن ملاحظة هذه العواقب في ما تعرض له جيل وندرش، وهم من أبناء المهاجرين من الكاريبي بعد الحرب العالمية الثانية، في إطار سياسة "البيئة العدائية" التي اتبعتها تيريزا ماي خلال ترؤسها وزارة الداخلية بين عامي 2010-2016، إذ قالت ماي في عام 2012 "إن الهدف أن نخلق هنا في بريطانيا بيئة عدائية عن حق للمهاجرين غير الشرعيين"، وذلك في إطار سياسة حزب المحافظين الرامية إلى تخفيض أعداد المهاجرين إلى بريطانيا. وتشمل هذه المعايير إلزام أرباب العمل وأصحاب المنازل والخدمات الصحية والمنظمات الخيرية والبنوك بتفقد هوية عملائها قانوناً ورفض تقديم الخدمات إذا لم يتمكن الشخص من إبراز إقامة قانونية في بريطانيا.
وتهدف سياسة البيئة العدائية إلى جعل الحياة أصعب ما يمكن على الأفراد ممن لا يملكون حق الإقامة في بريطانيا، وهو ما يشمل الأفراد من فاقدي الجنسية البريطانية إذ يفقدون حقهم في الإقامة في بريطانيا، ويجبرهم ذلك على مغادرة البلاد، وفقاً لتقرير حكومي درس نتائج هذه السياسة عام 2016.
تصدير المشكلة
من جانبها، تقول ليتا تايلر إن "سحب الجنسية قد يحمل نتائج عكسية. فنفي شخص متطرف وعنيف ليس أمراً مفيداً بالضرورة. بل إنه ينقل الخطر من دولة إلى أخرى، وربما إلى مكان آمن حيث يكون للشخص المتطرف حرية التآمر لتنفيذ المزيد من الجرائم ضد بلدان قد تكون من بينها الدولة التي سحبت منه الجنسية". وتابعت :"إذا كان أحدهم خطيراً حقيقياً، فستكون بريطانيا في وضع أفضل إذا أبقته تحت المراقبة فيها بدلاً من منحه حرية التآمر خارجها".
وأضافت أن "القانون الدولي الإنساني يمنع إرسال أي شخص إلى دولة قد يكون فيها عرضة للتعذيب أوالمعاملة اللاإنسانية. ولذلك فإن تجريد شخص من الجنسية وترحيله إلى دولة يعتقد أنها وطن آخر قد يجعله عرضة للتعذيب، وهو ما يعد خرقاً لمبادئ القانون الدولي".
منظمة العفو الدولية أشارت في حديثها مع "العربي الجديد" إلى تصريحات ريتشل لوغان، مديرة برنامج حقوق الإنسان والقانون البريطاني في منظمة العفو الدولية، في تعليقها على قضية شميمة، كموقف رسمي للمنظمة. وكانت ريتشل قد قالت في فبراير/ شباط الماضي "إنها قضية مقلقة وصعبة جداً. يجب على الحكومة البريطانية عموماً أن توفر للمواطنين البريطانيين المعتقلين عملياً في مخيمات النازحين في سورية المساعدة القنصلية. وتزداد أهمية هذه المساعدة في حال وجود الأطفال".
يدخل حديث الباحثة تايلر ضمن حالة من النقاش المجتمعي في المملكة المتحدة والذي تفاعل مع قضية شميمة بيغوم التي كانت قد انضمت إلى صفوف "داعش"، منذ أربع سنوات عندما كانت مراهقة، وما زالت قضيتها تشغل الرأي العام، بعد أن طلبت العودة إلى منزلها في لندن، في ظل الجدل حول إمكانية أن تمنحها المملكة المتحدة، المساعدة القانونية اللازمة، في معركتها ضد قرار وزير الداخلية البريطانية سحب الجنسية منها، بعد أن أضاف جيريمي كوربن، زعيم حزب العمال البريطاني، صوته إلى العديد من المنظمات الحقوقية التي دافعت عن حق شميمة في الحصول على التمثيل القانوني المناسب قائلا "إنها مواطنة بريطانية ولذلك تمتلك الحق، مثلنا جميعاً، في طلب المساعدة القانونية إذا كانت لديها مشكلة ما".
وجاءت تصريحات كوربن رداً على تعليق من قبل وزير الخارجية البريطانية جيريمي هانت، قال فيه إن "تخصيص أموال دافعي الضرائب البريطانيين لتمويل مساعي شميمة لتحدي قرار وزارة الداخلية بسحب جنسيتها يجعله يشعر بعدم الارتياح الشديد" مضيفاً: "لقد كانت على وعي بالخيارات التي اتخذتها، ولذلك أعتقد أننا اتخذنا قرارات حول مستقبلها بناء على ذلك".
وعلى الرغم من تصدر قضية شميمة ملف سحب الجنسيات في بريطانيا، إلا أنها ليست وحيدة، فوفقاً لموقع "فري موفمنت" المختص في متابعة شؤون الهجرة في بريطانيا، فقد تم سحب جنسية 81 شخصا في الفترة بين عامي 2010 و2015، عندما كانت تيريزا ماي وزيرة للداخلية.
ومن أصل 81 حالة، كانت حالات التزوير 45، بينما كانت حالات "المصلحة العامة" 36 حالة بحسب حصر "فري موفمنت"، لكن بيانات موقع "ستاتيستا" المتخصص في جمع الإحصاءات، تكشف عن ارتفاع في حالات سحب الجنسية من أجل المصلحة العامة والتي وصلت إلى 150 حالة في عام 2017.
كيف تتم عملية سحب الجنسية؟
"تستند قوانين الحرمان من الجنسية في بريطانيا إلى قضايا تعود إما لعملية التجنيس مثل التزوير أو إخفاء حقائق مادية في طلب الجنسية، أو إذا رأى وزير الداخلية أن الحرمان من الجنسية يصب في المصلحة العامة" وفق ما أوضحه لـ"العربي الجديد" مازن المصري، أستاذ القانون في جامعة لندن، مضيفا أن "السبب الأخير عادة ما يشير إلى أوضاع تشمل قضايا تتعلق بالإرهاب أو الجرائم الخطيرة.
ولا يسمح قانون الجنسية البريطانية لعام 1981 لوزير الداخلية بحرمان أي شخص من جنسيته إذا كان ذلك سيجعل منه ضمن عديمي الجنسية، ما لم يكن لدى الوزير أسباب مقنعة للاعتقاد بأن الشخص يستطيع، وفقاً لقوانين دولة خارج المملكة المتحدة، الحصول على جنسية دولة أخرى".
وأصدرت بريطانيا أول قانون للجنسية عام 1948، وجرى تعديله عام 1981 عبر إلغاء فقرات عفا عليها الزمن، مثل إمكانية الحصول على الجنسية من كلا الوالدين، بينما كانت فقط عن طريق الأب سابقاً، إضافة إلى إلغاء عدد من فئات الجنسية التي ارتبطت بإرث بريطانيا الاستعماري، ولم تسجل أية حالة سحب جنسية بين عام 1973 وحتى فبراير/ شباط 2002، عندما تم إصدار قانون الهجرة لذلك العام، تزامناً مع "الحرب على الإرهاب"، والذي دخل حيز التطبيق عام 2003 وسمح لأول مرة بتجريد مولودين في بريطانيا من الجنسية. وأدخلت هذه التعديلات على الفقرة 40 من قانون الجنسية لعام 1981.
ويؤكد تسنيم أكونجي، محامي عائلة شميمة بيغوم، لـ"العربي الجديد" أن قرار سحب الجنسية منها يعود لدخول تلك الفقرة المعدلة من قانون الهجرة نطاق التنفيذ، بعدما أصبحت أكثر تساهلاً عقب تعديلات أدخلتها عليها الحكومة المحافظة عام 2014، وبمبادرة من تيريزا ماي، عندما كانت وزيرة للداخلية.
وعلى الرغم من أن التعديلات ركزت على جعل بريطانيا "بيئة معادية" للمهاجرين غير القانونيين، إلا أنها شملت فقرة خاصة بنزع الجنسية، تسمح لوزارة الداخلية بحرمان الأفراد الذين يشكلون خطراً على البلاد من الجنسية البريطانية. ويقول أكونجي "كان على الحكومة مسبقاً أن تحدد كيف للشخص الفاقد للجنسية أن يهدد الأمن القومي للمملكة المتحدة، وذلك بشرط ألا تجعل منهم عديمي الجنسية. ولكن التعريف الآن أصبح أكثر تساهلاً، بعد أن نصّ على ألا يكون الشخص مهدداً للمصلحة العامة".
ويشير إلى أن الاستراتيجية التي يتبعها في الدفاع عنها تكمن في عدم امتلاكها جنسية بديلة للبريطانية، خلافاً لما تزعمه وزارة الداخلية البريطانية. ففي ظل قانون مطاط التفسير، يمكن لفريق الدفاع الجدال بأن بنغلادش ترفض منح الجنسية البنغالية لها، وبالتالي فإنها ستصبح عديمة الجنسية، ويضرب في ذلك مثال سحب الجنسية البريطانية من أبو حمزة المصري، والذي كسب المعركة القضائية، بعدما كانت حكومة طوني بلير قد سحبت منه الجنسية البريطانية عام 2003، ولكنه تمكن من كسب معركة الاستئناف القضائي عام 2010، لأنه مجرد من الجنسية المصرية. وبالرغم من ذلك، لا تستطيع وزارة الداخلية البريطانية سحب الجنسية كيفما تشاء، بل يجب أن تتبع إجراءات معينة يلخصها المصري بالقول "قبل إصدار القرار النهائي بسحب الجنسية، تقوم وزارة الداخلية ببعث رسالة إلى الشخص المستهدف تطلعه فيها على نيتها إصدار قرار بحرمانه من الجنسية، وتحدد الأرضية القانونية والأسباب التي دفعتها لاتخاذ القرار، وتطلعه على حقهم باستئنافه. ويحق للفرد حينها الطعن في محكمة هجرة من الدرجة الأولى".
عواقب قانونية
يحمي القانون الدولي الحق في الحصول على جنسية لأنه واحد من الحقوق الأساسية التي تسمح للأفراد بالتمتع بحقوقهم الأخرى، بحسب ما ذكره مازن المصري قائلا: "لا يوجد حظر عام على سحب الجنسية، ولكن الاعتبارات الأساسية التي يأخذها القانون الدولي هي عدم زيادة عدد الأفراد الفاقدين للجنسية، وألا يكون الحرمان من الجنسية اعتباطياً وأن يكون وفقاً للقانون، بوجود ضمانات تمنع إساءة استخدام القوانين، وألا تكون عملية سحب الجنسية مبنية على التمييز.
ويطابق القانون البريطاني هذه الشروط، ولكن بما أن هناك زيادة ملحوظة لنزع الجنسية البريطانية منذ عام 2010، قد يؤدي ذلك إلى التساؤل عن كيفية استخدام هذه القوانين والدوافع وراء ذلك، وهو ما قد يحمل عواقب قانونية، إذ إن الاستعمال الواسع والمفرط لهذه الصلاحيات قد يؤدي بالمتضررين إلى اللجوء إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، أو لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة".
ومن جانبه، لا يرى إبراهيم العلبي، المحامي لدى مكتب غيرنيكا للعدالة الدولية المختص في ملاحقة منتهكي القانون الدولي وقوانين حقوق الإنسان، ومقره لندن، تناقضاً بين القانون البريطاني الخاص بسحب الجنسية وقوانين الاتحاد الأوروبي أو القوانين الدولية، بل الأمر يتعلق بتفسير النص القانوني، وخاصة الفقرة المتعلقة بـ"المصلحة العامة". ويشير العلبي إلى دراسة أعدها ديفيد أندرسون، الخبير القانوني الذي أعد مراجعة مستقلة لقانون الإرهاب ويقول فيها "هناك مبدآن أساسيان في التشريعات الدولية لتجنب حالات عدم الجنسية: ميثاق الأمم المتحدة لعام 1961 حول تخفيض حالات انعدام الجنسية، والميثاق الأوروبي للجنسية الصادر عن المجلس الأوروبي 1997".
ويتابع "من وجهة نظر الحكومة البريطانية لا يعيق هذا المبدآن سلطاتها الداخلية لنزع الجنسية وذلك لسببين: أولهما أن ميثاق 1961 يسمح لها بالحفاظ على سلطة القوانين الداخلية لنزع الجنسية من الأفراد إذا كان هذا الشخص قد "تصرف بطريقة تقوض بشدة من مصالح الدولة"، وهذه السلطات موجودة في قانون الجنسية لعام 1948. وثاني هذه الأسباب أنه رغم أن ميثاق 1997 الأوروبي يمنع سحب الجنسية إطلاقاً إن أدت إلى جعل الشخص عديم الجنسية، إلا في حالات تزوير طلب الجنسية، فإن بريطانيا لم تصادق عليه".
غير أن أكونجي، محامي عائلة شميمة، يرى أن الإجراءات شديدة التمييز لكونها موجهة ضد من ينحدرون من أصول مهاجرة، لتعلقها في نهاية الأمر بجنسية الوالدين. ويرى أكونجي أن تأثير سحب الجنسية يتعلق بتناسب تأثير القرار على حياة الأفراد. فتأثير سحب الجنسية على الأشخاص المقيمين في بريطانيا أكبر منه على المقيمين خارجها. فمن يفقد الجنسية داخل بريطانيا لا يستطيع الوصول للخدمات التي تقدمها الدولة، كما يصبح سفره خارج البلاد شديد الخطورة.
ويمكن ملاحظة هذه العواقب في ما تعرض له جيل وندرش، وهم من أبناء المهاجرين من الكاريبي بعد الحرب العالمية الثانية، في إطار سياسة "البيئة العدائية" التي اتبعتها تيريزا ماي خلال ترؤسها وزارة الداخلية بين عامي 2010-2016، إذ قالت ماي في عام 2012 "إن الهدف أن نخلق هنا في بريطانيا بيئة عدائية عن حق للمهاجرين غير الشرعيين"، وذلك في إطار سياسة حزب المحافظين الرامية إلى تخفيض أعداد المهاجرين إلى بريطانيا. وتشمل هذه المعايير إلزام أرباب العمل وأصحاب المنازل والخدمات الصحية والمنظمات الخيرية والبنوك بتفقد هوية عملائها قانوناً ورفض تقديم الخدمات إذا لم يتمكن الشخص من إبراز إقامة قانونية في بريطانيا.
وتهدف سياسة البيئة العدائية إلى جعل الحياة أصعب ما يمكن على الأفراد ممن لا يملكون حق الإقامة في بريطانيا، وهو ما يشمل الأفراد من فاقدي الجنسية البريطانية إذ يفقدون حقهم في الإقامة في بريطانيا، ويجبرهم ذلك على مغادرة البلاد، وفقاً لتقرير حكومي درس نتائج هذه السياسة عام 2016.
تصدير المشكلة
من جانبها، تقول ليتا تايلر إن "سحب الجنسية قد يحمل نتائج عكسية. فنفي شخص متطرف وعنيف ليس أمراً مفيداً بالضرورة. بل إنه ينقل الخطر من دولة إلى أخرى، وربما إلى مكان آمن حيث يكون للشخص المتطرف حرية التآمر لتنفيذ المزيد من الجرائم ضد بلدان قد تكون من بينها الدولة التي سحبت منه الجنسية". وتابعت :"إذا كان أحدهم خطيراً حقيقياً، فستكون بريطانيا في وضع أفضل إذا أبقته تحت المراقبة فيها بدلاً من منحه حرية التآمر خارجها".
وأضافت أن "القانون الدولي الإنساني يمنع إرسال أي شخص إلى دولة قد يكون فيها عرضة للتعذيب أوالمعاملة اللاإنسانية. ولذلك فإن تجريد شخص من الجنسية وترحيله إلى دولة يعتقد أنها وطن آخر قد يجعله عرضة للتعذيب، وهو ما يعد خرقاً لمبادئ القانون الدولي".
منظمة العفو الدولية أشارت في حديثها مع "العربي الجديد" إلى تصريحات ريتشل لوغان، مديرة برنامج حقوق الإنسان والقانون البريطاني في منظمة العفو الدولية، في تعليقها على قضية شميمة، كموقف رسمي للمنظمة. وكانت ريتشل قد قالت في فبراير/ شباط الماضي "إنها قضية مقلقة وصعبة جداً. يجب على الحكومة البريطانية عموماً أن توفر للمواطنين البريطانيين المعتقلين عملياً في مخيمات النازحين في سورية المساعدة القنصلية. وتزداد أهمية هذه المساعدة في حال وجود الأطفال".
وتابعت :"إذا كان لدى الحكومة أية أسباب منطقية للاشتباه بأن عودة أي شخص إلى بريطانيا قد ارتكب جرائم وفقاً للقانون الدولي أو قد تشكل خروقاً واضحة لحقوق الإنسان، فيجب أن تضمن أن يتم التحقيق معهم بشكل عادل وتوجيه الاتهام الملائم لهم".