بداية نهاية الحرب السورية

28 أكتوبر 2015
+ الخط -
جاء الروسي متأخراً إلى أرض المعركة السورية، لكنه الآن في الصف الأول، يعرض حلولاً سياسية للحرب، بعد أن ملأ السماء بطائراته الحربية التي تقصف أعداء بشار الأسد، ولا تميّز بين الجيش الحر ومليشيا داعش ومقاتلي جيش الفتح. لا أحد كان يتوقع من الروسي أن يعيد أخطاء تورط السوفيات في حرب أفغانستان الطويلة، فحروب العصر الراهن قصيرة جداً مهما كانت عنيفة ودموية، والدول الكبرى، كما الصغرى، لم تعد تتحمل أكلاف المعارك الطويلة. ولهذا، جاءت طائرات روسيا المقاتلة توفر غطاء للحل السياسي الذي كان جاهزاً قبل إعلان الحرب.
قرأ الروسي جيداً حالة الارتباك التي يتخبط فيها الأميركي والأوروبي والعربي والتركي، وحتى الإيراني، إزاء الأزمة السورية، ورأى الرئيس فلاديمير بوتين، من بعيد، عجز الجميع عن إيجاد حل عسكري أو دبلوماسي لأزمة طالت خمس سنوات. وبحسها السياسي، وخبرتها القديمة في المنطقة، رأت موسكو حالة التعب التي أصابت كل الأطراف، بعد أن استنزفت الحرب قواها، فلا الأسد يستطيع حسم المعركة عسكرياً، ولو جاءه الدعم من إيران وحزب الله، ولا داعش استمرت في تمددها، بعد أن وصل توحشها إلى نهايته، ولا تركيا مستعدة للتورط أكثر في المستنقع السوري، وقد خسر الرئيس رجب أردوغان، بسببه، أغلبيةً لحزبه في البرلمان كانت في جيبه، ولا دول الخليج تريد للجرح في دمشق أن يبقى مفتوحاً على كل المخاطر، وأولها العدوى التي قد تنتقل إلى أراضيها، حتى أوروبا البعيدة أصبحت الأزمة السورية جزءاً من يوميات السياسة فيها، بعد أن تدفق مئات آلاف اللاجئين السوريين طلبا للأمان فيها.
ليست مسودة الحل الروسي كلها سيئة، فيها نقاط يمكن أن تقود إلى إيجاد حل وسط تاريخي، يخرج سورية من فكي الحرب التي قتلت أكثر من 400 ألف، وشرّدت الملايين ورجعت بالبلاد نصف قرن إلى الوراء. روسيا وإيران وحزب الله اقتنعوا أن ورقة الأسد سقطت. ولهذا، اقترحوا انتخابات رئاسية سابقة لأوانها، لا يترشح فيها الأسد. وفي المقابل، لا يقفل الباب أمام واحد من عائلته أو من أقطاب النظام ليترشح للمنصب الأول في سورية، ولا أحد يمكن أن يقبل أياً من عائلة الأسد غداً في سورية، لكن الروسي يناور بهذا الشرط، ليكسب مرشحاً متوافقاً عليه، حتى قبل إجراء الانتخابات، لكي يضمن للطائفة العلوية عدم انتقام الأغلبية السنية منها، ولكي لا يترك الانتخابات مفتوحة على مرشحٍ، لا تعرف هويته، قد لا يستطيع تنفيذ بنود التسوية ما بعد المرحلة الانتقالية، وفي مقدمتها المصالحة الوطنية، والعفو العام عن أركان النظام، وضمان عدم محاكمة الأسد أو أحد من عائلته.
يقدّم الروسي نفسه، في مسودة الحل، ضامناً وحيداً للاتفاق، برعاية الأمم المتحدة، في مقابل أن يبقي على قواته العسكرية على الأرض، بغطاء أممي. وهنا، سيربح بوتين على جهتين، سيثبت نفوذه وقواعده العسكرية في مياه المتوسط الدافئة، وسيثبت لأوروبا وأميركا أنه شريك دولي موثوق به، قادر على حل أعقد الأزمات التي عجزت القوى الكبرى عن حلها. ولهذا، على العالم أن يعترف لبوتين بأنه رئيس دولة قوية، تسعى إلى استعادة أمجاد الامبراطورية السّوفياتية، من دون أيديولوجية شيوعية، بل على قاعدة قومية وخط سياسي براغماتي، يناوئ استفراد أميركا بشؤون العالم.
لكل حرب بداية ونهاية، ولا يتحرك القتال إلا عندما تتراجع السياسة، لكن السلاح، في النهاية، يعيد السياسة إلى الواجهة على قاعدة موازين قوى جديدة. تنتهي المعارك بانتصار طرف أو هزيمة طرف أو اقتناع الطرفين أن النصر مستحيل، والهزيمة غير ممكنة. هنا، تظهر بوادر التسوية، بعد أن تقتنع الأطراف جميعاً أن أهدافها لا تتحقق بالسلاح، وأن ما عجزت عن أخذه بالقتال لا تستطيع أن تصل إليه بالمفاوضات، وهذا ما ينطبق الآن على الأزمة السورية التي تعقدت إلى درجة أصبحت الأطراف جميعها تخشى منها، ومن تطوراتها التي لا يمكن لأحد أن يزعم أنه يتحكم فيها.
A0A366A1-882C-4079-9BED-8224F52CAE91
توفيق بوعشرين

كاتب وصحفي مغربي، رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" المغربية.