بعد أكثر من أسبوعين على الانتخابات الأميركية، ما زالت عملية التحضير لإقلاع ولاية الرئيس المنتخب دونالد ترامب متعثرة.
البدايات ضبابية ومشحونة بعلامات الاستفهام، والبوادر لا توحي بأن الرئيس المنتخب قادر على أن يكون رمز الوحدة أو صانعها، بل على العكس، تفاقمت الانقسامات الداخلية وتعمّقت، مع ما تتركه من انعكاسات على رئاسته وسياساته.
وقد تجلّى ذلك في عملية استكمال التعيينات في المناصب الرئيسية، التي اصطدمت بعقدة الخلافات الحادة داخل فريقه ومع الحزب الجمهوري المحسوب عليه. وزيادة في الإرباك، حصلت تحركات تزيد من التساؤلات والشكوك حول شرعية فوزه بالرئاسة.
في الأيام الأخيرة، انطلقت حملة بقيادة "حزب الخضر" للمطالبة بإعادة فرز الأصوات في ثلاث ولايات، رجّحت نتائجها كفته، وانضم إليها بعض من فريق هيلاري كلينتون، وقد تمّ جمع التبرعات الخاصة لدفع كلفة الفرز.
ويزعم هؤلاء أن هناك شبهة تحوم فوق عملية التصويت وعدّ الأصوات، التي قد تكون جرت خلافاً للأصول.
يعد هذا الطلب قانونياً، إذ يحق لأي جهة ممارسته، لكن في الحالة الراهنة لا يتعدّى تسجيل موقف، قد يكون له ما يسوّغه لو جاءت النتائج غير متطابقة تماماً مع الأرقام الرسمية.
ويبقى احتمال حصول انقلاب في الحصيلة، عملياً، معدوماً، فالفارق وازن لصالح ترامب، الذي تفوق على كلينتون في هذه الولايات بأكثر من مائة ألف صوت. ثم إن الاعتراض جاء متأخراً، ولو أنه ضمن المهلة القانونية، لأن النتائج أعلنت وصارت رسمية.
مع ذلك، أثارت الخطوة ضجّة وزادت من الارتياب، ربما لأن فوز ترامب في الولايات الثلاث كان مفاجئاً. ولهذا استحضرت المبادرة نظرية "المؤامرة" التي لم يستبعدها واحد من أمثال بول كروغمان، الأستاذ الجامعي والحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد. لكنها بقيت نظرية باهتة عموماً، طالما لا تتوفر أدلة لدعمها.
وقد استثار مجرد طرح الموضوع رد فعل قوي من جانب ترامب، علماً أنه هو صاحب نظرية التشكيك المسبق بالنتائج التي هدد برفضها، إذا فشل. وعاد على الفور إلى لهجة خطابه الانتخابي المعروف، متهماً كلينتون بأنها حصلت على "مليوني صوت بصورة غير قانونية"، من دون أي دليل.
ربما يكون قد لجأ إلى التصعيد ليحجب الأنظار عن العقدة التي اصطدمت بها عملية تركيب إدارته، لا سيما تعيين وزير للخارجية. هذه الحقيبة أشعلت ما يشبه الحرب داخل معسكره، وهي تدور منذ أيام وراء الأبواب المغلقة. لكنها ظهرت إلى العلن، مع غلبة التيار المنادي بوجوب خضوع التعيين لمقياس الولاء لترامب وليس للحزب الجمهوري، وبالتالي لتوجهاته الخارجية التي التزم بها أثناء الحملة الانتخابية، والتي لا تتفق مع تلك التي يدين بها الجمهوريون.
مديرة حملته، كيليان كونواي، أفصحت في عدة مقابلات مع قنوات التلفزة عن وقوفها ضد اختيار مِيت رومني لهذه الحقيبة. فهي تعتبر أنه لا يستحق هذا المنصب، لأنه ليس من الموالين، بل من الخصوم للرئيس المنتخب، كما أنه ليس من المقبول أن يكون هذا التعيين "ثمناً لاستعادة وحدة الحزب الجمهوري". والمعروف أن هذا الموقف يتضارب مع موقف نائب الرئيس الجديد، مايك بينس، الذي روّج لرومني وكاد أن يعلن تعيينه.
وكان لافتاً أنه لم يصدر أي تعليق، حتى نهاية أمس الأحد، من جانب ترامب على كلام كونواي. وتجاهله إما لأنه موافق ضمناً، وإما لأن الجناح المتشدد في فريقه (رودي جولياني ونيوت غينغريتش وأمثالهما) عاد ليمسك بزمام المبادرة، من موقع أن ترامب بحاجة إلى رموزه أكثر من حاجته للرموز القيادية التقليدية في الحزب.
وعلى كل حال، عادت الترجيحات لتروج بشأن ترشيح هذه الأسماء لمنصب الخارجية، إضافة إلى مرشحين وسطيين آخرين، من أبرزهم الجنرال المتقاعد دافيد بترايوس، ورئيس مجلس العلاقات الخارجية، ريتشارد هاس.
ولا تزال أمام ترامب فسحة من الوقت لاستكمال بناء إدارته. مأزقه أنه يريد بناءها على شاكلة "أبراج ترامب"، هو سيدها والناهي والآمر فيها. لكن قواعد تسيير الأولى هي غير المعمول بها في الثانية.
ترامب الرئيس يحتاج إلى خبرة النخبة السياسية، وبالذات من الجمهوريين، لأنه لا يبدو في وارد التعاطي مع الديمقراطيين، غير أن وعوده لا تتفق مع مقارباتها الخارجية. هذا التعارض أدّى إلى نسف خيار رومني، كما كشفت كونواي أمس. البديل عنه واحد من الصقور، كالمستشار مايكل فلين والمخطط ستيف بانون.