شكّل تمدّد جماعة "بوكو حرام" الإسلامية المتطرفة في نيجيريا، وانتقال نشاطها نحو الدول الأفريقية المجاورة (الكونغو وتشاد) ومبايعتها رسمياً تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، أحد أهم الأسباب التي أوصلت المعارض النيجيري محمد بخاري لسدة الحكم في نيجيريا، بعد ثلاث جولات انتخابية خاضها الرجل للفوز بالمنصب الرئاسي وخسر فيها، مما قاده لأن يعلن في آخر جولة انتخابية خاضها في العام 2011 بعدم الترشح مجدداً، ليفاجئ الجميع قبيل انعقاد الانتخابات العامة برغبته في الترشح، نزولاً عند رغبة أنصاره الذين قال إنهم ضغطوا عليه.
وصول بخاري إلى السلطة في نيجيريا في هذا التوقيت بالذات، مع تزايد المؤيدين والمتعاطفين مع جماعة "بوكو حرام" في نيجيريا التي يقطنها عدد شبه متساوٍ بين المسيحيين والمسلمين، يفتح الباب أمام تساؤلات عن فوز بخاري في هذا التوقيت بالذات، وعمره تجاوز الـ73 عاماً.
واستطاع بخاري الفوز على منافسه الرئيس النيجيري المنتهية ولايته غودلاك جوناثان بفارق 2.05 مليون صوت، إذ حصل الأول على أكثر من 15 مليون صوت، والثاني على ما يزيد على 12 مليون صوت.
واستبق جوناثان الإعلان الرسمي للنتائج الانتخابية، وهنأ خصمه المعارض بالمنصب الرئاسي، وطالب مؤيديه بتقبل الهزيمة من دون إثارة فوضى، في سابقة هي الأولى في تاريخ الدولة. كما بادر جوناثان بالاتصال بخصمه وهنأه بالفوز.
وتلقى الرئيس الجديد أيضاً اتصال تهنئة من الرئيس الأميركي باراك أوباما، فيما كان لافتاً استباق الحكومة المصرية الإعلان الرسمي لنتائج الانتخابات وإرسالها برقية تهنئه لبخاري، الأمر الذي دفع بعض المحللين للجزم بأن فوز المعارض النيجيري قد خضع لحسابات غربية وإقليمية دقيقة، ولم يكن مجرد انتخاب ديمقراطي كما يُروَّج له، وأن هناك جهات دولية سعت لإقناع الرئيس الحالي بإتاحة المجال أمام بخاري للفوز بالمنصب الرئاسي، في محاولة لتحجيم جماعة "بوكو حرام" التي تنشط في شمال نيجيريا التي يقطن فيها المسلمون، وخصوصاً أن الجماعة قد وجدت تأييداً وتعاطفاً من قِبل مسلمي الشمال المضطهدين، وبالتالي ففوز بخاري من شأنه تخفيف حدة التعاطف مع الجماعة.
وبدأت أخيراً عدة دول غربية، لا سيما فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، تحركات مكوكية لدرء خطر جماعة "بوكو حرام" ومنع تمددها نحو دول غرب أفريقيا، خصوصاً أن للدول الغربية مصالح استراتيجية كبيرة في الغرب الأفريقي.
اقرأ أيضاً: محمد بخاري: رئيس نيجيريا الجديد المتهم بـ"القسوة"
وكان بخاري أطلق حملته الانتخابية بإظهار تشدده نحو "بوكو حرام"، معلناً أنه سيعمل على حسم موضوع تلك الجماعة خلال أشهر من تقلّده المنصب الرئاسي في حال انتخابه، فضلاً عن تحقيق الأمن وإنهاء الفساد والتفاوت الاقتصادي بين سكان نيجيريا، والذي يعد بيئة خصبة لتغذية الجماعة.
ويشدد محللون على أن انتخاب بخاري من شأنه أن يعزز قضية الحوار بين الشعب النيجيري، وخصوصاً بين المسلمين والمسيحيين، لا سيما أن الرجل سبق وأسهم بدور فاعل إبان الحرب الطائفية الاخيرة بين مسلمي الشمال ومسيحيي الجنوب، عندما كان حاكماً محلياً في إحدى الولايات النيجيرية.
وفي وقت سابق اختارت "بوكو حرام" بخاري باعتباره مفاوضها المفضل، لكن الرجل رفض الخطوة ووجه انتقادات لاذعة للجماعة، وشدد على عدم التفاوض معها، الأمر الذي قاد الجماعة لتنفيذ محاولة اغتيال فاشلة نجا منها بخاري العام الماضي، لكن وصوله للحكم يجعل الأمر مختلفاً وربما يمكنه من قيادة حوار معها وفق نصائح بعض الدول، باعتبار أن قضية الحسم العسكري للجماعات المتطرفة أثبتت فشلها.
ويرى المحلل السياسي محجوب محمد صالح، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن وصول رئيس مسلم للحكم في نيجيريا لن يسهم في حل أزمة "بوكو حرام"، باعتبار أن الجماعة لا تنظر للخطوة بأنها انتصار للمسلمين، وإنما انتصار للمسلمين العلمانيين، لكنه يلفت إلى أن "الخطوة من شأنها أن تضعف قاعدة الإسلاميين المتعاطفين مع الجماعة".
من جهته، يقول الخبير بالملف النيجيري عبد المنعم أبو ادريس، إن وصول بخاري للرئاسة في نيجيريا في هذا التوقيت بالذات جاء لخلق معادلة معقولة لمواجهة "بوكو حرام"، معتبراً في حديث لـ "العربي الجديد" أن الانتخاب تم وفق تسوية سياسية ساهمت فيها دول غربية، يهمها استقرار ذلك الشريط الأفريقي، وتحجيم "بوكو حرام" لحماية مصالحها في دول غرب أفريقيا.
ويشير إلى أن "تاريخ بخاري معروف بعدائه للنيجر التي تشارك نيجيريا حالياً في حربها ضد الإرهاب، حتى أن الرجل إبان حكمه في الثمانينيات رفض استقبال النيجريين الهاربين من المجاعة التي ضربت بلادهم وقتها، حتى إن المجاعة سميت باسمه"، معتبراً أن "هذا الأمر يؤكد أن تسوية ما أوصلت بخاري للحكم، لا سيما أن الخطوة نفسها تعتبر سابقة في تاريخ نيجيريا أن يخسر رئيس في الحكم بالانتخابات، فضلاً عن أنه لم تشكك أي جهة بنتائج الانتخابات، وتسابق رؤساء الدول الغربية ودول المنطقة لتهنئة الرجل".
وينحدر الرئيس النيجيري المنتخب من قبيلة الهوسا في منطقة شمال نيجيريا، والتي تُعدّ من القبائل الثلاث الأولى صاحبة أكبر تعداد سكاني في نيجيريا، إذ تمثّل ربع سكان الدولة التي وصل تعدادها إلى أكثر من 177 مليون نسمة؛ وفقاً لآخر تعداد أجري في العام الماضي.
وتخرّج بخاري من الكلية العسكرية برتبة ملازم ثان، وتقلّد عدداً من المناصب في الجيش، بينها الحاكم العسكري لشمال شرق نيجيريا، وقاد في حياته عدة انقلابات عسكرية منذ ستينيات القرن الماضي باءت جميعها بالفشل، باستثناء محاولة في العام 1983 أطاح عبرها بنظام حكم مدني، وصفه وقتها بالفاسد قبل أن يتم إقصاؤه بعد أقل من عامين من حكمه، بواسطة رئيس أركان جيشه ورئيس نيجيريا الأسبق إبراهيم بابانغيدا.
في فترة حكمه الانقلابي، وُجّهت اتهامات لبخاري تتصل بتقييده الحريات، إذ نفذ وقتها حملة على وسائل الإعلام للحد من حرية التعبير. كما يُتهم بالصرامة ويوصف بالديكتاتور بسبب خلفيته العسكرية.
لكنه من جهة أخرى، يوصف بالنزاهة مقارنة بالجنرالات والسياسيين النيجيريين، وعُرف بمكافحته الفساد. ويقول مقربون منه إن الرجل معتدل دينياً وبعيد تماماً عن التشدد، ويؤكدون أنه خلال فترة حكمة القصيرة لم يسعَ لتقويض الشريعة، بل أظهر إدراكاً ووعياً بالتعددية التي تتمتع بها نيجيريا سواء الدينية أو الإثنية.
يُذكر أن "بوكو حرام" بدأت عملياتها العسكرية في نيجيريا في يوليو/تموز 2009، وتسببت بمقتل ما يتجاوز الـ15 ألف شخص خلال السنوات الست الماضية، وشردت ما يزيد على ثلاثين ألف شخص، وفقاً لمنظمات حقوق إنسان.
وتسيطر الجماعة بشكل شبه كامل على شمال نيجيريا، وبعد تمدّد وبروز "داعش" في العراق وسورية، بدت لدى المجموعة طموحات في إقامة دولة إسلامية فتمددت أخيراً نحو الجزء الغربي للكونغو، حيث بدأت بتنفيذ عمليات انتحارية هناك. وجاء هذا في ظل عجز الحكومة في نيجيريا عن حسم المواجهة مع الجماعة، على الرغم من تصنيف الجيش النيجيري كأفضل قوة قتالية بين دول غرب إفريقيا، فضلاً عن رفض الجنود الذهاب إلى شمال البلاد لمواجهة "بوكو حرام"؛ بحجة عدم اتزان ميزان القوة وامتلاك الجماعة أسلحة متطورة تفوق ما بحوزة الجيش النيجيري.