(1)
الرجل المسن يساق إلى المشنقة شامخاً رافعاً رأسه، وربما إصبع السبابة أيضاً. هذا الإصبع الذي قال عنه رافضاً تقديم التماس بالعفو: "إن إصبع السبابة الذي يشهد لله بالوحدانية في الصلاة، ليرفض أن يكتب حرفا واحدا يقر به حكم طاغية". مضى شهيداً، ومن فوق مشنقته كانت أقدامه أعلى من رؤوس جلاديه. أثبت عملياً صدق عبارته: "إن كلماتنا تبقى عرائس من شمع حتى إذا متنا من أجلها توهب لها الحياة".
صورة أسطورية فاتنة حقاً. هذه هي فعلاً "فتنة الستينيات" التي توقف زمن الإخوان عندها...
(2)
بمجرد انتشار الأخبار عن توزيع إدارات بعض السجون - على رأسها استقبال طرة - استمارات على المعتقلين، جاء فيها: "أنا (فلان) المتهم بقضية (كذا) أقر أني لست عضواً في جماعة الإخوان المحظورة، ولم أمارس العنف، وهذه رغبة مني بالتصالح مع الدولة"، انتشر خطباء الإخوان داخل الزنازين، وخارجها في الفضاء الإلكتروني والواقعي، ليرددوا مراراً وتكراراً أن هذه نسخة مما حدث في الستينيات حين حاول عبدالناصر أن يفتن الإخوان، وأننا لن نسقط في الفتنة، وأننا على نهج سيد قطب ثابتون صامدون حتى الشهادة أو النصر...إلخ إلخ.
لكن لم يتوقف أحد من هؤلاء المتحمسين الثائرين ليسأل نفسه ببساطة: وماذا حدث بعد هذه اللحظة الأسطورية؟
ما حدث بعدها هو أن سيد قطب مات، ثم تصالح الإخوان بشكل كامل مع الرئيس السادات.
السادات الذي كان عضو اليمين في محكمة الشعب التي شكلها عبد الناصر برئاسة صلاح سالم، والذي يروي الإخوان حتى اليوم مهازلها، كطلب رئيسها من يوسف طلعت قراءة الفاتحة بالمقلوب، وكنص قانونها على إصدار الأحكام خلال 48 ساعة.
هذه هي المحكمة التي قضت بالإعدام على رموز الإخوان الأشهر، ومنهم عبدالقادر عودة، والشيخ محمد فرغلي، وبالسجن المؤبد على أعداد لا تحصى من الإخوان. السادات وقع باسمه شخصياً على كل هذه الأحكام. السادات "قاتل" حسب الرواية الإخوانية نفسها.
السادات تولى مناصب عضو مجلس قيادة الثورة، رئيس مجلس الأمة (مجلس الشعب)، الأمين العام للاتحاد القومي (حزب الدولة)، نائب رئيس الجمهورية جمال عبد الناصر. السادات هو نظام عبد الناصر نفسه.
لكن أسطورة الصمود الإخوانية - على نهج سيد قطب طبعا - لا تخبر أبناءها الآن بكل هذا!
ولا تلفت نظرهم أيضاً إلى أن قادة الإخوان تاريخياً كانو يفتخرون بأنهم لم يحاسبوا أبداً مرتكبي مذابح عبد الناصر ضدهم، لا رموز نظامه ولا أصغر مخبر أو عسكري كان يعمل جلاداً لهم. تسجيل "المواجهة" الذي يفخر به الإخوان بجرأة المرشد عمر التلمساني مع السادات، يقول فيه التلمساني إنه حين بلغه خبر موت عبد الناصر في سجنه قال "الله يرحمه". بل حتى سلسلة كتب عباس السيسي "حكايات عن الإخوان"، المليئة بقصص التعذيب الأسطورية، تفخر بمواقف نُبل الإخوان في العفو عن معذبيهم.
بل إن هذه "المصالحة" كانت مهينة كل الإهانة، لا يوجد أي اتفاق معلن بين الدولة والإخوان، لم يتم توقيع ميثاق "مصالحة وطنية" مثل الجزائر، لم تُعقد لجان كشف الحقائق للتاريخ فقط دون حساب مثل جنوب أفريقيا. لم يحدث أي شيء أكثر من مجرد قلب الصفحة فجأة!
بل إن الإخوان منذ بدأوا دخول مجلس الشعب عام 1976، في الدورة التي فاز فيها صلاح أبو اسماعيل والد الشيخ حازم، ثم أعوام 79، 84، وصولاً إلى قمة تمثيلهم عام 87، وفيها فاز تحالفهم بـ 56 مقعدا، منها 37 احتلها أكبر قادة الإخوان، لم يطرحوا أبداً أي فكرة قانون لمحاسبة جرائم التعذيب الناصرية التي يروون عنها الأساطير، لم يطالبوا أبداً بقانون عدالة انتقالية أو ميثاق وطني أو حتى رد اعتبار تاريخي. بل إننا لم نسمع أبداً عن معتقل إخواني رفع قضية ضد معذبيه في عهد عبد الناصر!
هذا هو تاريخكم الذي تتناسونه بسبب "فتنة الستينيات"...!
(3)
تبدو مشكلة قراءة التاريخ أزمة دائمة عند الإخوان، وعند الإسلاميين بشكل عام.
دائماً اختيار لقطات معينة تعطي دلالة أسطورية نقية خالصة، بغض النظر تماماً عما قبلها أو بعدها. يتم اختزال تاريخ الخلافة كله في مشاهد هارون الرشيد يخاطب السحابة التي سيأتيه خراجها، والمعتصم يلبي نداء المستغيثة في عمورية، وصلاح الدين على أبواب القدس، ومحمد الفاتح يدك أسوار القسطنطينية، ولا يخبرنا أحد بمكائد أم هارون الرشيد أو بغدره بالبرامكة أو باقتتال ابنيه الأمين والمأمون من بعده، ولا يخبرنا أحد أن المعتصم هو نفسه الخليفة فاسد العقيدة صاحب فتنة خلق القرآن الذي جلد الإمام أحمد ابن حنبل، وصلاح الدين هو نفسه الذي اختار قراقوش وزيراً له على مصر، واستعبد المصريين حتى أصبح "حكم قراقوش" مضرب أمثال الظلم حتى الآن، ومحمد الفاتح صاحب قانون قتل الخليفة لإخوته كي لا ينازعوه على الحكم.
دائماً الميل إلى التبسيط والاختزال، إلى وجود أبيض ناصع تماماً يمثل الخير المطلق، وأسود معتم تماماً يمثل الشر المطلق، مع حذف كل التفاصيل والتعقيدات واختيار اللحظات الأسطورية "الفاتنة" فقط.
يتذكرون لقطة سيد قطب الصامد في الستينيات، ولقطة مرسي رئيس الشرعية الصامد الآن، من دون أي تفكير في النقطة السابقة لها، ما هي الخطايا التي ارتكبها الإخوان قبل الوصول إلى هذا المصير في الستينيات أو في عصرنا؟ أو النقطة اللاحقة: ما هو المسار الذي اتبعوه بعدها؟
هذا ما يُنتج جيلاً من الدراويش الذين شاهدنا إدارتهم للدولة بعقلية "مسؤول الأسرة" الإخوانية!
هذا بالضبط ما أنتج الرئيس مرسي الذي كان يثق تماماً بوزير دفاعه السيسي لأنه كان يصوم الاثنين والخميس، ويبكي في صلاة الظهر!
هذا بالضبط ما أنتج انتشاء مرسي ببعث مسمى "ديوان المظالم" كأنه خليفة جديد، وكل المغازلة لمشاعر "أسلمة" الدولة الأسطورية!
وهذا بالضبط ما أنتج رواية عامة عند "معشر الإخوان" بأن كل ما حدث خلال تاريخ الجماعة كان مُقدراً له أن يحدث، لأن الله يبتلينا الابتلاء تلو الابتلاء، ليمحصنا قبل أن يأذن بالنصر، وبالتالي فالأولوية ليست مراجعة المسار، وليست الثورة الداخلية على القيادات - من يقول إنها ليس لها تأثير أكثر بؤساً من أي نقاش معه - بل الأولوية أن نصلح ما بيننا وبين الله، نصلي الفجر، وسينزل النصر حين يأذن!
(4)
ما يحتاجه الإخوان الآن فعلاً، هو أن يحددوا ماذا يريدون.
هل المستقبل هو في العودة للعمل السياسي الإصلاحي بنفس الوسائل السابقة، أعمال خيرية و"مشاركة لا مغالبة" في انتخابات النقابات والمجالس؟ وبالتالي المشكلة هي مجرد وجود شخص السيسي، وبمجرد قدوم أي شخص بعده، سواء بعد نهاية فترة السيسي أو برحيله بأي وسيلة، حتى لو كان القادم الفريق صدقي صبحي - عملاً بنهج السادات - ستتم مصالحته فورا، والعودة لمنهج الإصلاح التدريجي من داخل النظام.
لو كان هذا هو الطريق المنتظر - وشخصياً أتوقع ذلك - فلا داعي لتبديد كل هذه الدماء الغالية، وكل آلام أسر المعتقلين، ولننهِ هذا الآن، ولتوقعوا على الاستمارات المُوزعة، ولتقبلوا ما كان معروضاً من الدولة مراراً من تشكيل حزب جديد، تقنين وضع الجماعة، الاعتراف بالنظام...إلخ.
على الجانب الآخر هل المستقبل هو في حركة جذرية تستخدم العنف كما يدعو العديد من شباب الإخوان الآن؟ عظيم، فلتعلنوا ذلك لقواعدكم، ولتقولوا لهم إن تاريخكم كان خطأً كبيراً، ولتختاروا نموذجكم العنفيّ الخاص، هل هو تكفير رجال الشرطة والجيش بشكل عام على الطريقة القاعدية أو الداعشية، أم مجرد "دفع الصائل" بما يجره هذا من حساسيات الانتقاء في العمليات؟ ولتحشدوا إمكاناتكم المادية والبشرية في سبيل ذلك.
أو يمكن أن يكون المستقبل طريقاً ثالثاً مختلفاً غير الطريقين المعتادين.
يمكن طرح مبادرة تشمل "الحقيقة والمصالحة" كجنوب أفريقيا، أو تجارب قريبة من ذلك في الجزائر وأيرلندا الشمالية ولبنان، يتم كتابة ما حدث للتاريخ بشكل شعبي، وطبعا يحتفظ الكل بمشاعره، لكن الكل يتفق على قواعد صارمة لمشاركة للجميع، ويصدر قانون عفو عن الجميع من كل الأنظمة، مع طرح الميثاق لاستفتاء شعبي.
أو يمكن تقديم طرح مختلف من جانب واحد كتجميد الجماعة نشاطها السياسي نهائيا أو جزئيا لفترة طويلة، وتعود جماعة دينية وخيرية فقط، ومن يرغب بالعمل السياسي فيما بعد ينشئ أحزاباً كأفراد مستقلين.
أو أي طريق آخر تختارونه أياً كان ومهما كان، هذا شأنكم الخاص.
يمكنكم فعل أي شيء، فقط اختاروا ما تريدون وتحركوا في طريقه. هذه ليست نصيحة سياسية فقط، بل نصيحة إنسانية أولاً.
الرجل المسن يساق إلى المشنقة شامخاً رافعاً رأسه، وربما إصبع السبابة أيضاً. هذا الإصبع الذي قال عنه رافضاً تقديم التماس بالعفو: "إن إصبع السبابة الذي يشهد لله بالوحدانية في الصلاة، ليرفض أن يكتب حرفا واحدا يقر به حكم طاغية". مضى شهيداً، ومن فوق مشنقته كانت أقدامه أعلى من رؤوس جلاديه. أثبت عملياً صدق عبارته: "إن كلماتنا تبقى عرائس من شمع حتى إذا متنا من أجلها توهب لها الحياة".
صورة أسطورية فاتنة حقاً. هذه هي فعلاً "فتنة الستينيات" التي توقف زمن الإخوان عندها...
(2)
بمجرد انتشار الأخبار عن توزيع إدارات بعض السجون - على رأسها استقبال طرة - استمارات على المعتقلين، جاء فيها: "أنا (فلان) المتهم بقضية (كذا) أقر أني لست عضواً في جماعة الإخوان المحظورة، ولم أمارس العنف، وهذه رغبة مني بالتصالح مع الدولة"، انتشر خطباء الإخوان داخل الزنازين، وخارجها في الفضاء الإلكتروني والواقعي، ليرددوا مراراً وتكراراً أن هذه نسخة مما حدث في الستينيات حين حاول عبدالناصر أن يفتن الإخوان، وأننا لن نسقط في الفتنة، وأننا على نهج سيد قطب ثابتون صامدون حتى الشهادة أو النصر...إلخ إلخ.
لكن لم يتوقف أحد من هؤلاء المتحمسين الثائرين ليسأل نفسه ببساطة: وماذا حدث بعد هذه اللحظة الأسطورية؟
ما حدث بعدها هو أن سيد قطب مات، ثم تصالح الإخوان بشكل كامل مع الرئيس السادات.
هذه هي المحكمة التي قضت بالإعدام على رموز الإخوان الأشهر، ومنهم عبدالقادر عودة، والشيخ محمد فرغلي، وبالسجن المؤبد على أعداد لا تحصى من الإخوان. السادات وقع باسمه شخصياً على كل هذه الأحكام. السادات "قاتل" حسب الرواية الإخوانية نفسها.
السادات تولى مناصب عضو مجلس قيادة الثورة، رئيس مجلس الأمة (مجلس الشعب)، الأمين العام للاتحاد القومي (حزب الدولة)، نائب رئيس الجمهورية جمال عبد الناصر. السادات هو نظام عبد الناصر نفسه.
لكن أسطورة الصمود الإخوانية - على نهج سيد قطب طبعا - لا تخبر أبناءها الآن بكل هذا!
ولا تلفت نظرهم أيضاً إلى أن قادة الإخوان تاريخياً كانو يفتخرون بأنهم لم يحاسبوا أبداً مرتكبي مذابح عبد الناصر ضدهم، لا رموز نظامه ولا أصغر مخبر أو عسكري كان يعمل جلاداً لهم. تسجيل "المواجهة" الذي يفخر به الإخوان بجرأة المرشد عمر التلمساني مع السادات، يقول فيه التلمساني إنه حين بلغه خبر موت عبد الناصر في سجنه قال "الله يرحمه". بل حتى سلسلة كتب عباس السيسي "حكايات عن الإخوان"، المليئة بقصص التعذيب الأسطورية، تفخر بمواقف نُبل الإخوان في العفو عن معذبيهم.
بل إن هذه "المصالحة" كانت مهينة كل الإهانة، لا يوجد أي اتفاق معلن بين الدولة والإخوان، لم يتم توقيع ميثاق "مصالحة وطنية" مثل الجزائر، لم تُعقد لجان كشف الحقائق للتاريخ فقط دون حساب مثل جنوب أفريقيا. لم يحدث أي شيء أكثر من مجرد قلب الصفحة فجأة!
بل إن الإخوان منذ بدأوا دخول مجلس الشعب عام 1976، في الدورة التي فاز فيها صلاح أبو اسماعيل والد الشيخ حازم، ثم أعوام 79، 84، وصولاً إلى قمة تمثيلهم عام 87، وفيها فاز تحالفهم بـ 56 مقعدا، منها 37 احتلها أكبر قادة الإخوان، لم يطرحوا أبداً أي فكرة قانون لمحاسبة جرائم التعذيب الناصرية التي يروون عنها الأساطير، لم يطالبوا أبداً بقانون عدالة انتقالية أو ميثاق وطني أو حتى رد اعتبار تاريخي. بل إننا لم نسمع أبداً عن معتقل إخواني رفع قضية ضد معذبيه في عهد عبد الناصر!
هذا هو تاريخكم الذي تتناسونه بسبب "فتنة الستينيات"...!
(3)
تبدو مشكلة قراءة التاريخ أزمة دائمة عند الإخوان، وعند الإسلاميين بشكل عام.
دائماً اختيار لقطات معينة تعطي دلالة أسطورية نقية خالصة، بغض النظر تماماً عما قبلها أو بعدها. يتم اختزال تاريخ الخلافة كله في مشاهد هارون الرشيد يخاطب السحابة التي سيأتيه خراجها، والمعتصم يلبي نداء المستغيثة في عمورية، وصلاح الدين على أبواب القدس، ومحمد الفاتح يدك أسوار القسطنطينية، ولا يخبرنا أحد بمكائد أم هارون الرشيد أو بغدره بالبرامكة أو باقتتال ابنيه الأمين والمأمون من بعده، ولا يخبرنا أحد أن المعتصم هو نفسه الخليفة فاسد العقيدة صاحب فتنة خلق القرآن الذي جلد الإمام أحمد ابن حنبل، وصلاح الدين هو نفسه الذي اختار قراقوش وزيراً له على مصر، واستعبد المصريين حتى أصبح "حكم قراقوش" مضرب أمثال الظلم حتى الآن، ومحمد الفاتح صاحب قانون قتل الخليفة لإخوته كي لا ينازعوه على الحكم.
دائماً الميل إلى التبسيط والاختزال، إلى وجود أبيض ناصع تماماً يمثل الخير المطلق، وأسود معتم تماماً يمثل الشر المطلق، مع حذف كل التفاصيل والتعقيدات واختيار اللحظات الأسطورية "الفاتنة" فقط.
يتذكرون لقطة سيد قطب الصامد في الستينيات، ولقطة مرسي رئيس الشرعية الصامد الآن، من دون أي تفكير في النقطة السابقة لها، ما هي الخطايا التي ارتكبها الإخوان قبل الوصول إلى هذا المصير في الستينيات أو في عصرنا؟ أو النقطة اللاحقة: ما هو المسار الذي اتبعوه بعدها؟
هذا ما يُنتج جيلاً من الدراويش الذين شاهدنا إدارتهم للدولة بعقلية "مسؤول الأسرة" الإخوانية!
هذا بالضبط ما أنتج الرئيس مرسي الذي كان يثق تماماً بوزير دفاعه السيسي لأنه كان يصوم الاثنين والخميس، ويبكي في صلاة الظهر!
هذا بالضبط ما أنتج انتشاء مرسي ببعث مسمى "ديوان المظالم" كأنه خليفة جديد، وكل المغازلة لمشاعر "أسلمة" الدولة الأسطورية!
وهذا بالضبط ما أنتج رواية عامة عند "معشر الإخوان" بأن كل ما حدث خلال تاريخ الجماعة كان مُقدراً له أن يحدث، لأن الله يبتلينا الابتلاء تلو الابتلاء، ليمحصنا قبل أن يأذن بالنصر، وبالتالي فالأولوية ليست مراجعة المسار، وليست الثورة الداخلية على القيادات - من يقول إنها ليس لها تأثير أكثر بؤساً من أي نقاش معه - بل الأولوية أن نصلح ما بيننا وبين الله، نصلي الفجر، وسينزل النصر حين يأذن!
(4)
ما يحتاجه الإخوان الآن فعلاً، هو أن يحددوا ماذا يريدون.
هل المستقبل هو في العودة للعمل السياسي الإصلاحي بنفس الوسائل السابقة، أعمال خيرية و"مشاركة لا مغالبة" في انتخابات النقابات والمجالس؟ وبالتالي المشكلة هي مجرد وجود شخص السيسي، وبمجرد قدوم أي شخص بعده، سواء بعد نهاية فترة السيسي أو برحيله بأي وسيلة، حتى لو كان القادم الفريق صدقي صبحي - عملاً بنهج السادات - ستتم مصالحته فورا، والعودة لمنهج الإصلاح التدريجي من داخل النظام.
لو كان هذا هو الطريق المنتظر - وشخصياً أتوقع ذلك - فلا داعي لتبديد كل هذه الدماء الغالية، وكل آلام أسر المعتقلين، ولننهِ هذا الآن، ولتوقعوا على الاستمارات المُوزعة، ولتقبلوا ما كان معروضاً من الدولة مراراً من تشكيل حزب جديد، تقنين وضع الجماعة، الاعتراف بالنظام...إلخ.
على الجانب الآخر هل المستقبل هو في حركة جذرية تستخدم العنف كما يدعو العديد من شباب الإخوان الآن؟ عظيم، فلتعلنوا ذلك لقواعدكم، ولتقولوا لهم إن تاريخكم كان خطأً كبيراً، ولتختاروا نموذجكم العنفيّ الخاص، هل هو تكفير رجال الشرطة والجيش بشكل عام على الطريقة القاعدية أو الداعشية، أم مجرد "دفع الصائل" بما يجره هذا من حساسيات الانتقاء في العمليات؟ ولتحشدوا إمكاناتكم المادية والبشرية في سبيل ذلك.
أو يمكن أن يكون المستقبل طريقاً ثالثاً مختلفاً غير الطريقين المعتادين.
يمكن طرح مبادرة تشمل "الحقيقة والمصالحة" كجنوب أفريقيا، أو تجارب قريبة من ذلك في الجزائر وأيرلندا الشمالية ولبنان، يتم كتابة ما حدث للتاريخ بشكل شعبي، وطبعا يحتفظ الكل بمشاعره، لكن الكل يتفق على قواعد صارمة لمشاركة للجميع، ويصدر قانون عفو عن الجميع من كل الأنظمة، مع طرح الميثاق لاستفتاء شعبي.
أو يمكن تقديم طرح مختلف من جانب واحد كتجميد الجماعة نشاطها السياسي نهائيا أو جزئيا لفترة طويلة، وتعود جماعة دينية وخيرية فقط، ومن يرغب بالعمل السياسي فيما بعد ينشئ أحزاباً كأفراد مستقلين.
أو أي طريق آخر تختارونه أياً كان ومهما كان، هذا شأنكم الخاص.
يمكنكم فعل أي شيء، فقط اختاروا ما تريدون وتحركوا في طريقه. هذه ليست نصيحة سياسية فقط، بل نصيحة إنسانية أولاً.