بالحب وحده يحيا الإنسان

13 فبراير 2015
أروع المشاعر الإنسانية (Getty)
+ الخط -
في إحدى ورشاتي للقراءة مع طلاب الصف الأول، كنت أعرّفهم على قصة "عصفور وسمكة"، سألتهم: "لمَن ولماذا نقدّم الورد"؟ فردّ أحد الأطفال: "نقدم الورد لأمهاتنا في عيد الأم". وقبل أن أوافقه الرأي، بدأت إحدى المعلمات بالصراخ قائلة: "كم مرّة حكيت لكم أننا كمسلمين نحتفل فقط بالعيد الكبير والعيد الصغير".

لم أناقش المعلمة لأنّي علمانية ومن أصول مسيحية. خفت الدخول في نقاش عقيم لا فائدة منه، على الرغم من أنّي من الرافضين للاحتفالات الاستهلاكية بعيد الأم وباقي الأعياد السنوية، كعيد المعلم وعيد العائلة وعيد الحب. أرى في كل هذه الأعياد المستوردة نفاقاً مجتمعياً رهيباً.

فمنذ طفولة أولادي، كنت أرى كيف تقوم المربيات في الروضات بتحضير أعمال يدوية ليهديها لنا أولادنا كأنها من صنع أيديهم. أمّا العيد الذي يكشف قناع ازدواجية مجتمعاتنا العربية، فهو الفالنتاين. في مجتمع ممنوع فيه الحب، خصوصاً لصباياه وشبابه، في مجتمع حلال فيه قتل الصبايا بسبب الحب، لأنّ شرف العائلة متعلّق بنتائج هذا الحب.

نرى أنّنا الأكثر احتفالاً بهذا العيد من حيث الاستهلاك الأعمى لجميع المنتوجات الصينية التي تشمل كل ما هو أحمر. نرى أنّ أكثر القرى والمدن محافظة تمتلئ واجهات محلاتها بالأحمر مبشّرة باقتراب "عيد الحب".

نرى أزواجاً يحتفلون بسهرات عيد الحب من ناحية، وينكرون على ابنتهم الحب لأنّها اختارت أحداً ليس من ملّتها أو مستواها الاجتماعي، وآخرون يحرّمون الحب على الصبايا لكنهم يسمحون به للشباب.

لكن الأصعب في موضوع "عيد الحب"، هو أنّ معظمنا أصبح يتعامل مع الحب كوباء يجب الانتباه من احتمال الإصابة به. حتى أنّنا طوّرنا مناعة روحية في محاولاتنا العديدة لتجنّب أروع المشاعر الإنسانية على الإطلاق. وننسى بذلك أننا نربي أجيالاً قادمة تنكر الحب وتمتنع عن ممارسته وتكتفي بالحب الافتراضي المشوّه عبر شبكات التواصل الاجتماعية. ونستغرب كيف أصبح العالم مكاناً صعباً موحشاً ومقفراً عاطفياً، ونحن الذين وأدنا الحب خوفاً على الشرف المتخيّل في عقول ذكور الشرق اللعين.
المساهمون