باكستان والبلوش: مصالحة وحرب

20 اغسطس 2015
إحراق علم الهند أثناء احتفالات عيد الاستقلال(باناراس خان/فرانس برس)
+ الخط -
أثناء احتفالات يوم استقلال باكستان الـ69، والذي صادف يوم الجمعة الماضية، أعلنت السلطات الباكستانية في إقليم بلوشستان، جنوب غرب البلاد، أن نحو 400 عنصر من الجماعات الانفصالية البلوشية ألقوا سلاحهم أمام القوات المسلحة، وأعلنوا انضمامهم إلى عملية المصالحة مع الحكومة، والوقوف إلى جانب القوات المسلحة بهدف إيجاد حل للأزمة الأمنية التي يعاني منها الإقليم منذ أعوام عديدة.

جاءت هذه الخطوة في إطار مشروع للمصالحة بدأته السلطات قبل نحو عامين، يقوم على مصالحة من يلقي السلاح وقتال من يريد الحرب. على أنّ ما تقدّمه الحكومة من عفو ومساعدة مالية لمن يُلقي السلاح يبقى غير كافٍ؛ إذ إنّ حل أزمة إقليم بلوشستان يحتاج إلى خطة تنموية شاملة وليس عملية عسكرية فقط.

ويشهد إقليم بلوشستان الباكستاني، الواقع على الحدود مع كل من أفغانستان وإيران، على مدى الأعوام أزمة أمنية حادة، تتمثل في تحركات انفصالية ذات أبعاد طائفية، على حد قول السلطات، فضلاً عن نشاط الجماعات المسلحة الموالية لـ"طالبان باكستان"، والجماعات التي تنشط على الطرف الثاني من الحدود ضدّ الحكومة الأفغانية والقوات الدولية العاملة في أفغانستان، والتي اتخذت من إقليم بلوشستان مقرّاً لها.

وفي الآونة الأخيرة، اضمحلت قوة كل تلك الجماعات، لا سيما بعد انشقاق "طالبان باكستان". كذلك تقلصت قوة الجماعات المسلحة، والتي تقول السلطات إنها متورطة في إشعال فتيل حرب طائفية، إلى حد كبير، بعدما فقدت معظم قياداتها.

اقرأ أيضاً: خلافات وانشقاقات تعصف بـ"طالبان" بعد تعيين الملا منصور

وتتهم الحكومة أجهزة الاستخبارات الأجنبية بالوقوف وراء ما يجري في الإقليم. وتتوعد بين الفينة والأخرى بقطع تلك الأيادي التي تعبث بأمن الإقليم واستقراره، مع بذل كل ما في وسعها لإحلال الأمن والسلام في بلوشستان. ولكن الجهود المبذولة بهذا الشأن، وعلى مسارات مختلفة، لم تسفر حتى الآن عن إيجاد حل دائم للقضية.

وبعد فشل العمليات العسكرية في القضاء على الانفصاليين، واستئصال جذور الجماعات البلوشية الانفصالية، كما يعتقد الكثيرون، تبنت الحكومة استراتيجية جديدة هي التفاوض مع من يتفاوض، واستخدام السلاح ضد كل من يلجأ إلى العنف. ويبدو أن الحكومة اخترقت، بفضل سياستها الجديدة، صفوف الجماعات البلوشية، بحيث ألقى العديد من عناصر تلك الجماعات أسلحتهم طواعية أمام القوات المسلحة الباكستانية، وتعهدوا بالانضمام إلى عملية المصالحة، بدلاً من العمل في صفوف تلك الجماعات.

في المقابل، تعهدت الحكومة بتوفير فرص العمل لكل من يلجأ إلى الحوار ويلقي السلاح. وأكد قائد فيلق بلوشستان الجنرال ناصر جنجوعه في حفل أقيم بهذه المناسبة أن "كل من ينضم إلى عملية الصلح هم إخواننا، ونقدم لهم كل ما في وسعنا". وشدد على أن "عملية المصالحة هي الحل النهائي والأخير لحل الأزمة، والتي تقتل أبناء البلد وتقف في وجه المشاريع الرفاهية التي تعتزم الحكومة تطبيقها في الإقليم".

من جهته، أكد وزير الداخلية في الحكومة الإقليمية، سرفراز بوكتي، أن الحكومة تختار طريق الحوار مع كل من يتبنّى الحوار، غير أنها غير عاجزة عن مجابهة أولئك الذين يلجأون إلى العنف، ويتحدون سيادة الدولة، داعياً جميع الانفصاليين إلى الحوار، والانضمام إلى عملية المصالحة.

وكان رئيس وزراء حكومة إقليم بلوشستان عبد الملك بلوش قد أطلق مبادرة الصلح في عام 2013. ومنذ ذلك الحين يجري عبد الملك مفاوضات مع قيادات الجماعات البلوشية في داخل البلاد وخارجها، ليس كمسؤول في الحكومة فحسب، بل كزعيم قبلي بارز في الإقليم.

وتعليقاً على المبادرة، يقول عبد الملك بلوش لـ"العربي الجديد" إن الهدف الأساسي، والذي تسعى الحكومة الوصول إليه، هو إيجاد حلول للمعضلة الأمنية التي يعاني منها الإقليم على مدى أعوام عديدة، وهي تجري الحوار مع الانفصاليين البلوش، وفق خطط متطابقة مع الوضع السائد في الإقليم، ومتوافقة مع العادات والتقاليد المتبعة.

ويضيف بلوش أن الحكومة مستعدة لتلبية جميع مطالب الجماعات البلوشية، بما فيها استخدام جميع الموارد الطبيعية لتطبيق مشاريع ضخمة في الإقليم بهدف تغيير حياة المواطن. إذ يدعي الانفصاليون أن الموارد الطبيعية في الإقليم لا تُستخدم لصالح الإقليم.

وأجرى عبد الملك بلوش ومسؤولون آخرون في الحكومة المركزية والإقليمية زيارات عدة لمختلف الدول الأوروبية، بهدف إجراء محادثات مع قيادات البلوش، من بينهم سلمان داؤد  البلوشي، المعروف في الأوساط البلوشية بـ"كلكته خان".

وعلق عبد الملك بلوش على اجتماعه مع خان، بالقول "كنا وما زلنا نعتقد أن الحل الأخير لملف الانفصاليين البلوش هو الحوار البناء. من هنا الحكومة المركزية كلّفتني بخلق مناخ للحوار مع جميع القيادات البلوشية، من دون استثناء وقد فعلت ذلك وسأفعله، كلما دعت الحاجة".

وعلى الرغم من أن خان وقيادات أخرى رفضا الجلوس إلى طاولة المحادثات مع الحكومة  الباكستانية، فإن الحكومة اخترقت القادة الميدانيين لتلك الجماعات. وقد أتت جهود الحكومة أكلها، ولو نسبياً، إذ إن عشرات من الانفصاليين، بينهم قيادات ميدانية، ألقوا السلاح أمام القوات المسلحة خلال الأشهر الستة الأخيرة، وكانت آخر دفعة منهم في احتفالات عيد الاستقلال.

وأعطت الحكومة الباكستانية مبلغاً مالياً لكل من ألقى السلاح، يتراوح ما بين 500 ألف روبية باكستانية إلى 1500 ألف روبية. والهدف، كما تقول السلطات، تشجيع تلك العناصر وإتاحة الفرصة لهم كي يجدوا لأنفسهم أعمالاً خاصة. ولكن المحللين يرون أن الطريقة المثلى هي إيجاد فرص لهم داخل المنظومة الأمنية في الحكومة المحلية، إذ إن هؤلاء الذين قضوا فترات طويلة من أعمارهم في العمل المسلح يمكنهم أن يلعبوا دورهم في حلحلة الأزمة، والتي لا تلوح في الأفق أي مؤشرات لحلها النهائي على الرغم من كل تلك الجهود.

بموازاة عملية المصالحة، تقوم القوات المسلّحة الباكستانية بعمليات عسكرية في مناطق مختلفة من الإقليم، وبالتحديد على امتداد الحدود الأفغانية الباكستانية، والحدود مع إيران ضدّ جميع المسلحين بلا استثناء، سواء كانوا انفصاليين أم عناصر الجماعات المسلّحة. وبحسب وزير الداخلية في الحكومة الإقليمية سرفراز بوكتي، فإنّ هذه العمليات تأتي لقمع الجماعات والعناصر التي لا تؤمن بالحوار وتعبث بأمن المنطقة. وقد أعلنت القوات خلال الأشهر الماضية مقتل مئات المسلّحين بينهم قيادات بارزة في الجماعات الانفصالية والفصائل القتالية الأخرى.

اقرأ أيضاً: "الممر الاقتصادي" يصعّد التوتر الباكستاني الهندي