23 ابريل 2017
باكستان و"جسر بوتو" مع نظام الأسد وإسناد سياسي
كانت العلاقات بين سورية وباكستان ودية، ولكنها لم تكن قوية قطّ، فحين جاء الانقلاب الدموي في فبراير/ شباط 1966 إلى السلطة في سورية بحزب البعث العربي الاشتراكي، وقتل 400 سوري، رحبت الكتلة التي يقودها السوفييت (بما فيها الهند) باستيلاء هذا الحزب على السلطة، بينما بقيت باكستان تراقب التطوّرات بحذر.
وفي سياق دعمها فلسطين ورفضها الاعتراف بإسرائيل كدولة شرعية، أرسلت باكستان سرا ضباطاً وطيارين عسكريين لمساعدة العرب في أثناء حرب 1967، وتقريباً في كل نزاع مع إسرائيل. وقد سافر الطيارون الباكستانيون في طائرات ركاب إلى العراق، ومنها بسرعة إلى سورية في طائرات عسكرية، غير أن سورية لم تدعم، إلى الآن، باكستان في نزاعها مع الهند حول جامو وكشمير، ولم تدن الحرب الهندية بالوكالة في شرق باكستان، عن طريق المليشيا الإرهابية "موكتي باهيني".
وفي حرب تشرين الأول/ أكتوبر في 1973، لم تكتفِ باكستان بنشر قوات لها للمساهمة في حماية مدينة دمشق فقط، بل درّبت أيضاً سوريين. كما أمّنت أيضاً للجيش السوري دعماً بحرياً، إضافة إلى الطيارين. ولا يُنسى أن الطيارين الباكستانيين لم يكونوا مدربين على استخدام طيارات ميغ 21 التي كانت كُتيبات إرشادات الطيران وأوامر قمرة القيادة فيها باللغة الروسية، في حين كان عمال برج المراقبة لا يتكلمون سوى العربية. وكان الباكستانيون لا يتقنون من العربية سوى ما يلزمهم للصلوات والأدعية. ومع ذلك أسقطوا عشر مقاتلات إسرائيلية، في حربي عام 1967 و1973. وعلاوة على ذلك، منعت دورياتهم الهجومية الهجمات الإسرائيلية على مدن ومنشآت أردنية وسورية ولبنانية ومصرية. وكان الطيار الحربي الباكستاني الراحل، محمد محمود عالم من الأبطال الذين أسقطوا خمس طائرات من سلاح الجو الإسرائيلي في دقيقة واحدة خلال عام 1965 في المجال الجوي الباكستاني.
وما إن انتهت الحرب في 1973 حتى تبرّع جميع العسكريين الباكستانيين بمكافآت مادّية (أدوات ولوازم) إلى صناديق الرعاية العسكرية في سورية، وغيرها من الدول الحليفة. وقبِلوا بسعادة الجوائز العسكرية، بما في ذلك ميداليات الشجاعة.
وكانت باكستان قد فقدت، في العام 1971 جزءها الشرقي الذي أصبح يُعرف باسم بنغلادش، وكان رئيس الوزراء، ذو الفقار علي بوتو، يحاول استمالة أصدقاء على الصعيد العالمي. وعزّزت المشاركة في الحروب ضد إسرائيل صورته في باكستان أيضاً. وفي 1974 زار الرئيس السوري، حافظ الأسد، لاهور، للمشاركة في اجتماع قمّة دول منظمة المؤتمر
الإسلامي، وكانت آخر زيارة لرئيس سوري إلى باكستان. وقد رأى رؤساء عرب، مثل معمر القذافي وأنور السادات وحافظ الأسد، في بوتو اشتراكياً ملهماً حاول النأي ببلده عن الكتلة الغربية.
الأسد والقذافي وعرفات وبوتو
عندما كانت المحاكم الباكستانية، في العام 1978، تحاكم ذو الفقار علي بوتو بتهمة القتل، كانت الضغوط السياسية والعسكرية من أصدقاء الرئيس السابق تتزايد على الجنرال محمد ضياء الحق (أطاحه من السلطة في 5 يوليو/ تموز 1977)، لكي يعفو عن بوتو، ويسمح له بخروج آمن. ويروي العميد سيد أحمد إرشاد الترمذي في كتابه "ملفات الاستخبارات" أنه، في الوقت الذي كان فيه بوتو ينتظر حكم الإعدام، أرسل معمر القذافي رئيس وزرائه إلى باكستان، على متن طائرة خاصة، وطلب من ضياء الحق أن يضع بوتو على متن تلك الطائرة، ويسمح له بالمغادرة إلى ليبيا. رفض ضياء الحق، وأمر الطائرة بالعودة إلى ليبيا. فثار غضب القذافي، وأرسل "رسالة سرية" إلى زوجة بوتو الكردية الإيرانية، نصرت بوتو (أصفهاني)، عارضاً عليها إرسال قوات خاصة ليبية لإخراج بوتو من السجن. وقد خطّط القذافي لاستخدام مقاتلين فلسطينيين مرتبطين بمنظمة التحرير الفلسطينية لهذه المهمة، وقد شكرته على عرضه، وأوضحت له أن زوجها لم يكن راغباً بالهروب كأنه مجرم. ومع ذلك، لم يتراجع القذافي أو الأسد. فقد كرّس، كل منهما على حدة، قوات خاصة ووحدات استخبارية، لتدريب مجندي "الذو الفقار". ووفقاً لكتاب ترمذي، كان الرئيس الليبي غاضباً بشدة، إلى درجة أنه أسّس معسكر تدريب قرب طرابلس، وطلب من رجال منظمة التحرير الفلسطينية تدريب المجنّدين الباكستانيين الأوائل في حرب عصابات.
أما الزعيم الفلسطيني، ياسر عرفات، فقد كانت له أسبابه الخاصة لمعارضة محمد ضياء الحق ومساندة بوتو. وقليلون من يعرفون أنه عندما أطلق ملك الأردن الراحل الحسين المواجهة العسكرية في أيلول/ سبتمبر 1970 ضد الفدائيين الفلسطينيين في بلاده، كان رئيس المهمة التدريبية الباكستانية إلى الأردن العميد محمد ضياء الحق، والذي لعب دوراً رئيسياً في التخطيط لسحق الفدائيين، وقاد هجوم فرقة الدبابات الأردنية ضد مقرّات المنظمات الفلسطينية في عمّان. وقد صُدم النظام السوري الذي دعم نشاطات منظمة التحرير الفلسطينية ضد السلطة الأردنية، بالمعركة وبالدور الباكستاني فيها. وكانت علاقة باكستان والأردن حميمة جداً، بعد زواج الأمير الحسن بن طلال في 28 أغسطس/ آب عام 1968 من ثروت محمد إكرام الله، وهي ابنة دبلوماسي باكستاني من عائلات النخبة.
منظمة "الذو الفقار"
شكّل نجلا ذو الفقار علي بوتو، مرتضى وشاه نواز، أول منظمة إرهابية بدعم مالي وسياسي من معمر القذافي وحافظ الأسد، ووسّعت أفغانستان الموالية للاتحاد السوفييتي نطاق التدريب والاستخبارات لموالي بوتو الفدائيين. وإضافة إلى سورية وليبيا، بقي اليساريون في لبنان، والجناح الفدائي لمنظمة التحرير الفلسطينية وحكومة الهند، بعيدين عن لفت الأنظار إليهم، لكنهم دعموا مؤيدين "الذو الفقار". وتعاطفت دولة الإمارات مع بوتو أيضاً، وقدّمت اللجوء السياسي لزوجته وأولاده. وكتب راجا أنور (مستشار قريب لذو الفقار علي بوتو) في كتاب له أن الإمارات كانت مستعدة لمساعدة مرتضى ماليا، ثم غيرت رأيها، بعد أن نشر بياناً لـ "الذو الفقار"، ووصفها فيه بأنها "حركة لينينية -ماركسية". ومن أسباب أخرى، لتغيير الإمارات رأيها كرهها الشديد معمر القذافي.
نفّذ مرتضى بوتو بنجاح عملية اختطاف طائرة باكستانية متجهة من كراتشي إلى بيشاور في مارس/ آذار عام 1981. حُوِّلت الرحلة أولاً إلى كابول، واستمرت عملية الخطف 13 يوماً. وقد أخذ رجال مرتضى (ألهمتهم عمليات الخطف التي نفذها الفلسطينيون، وبنصيحة من وكالة الاستخبارات الأفغانية) الطائرة إلى دمشق، حيث رحّب حافظ الأسد بالخاطفين، وعامل السوريون الخاطفين بوصفهم ضيوف دولة، وقد طُلِب من الحكومة الباكستانية الإفراج عن 50 موالياً لبوتو من السجن، أو سيُقتل ستة مسافرين أميركيين على متن الطائرة.
وعندما حاول مسؤول عسكري باكستاني بارز التفاوض مع الخاطفين في دمشق، رفضت الحكومة السورية التعاون معه ومع المسؤولين الباكستانيين ضد الخاطفين المنتمين إلى "الذو الفقار". فاستجاب الجنرال محمد ضياء الحق، وأطلق سراح الناشطين السياسيين. طارت طائرة خاصة إلى العاصمة السورية، وهي تقل هؤلاء في مقابل الركاب الأبرياء على متن الطائرة المخطوفة.
وبمساعدة خبرة الحكومات السورية والليبية والأفغانية وتمويلها، خطّط مرتضى بوتو لإنهاء حياة محمد ضياء الحق ثأراً لمقتل والده. وقد أخطأ الصاروخ الروسي الطائرة الرئاسية في العام 1982، بينما لم تتمكن المحاولات الأخرى من الانطلاق، أو أنها أُحبِطت قبل الأوان. ويتذكر راجا أنور في كتاب له أن منظمة التحرير الفلسطينية وافقت أيضاً على شحن أسلحة لنجلي بوتو في سفينة من بيروت إلى طرابلس، ومن هناك كانت ستُرسل جواً إلى كابول، إلا أن البحرية الإسرائيلية اعترضت السفينة وصادرت الأسلحة. وبينما تنقّل مرتضى وشاه نواز بين طرابلس ودمشق وكابول للتخطيط لنشاطات إرهابية، دانت شقيقتهما بي نَظير بوتو أفعالهما دائماً، سراً وعلنا. وقد استقر الاثنان، في نهاية المطاف، في مدينة كان في فرنسا مع زوجتيهما الأفغانيتين.
وقد تميّزت علاقات باكستان، في تلك الفترة، مع سورية، بالتوتر، بسبب دعم حافظ الأسد الجلي أولئك الإرهابيين الذين حصل بعضهم على اللجوء في سورية، فيما اختار عديدون من منتسبي "الذو الفقار" الذين لم يتمكنوا من دخول أوروبا الإقامة في ليبيا.
عائلة الأسد وبي نَظير وزرداري
بعد عودة بي نَظير بوتو إلى لاهور من منفاها في 1985، خاف محمد ضياء الحق من تكرار التدخل البعثي في الشؤون الداخلية. وفي 1987، زار دمشق لتحذير حافظ الأسد من عواقب وخيمة، وكان أثر التهديد في صالح باكستان. وقيل إن الأسد قال لوفد باكستاني زائر لاحقاً "لو تبنّت باكستان اللغة العربية، لغة القرآن، باعتبارها اللغة الوطنية، لم تكن الانقسامات السياسية والتصدعات اللغوية والفوضى لتحدث فيها، ولبقيت باكستان دولة موحّدة".
وبينما كانت بي نظير بوتو رئيسة للوزراء في 1993، خفّفت سورية قليلاً من سياستها المناصرة للهند، واعترفت للمرة الأولى أن كشمير "منطقة متنازع عليها وخلاف ثنائي". ولم يكن هناك أي تقدم جوهري في العلاقات الثنائية، باستثناء اتفاق سورية وباكستان على منح الجنسية المزدوجة، في حال رغب الشخص بذلك. كما استقبل حافظ الأسد ورئيس الوزراء السوري، محمود الزعبي، بكل ود، بي نظير بوتو، في 21 أبريل/ نيسان عام 1996 في دمشق. ورافقها في زيارتها تلك زوجها آصف زرداري، الذي أصبح رئيساً للبلاد، بعد اغتيال بي نظير بوتو في 27 ديسمبر/ كانون الأول 2007. ثم زار آصف زرداري دمشق، في يناير/ كانون الأول 2010، بصفته رئيس باكستان، ودعا الرئيس بشار الأسد لزيارة بلاده، وتم الاتفاق على إنعاش العلاقات التي كانت خلال فترة ذو الفقار علي بوتو.
وفي 10 أغسطس/ آب 2010، توقّف الرئيس السابق، زرداري، في سورية في عودته من لندن. وزار مقام السيدة زينب. وعلى الرغم من أن شيئا مهما وملموسا لم ينتج من هذه الزيارات، إلا أن الاتصالات استمرت وتعمقت بين حكومة حزب الشعب الباكستاني التي تميل إلى إيران والنظام السوري الحليف لإيران. وفي مايو/ أيار 2013، التقى زرداري بنائب وزير الخارجية السوري، فيصل مقداد، الذي كان في زيارة إلى كراتشي. وخلافاً لأغلبية الدول الإسلامية الأخرى، لم تسحب الحكومة الباكستانية التي يقودها حزب الشعب سفيرها من سورية، بعد الأعمال الوحشية العديدة التي ارتكبها النظام ضد شعبه، كما أنها لم تؤيد قرارات الأمم المتحدة بصدد هذا النظام. وفي فبراير/ شباط 2015، ترأس رئيس مجلس الشيوخ الباكستاني، سيد ناير حسين بخاري، وفداً من ثلاثة أشخاص إلى سورية، ودعا بشار الأسد لزيارة باكستان.
نفوذ إيران في باكستان
ليس سراً أن موالين لإيران يجنّدون باكستانيين في كراتشي والمناطق القبلية والشمالية، مثل إقليم كُرّم، ومن جماعة هزارة في كويتا في بلوشستان، من أجل القتال لصالح نظام بشار الأسد في سورية. وفي العام 2016 فقط، نشر مقتل ما لا يقل عن 300 باكستاني يحاربون في "لواء زَينبيون" إلى جانب حزب الله ومليشيات عراقية والحرس الثوري الإيراني وجيش الأسد. وقد دُفِنوا في إيران مع ذكر أسمائهم وصورهم ومناطقهم في الجنازة، حتى شواهد القبور منقوشة بهويتهم وجنسيتهم. وليس سراً أنه يتم الدفع لأُسر القتلى في أثناء القتال وبعد الوفاة. وعلى الرغم من أن المثقفين الباكستانيين والإعلام والأحزاب الدينية لم تكن صاخبة جداً ضد تحركات الأسد وإيران، إلا أن وكالات الاستخبارات المضادة كانت تعمل، بشكل وثيق مع الأجهزة الاستخباراتية التركية والدول الحليفة الأخرى، لكي تتعقّب المسلحين المتشدّدين، وقد تم اعتقال كثيرين منهم في أثناء عودتهم من سورية عبر إيران. وقد أصبح هذا الموضوع أكثر تداولاً في الساحة الوطنية الباكستانية.
ومن المُريع قتال المرتزقة الباكستانيين لصالح الأسد الذي لا تهمه، في المقابل، إلا عائلة بوتو. وقد تابع زرداري سياسة استرضاء إيران التي تدعم نظام سورية القمعي منذ سنين. وعلى الرغم من موت نحو نصف مليون شخص، وعلى الرغم من أن أكثر من نصف السوريين باتوا لاجئين، إلا أن باكستان من بين الدول القليلة التي يحتفظ فيها الأسد بسفارة. .. ما الذي كان يمنع إسلام آباد من إعلان السفير السوري شخصاً غير مرغوب به، ومن إدانة الاستخدام المُثبت للأسلحة الكيميائية والجرائم الشنيعة؟ على الأرجح، تهدف السياسة الخجولة التي تتبناها باكستان تجاه سورية إلى استرضاء إيران. وعلى الرغم من أن عدد الباكستانيين الشيعة لا يتجاوز 9%، إلا أن طهران استثمرت بشكل مهم في اللوبيات الموالية للغرب والليبرالية واليسارية التي تؤثر بشكل واسع في إعلامها المسموع. وبانضمام رئيس أركان الجيش الباكستاني السابق، الجنرال رحيل شريف، إلى التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب المكون من 41 دولة بقيادة سعودية، واجه اللوبي الإيراني ضربة قاسية. حان الوقت لإسلام آباد لتُصحّح سياستها المتعلقة بسورية، ولأن تعارض النظام الذي ينتهج القتل الجماعي.
وفي سياق دعمها فلسطين ورفضها الاعتراف بإسرائيل كدولة شرعية، أرسلت باكستان سرا ضباطاً وطيارين عسكريين لمساعدة العرب في أثناء حرب 1967، وتقريباً في كل نزاع مع إسرائيل. وقد سافر الطيارون الباكستانيون في طائرات ركاب إلى العراق، ومنها بسرعة إلى سورية في طائرات عسكرية، غير أن سورية لم تدعم، إلى الآن، باكستان في نزاعها مع الهند حول جامو وكشمير، ولم تدن الحرب الهندية بالوكالة في شرق باكستان، عن طريق المليشيا الإرهابية "موكتي باهيني".
وفي حرب تشرين الأول/ أكتوبر في 1973، لم تكتفِ باكستان بنشر قوات لها للمساهمة في حماية مدينة دمشق فقط، بل درّبت أيضاً سوريين. كما أمّنت أيضاً للجيش السوري دعماً بحرياً، إضافة إلى الطيارين. ولا يُنسى أن الطيارين الباكستانيين لم يكونوا مدربين على استخدام طيارات ميغ 21 التي كانت كُتيبات إرشادات الطيران وأوامر قمرة القيادة فيها باللغة الروسية، في حين كان عمال برج المراقبة لا يتكلمون سوى العربية. وكان الباكستانيون لا يتقنون من العربية سوى ما يلزمهم للصلوات والأدعية. ومع ذلك أسقطوا عشر مقاتلات إسرائيلية، في حربي عام 1967 و1973. وعلاوة على ذلك، منعت دورياتهم الهجومية الهجمات الإسرائيلية على مدن ومنشآت أردنية وسورية ولبنانية ومصرية. وكان الطيار الحربي الباكستاني الراحل، محمد محمود عالم من الأبطال الذين أسقطوا خمس طائرات من سلاح الجو الإسرائيلي في دقيقة واحدة خلال عام 1965 في المجال الجوي الباكستاني.
وما إن انتهت الحرب في 1973 حتى تبرّع جميع العسكريين الباكستانيين بمكافآت مادّية (أدوات ولوازم) إلى صناديق الرعاية العسكرية في سورية، وغيرها من الدول الحليفة. وقبِلوا بسعادة الجوائز العسكرية، بما في ذلك ميداليات الشجاعة.
وكانت باكستان قد فقدت، في العام 1971 جزءها الشرقي الذي أصبح يُعرف باسم بنغلادش، وكان رئيس الوزراء، ذو الفقار علي بوتو، يحاول استمالة أصدقاء على الصعيد العالمي. وعزّزت المشاركة في الحروب ضد إسرائيل صورته في باكستان أيضاً. وفي 1974 زار الرئيس السوري، حافظ الأسد، لاهور، للمشاركة في اجتماع قمّة دول منظمة المؤتمر
الأسد والقذافي وعرفات وبوتو
عندما كانت المحاكم الباكستانية، في العام 1978، تحاكم ذو الفقار علي بوتو بتهمة القتل، كانت الضغوط السياسية والعسكرية من أصدقاء الرئيس السابق تتزايد على الجنرال محمد ضياء الحق (أطاحه من السلطة في 5 يوليو/ تموز 1977)، لكي يعفو عن بوتو، ويسمح له بخروج آمن. ويروي العميد سيد أحمد إرشاد الترمذي في كتابه "ملفات الاستخبارات" أنه، في الوقت الذي كان فيه بوتو ينتظر حكم الإعدام، أرسل معمر القذافي رئيس وزرائه إلى باكستان، على متن طائرة خاصة، وطلب من ضياء الحق أن يضع بوتو على متن تلك الطائرة، ويسمح له بالمغادرة إلى ليبيا. رفض ضياء الحق، وأمر الطائرة بالعودة إلى ليبيا. فثار غضب القذافي، وأرسل "رسالة سرية" إلى زوجة بوتو الكردية الإيرانية، نصرت بوتو (أصفهاني)، عارضاً عليها إرسال قوات خاصة ليبية لإخراج بوتو من السجن. وقد خطّط القذافي لاستخدام مقاتلين فلسطينيين مرتبطين بمنظمة التحرير الفلسطينية لهذه المهمة، وقد شكرته على عرضه، وأوضحت له أن زوجها لم يكن راغباً بالهروب كأنه مجرم. ومع ذلك، لم يتراجع القذافي أو الأسد. فقد كرّس، كل منهما على حدة، قوات خاصة ووحدات استخبارية، لتدريب مجندي "الذو الفقار". ووفقاً لكتاب ترمذي، كان الرئيس الليبي غاضباً بشدة، إلى درجة أنه أسّس معسكر تدريب قرب طرابلس، وطلب من رجال منظمة التحرير الفلسطينية تدريب المجنّدين الباكستانيين الأوائل في حرب عصابات.
أما الزعيم الفلسطيني، ياسر عرفات، فقد كانت له أسبابه الخاصة لمعارضة محمد ضياء الحق ومساندة بوتو. وقليلون من يعرفون أنه عندما أطلق ملك الأردن الراحل الحسين المواجهة العسكرية في أيلول/ سبتمبر 1970 ضد الفدائيين الفلسطينيين في بلاده، كان رئيس المهمة التدريبية الباكستانية إلى الأردن العميد محمد ضياء الحق، والذي لعب دوراً رئيسياً في التخطيط لسحق الفدائيين، وقاد هجوم فرقة الدبابات الأردنية ضد مقرّات المنظمات الفلسطينية في عمّان. وقد صُدم النظام السوري الذي دعم نشاطات منظمة التحرير الفلسطينية ضد السلطة الأردنية، بالمعركة وبالدور الباكستاني فيها. وكانت علاقة باكستان والأردن حميمة جداً، بعد زواج الأمير الحسن بن طلال في 28 أغسطس/ آب عام 1968 من ثروت محمد إكرام الله، وهي ابنة دبلوماسي باكستاني من عائلات النخبة.
منظمة "الذو الفقار"
شكّل نجلا ذو الفقار علي بوتو، مرتضى وشاه نواز، أول منظمة إرهابية بدعم مالي وسياسي من معمر القذافي وحافظ الأسد، ووسّعت أفغانستان الموالية للاتحاد السوفييتي نطاق التدريب والاستخبارات لموالي بوتو الفدائيين. وإضافة إلى سورية وليبيا، بقي اليساريون في لبنان، والجناح الفدائي لمنظمة التحرير الفلسطينية وحكومة الهند، بعيدين عن لفت الأنظار إليهم، لكنهم دعموا مؤيدين "الذو الفقار". وتعاطفت دولة الإمارات مع بوتو أيضاً، وقدّمت اللجوء السياسي لزوجته وأولاده. وكتب راجا أنور (مستشار قريب لذو الفقار علي بوتو) في كتاب له أن الإمارات كانت مستعدة لمساعدة مرتضى ماليا، ثم غيرت رأيها، بعد أن نشر بياناً لـ "الذو الفقار"، ووصفها فيه بأنها "حركة لينينية -ماركسية". ومن أسباب أخرى، لتغيير الإمارات رأيها كرهها الشديد معمر القذافي.
نفّذ مرتضى بوتو بنجاح عملية اختطاف طائرة باكستانية متجهة من كراتشي إلى بيشاور في مارس/ آذار عام 1981. حُوِّلت الرحلة أولاً إلى كابول، واستمرت عملية الخطف 13 يوماً. وقد أخذ رجال مرتضى (ألهمتهم عمليات الخطف التي نفذها الفلسطينيون، وبنصيحة من وكالة الاستخبارات الأفغانية) الطائرة إلى دمشق، حيث رحّب حافظ الأسد بالخاطفين، وعامل السوريون الخاطفين بوصفهم ضيوف دولة، وقد طُلِب من الحكومة الباكستانية الإفراج عن 50 موالياً لبوتو من السجن، أو سيُقتل ستة مسافرين أميركيين على متن الطائرة.
وعندما حاول مسؤول عسكري باكستاني بارز التفاوض مع الخاطفين في دمشق، رفضت الحكومة السورية التعاون معه ومع المسؤولين الباكستانيين ضد الخاطفين المنتمين إلى "الذو الفقار". فاستجاب الجنرال محمد ضياء الحق، وأطلق سراح الناشطين السياسيين. طارت طائرة خاصة إلى العاصمة السورية، وهي تقل هؤلاء في مقابل الركاب الأبرياء على متن الطائرة المخطوفة.
وبمساعدة خبرة الحكومات السورية والليبية والأفغانية وتمويلها، خطّط مرتضى بوتو لإنهاء حياة محمد ضياء الحق ثأراً لمقتل والده. وقد أخطأ الصاروخ الروسي الطائرة الرئاسية في العام 1982، بينما لم تتمكن المحاولات الأخرى من الانطلاق، أو أنها أُحبِطت قبل الأوان. ويتذكر راجا أنور في كتاب له أن منظمة التحرير الفلسطينية وافقت أيضاً على شحن أسلحة لنجلي بوتو في سفينة من بيروت إلى طرابلس، ومن هناك كانت ستُرسل جواً إلى كابول، إلا أن البحرية الإسرائيلية اعترضت السفينة وصادرت الأسلحة. وبينما تنقّل مرتضى وشاه نواز بين طرابلس ودمشق وكابول للتخطيط لنشاطات إرهابية، دانت شقيقتهما بي نَظير بوتو أفعالهما دائماً، سراً وعلنا. وقد استقر الاثنان، في نهاية المطاف، في مدينة كان في فرنسا مع زوجتيهما الأفغانيتين.
وقد تميّزت علاقات باكستان، في تلك الفترة، مع سورية، بالتوتر، بسبب دعم حافظ الأسد الجلي أولئك الإرهابيين الذين حصل بعضهم على اللجوء في سورية، فيما اختار عديدون من منتسبي "الذو الفقار" الذين لم يتمكنوا من دخول أوروبا الإقامة في ليبيا.
عائلة الأسد وبي نَظير وزرداري
بعد عودة بي نَظير بوتو إلى لاهور من منفاها في 1985، خاف محمد ضياء الحق من تكرار التدخل البعثي في الشؤون الداخلية. وفي 1987، زار دمشق لتحذير حافظ الأسد من عواقب وخيمة، وكان أثر التهديد في صالح باكستان. وقيل إن الأسد قال لوفد باكستاني زائر لاحقاً "لو تبنّت باكستان اللغة العربية، لغة القرآن، باعتبارها اللغة الوطنية، لم تكن الانقسامات السياسية والتصدعات اللغوية والفوضى لتحدث فيها، ولبقيت باكستان دولة موحّدة".
وبينما كانت بي نظير بوتو رئيسة للوزراء في 1993، خفّفت سورية قليلاً من سياستها المناصرة للهند، واعترفت للمرة الأولى أن كشمير "منطقة متنازع عليها وخلاف ثنائي". ولم يكن هناك أي تقدم جوهري في العلاقات الثنائية، باستثناء اتفاق سورية وباكستان على منح الجنسية المزدوجة، في حال رغب الشخص بذلك. كما استقبل حافظ الأسد ورئيس الوزراء السوري، محمود الزعبي، بكل ود، بي نظير بوتو، في 21 أبريل/ نيسان عام 1996 في دمشق. ورافقها في زيارتها تلك زوجها آصف زرداري، الذي أصبح رئيساً للبلاد، بعد اغتيال بي نظير بوتو في 27 ديسمبر/ كانون الأول 2007. ثم زار آصف زرداري دمشق، في يناير/ كانون الأول 2010، بصفته رئيس باكستان، ودعا الرئيس بشار الأسد لزيارة بلاده، وتم الاتفاق على إنعاش العلاقات التي كانت خلال فترة ذو الفقار علي بوتو.
وفي 10 أغسطس/ آب 2010، توقّف الرئيس السابق، زرداري، في سورية في عودته من لندن. وزار مقام السيدة زينب. وعلى الرغم من أن شيئا مهما وملموسا لم ينتج من هذه الزيارات، إلا أن الاتصالات استمرت وتعمقت بين حكومة حزب الشعب الباكستاني التي تميل إلى إيران والنظام السوري الحليف لإيران. وفي مايو/ أيار 2013، التقى زرداري بنائب وزير الخارجية السوري، فيصل مقداد، الذي كان في زيارة إلى كراتشي. وخلافاً لأغلبية الدول الإسلامية الأخرى، لم تسحب الحكومة الباكستانية التي يقودها حزب الشعب سفيرها من سورية، بعد الأعمال الوحشية العديدة التي ارتكبها النظام ضد شعبه، كما أنها لم تؤيد قرارات الأمم المتحدة بصدد هذا النظام. وفي فبراير/ شباط 2015، ترأس رئيس مجلس الشيوخ الباكستاني، سيد ناير حسين بخاري، وفداً من ثلاثة أشخاص إلى سورية، ودعا بشار الأسد لزيارة باكستان.
نفوذ إيران في باكستان
ليس سراً أن موالين لإيران يجنّدون باكستانيين في كراتشي والمناطق القبلية والشمالية، مثل إقليم كُرّم، ومن جماعة هزارة في كويتا في بلوشستان، من أجل القتال لصالح نظام بشار الأسد في سورية. وفي العام 2016 فقط، نشر مقتل ما لا يقل عن 300 باكستاني يحاربون في "لواء زَينبيون" إلى جانب حزب الله ومليشيات عراقية والحرس الثوري الإيراني وجيش الأسد. وقد دُفِنوا في إيران مع ذكر أسمائهم وصورهم ومناطقهم في الجنازة، حتى شواهد القبور منقوشة بهويتهم وجنسيتهم. وليس سراً أنه يتم الدفع لأُسر القتلى في أثناء القتال وبعد الوفاة. وعلى الرغم من أن المثقفين الباكستانيين والإعلام والأحزاب الدينية لم تكن صاخبة جداً ضد تحركات الأسد وإيران، إلا أن وكالات الاستخبارات المضادة كانت تعمل، بشكل وثيق مع الأجهزة الاستخباراتية التركية والدول الحليفة الأخرى، لكي تتعقّب المسلحين المتشدّدين، وقد تم اعتقال كثيرين منهم في أثناء عودتهم من سورية عبر إيران. وقد أصبح هذا الموضوع أكثر تداولاً في الساحة الوطنية الباكستانية.
ومن المُريع قتال المرتزقة الباكستانيين لصالح الأسد الذي لا تهمه، في المقابل، إلا عائلة بوتو. وقد تابع زرداري سياسة استرضاء إيران التي تدعم نظام سورية القمعي منذ سنين. وعلى الرغم من موت نحو نصف مليون شخص، وعلى الرغم من أن أكثر من نصف السوريين باتوا لاجئين، إلا أن باكستان من بين الدول القليلة التي يحتفظ فيها الأسد بسفارة. .. ما الذي كان يمنع إسلام آباد من إعلان السفير السوري شخصاً غير مرغوب به، ومن إدانة الاستخدام المُثبت للأسلحة الكيميائية والجرائم الشنيعة؟ على الأرجح، تهدف السياسة الخجولة التي تتبناها باكستان تجاه سورية إلى استرضاء إيران. وعلى الرغم من أن عدد الباكستانيين الشيعة لا يتجاوز 9%، إلا أن طهران استثمرت بشكل مهم في اللوبيات الموالية للغرب والليبرالية واليسارية التي تؤثر بشكل واسع في إعلامها المسموع. وبانضمام رئيس أركان الجيش الباكستاني السابق، الجنرال رحيل شريف، إلى التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب المكون من 41 دولة بقيادة سعودية، واجه اللوبي الإيراني ضربة قاسية. حان الوقت لإسلام آباد لتُصحّح سياستها المتعلقة بسورية، ولأن تعارض النظام الذي ينتهج القتل الجماعي.