عادت قضية غسل الأموال في الإمارات إلى الواجهة من جديد، بعد تسلم عمران خان رئاسة الوزراء في البلاد، وهو الذي أثار هذه القضية في مناسبات عديدة، إذ بدأت المحكمة العليا أوائل الشهر الجاري النظر في القضية بشكل رسمي، ومن دون أن يقدم أحد إليها الدعوى، وهذا ما يسمى قضائياً في باكستان بـ"سوموتو"، أي النظر في القضية من تلقاء نفسها، ما يشير إلى مدى اهتمام المؤسسة بالقضية.
وقال رئيس المحكمة العليا القاضي ثاقب نثار، في أول أيام النظر في القضية، "فقط في دبي تصل قيمة عقارات الباكستانيين إلى 150 مليار دولار، علينا أن نصل إلى جذور القضية ونسترد تلك الأموال، هؤلاء مخافة المحاسبة أخذوا المال إلى الخارج، الآن بدأت المحاسبة ولا يمكن أن يفلت أحد هرّب الأموال إلى الإمارات وغسلها هناك".
فيما قال القاضي عطاء عمر بنديال إن "الذين أخذوا الأموال إلى الخارج سنعاقبهم، وقد بدأنا العمل ضدهم، ولن نقبل منهم الضرائب"، بحسب ما ذكرت بعض وسائل الإعلام.
كذلك قدّمت وكالة التحقيق الفدرالية تقريراً مفصلاً أمام المحكمة، ذكرت فيه أن عقارات الباكستانيين في الإمارات تصل قيمتها إلى 150 مليار دولار، وأن في مدينة دبي وحدها تصل قيمة العقارات الباكستانية إلى 110 مليارات دولار، موضحة أن عدد الباكستانيين أصحاب العقارات في الإمارات يصل إلى 2750.
وجاء في التقرير أنه "تم التحقيق مع 250 باكستانياً، الذين يملكون العقارات في دبي، وثبتت الأمور في حقهم، والإدارة بصدد التحقيق لمعرفة الآخرين"، مشيراً إلى أن الإدارة نبّهت 100 شخص ثبت في حقهم تهريب الأموال وغسيلها.
وطلب رئيس المحكمة العليا من الإدارة أن تقدم قائمة أسماء الذين تم التحقيق بشأنهم في الجلسة المقبلة يوم الأربعاء المقبل، وكذلك أسماء الأشخاص الذين تم تنبيههم، مشيراً إلى أنه بصدد الاجتماع مع رئيس الوزراء بشأن القضية، وأن المحكمة ستبت فيها قريباً.
ورغم كل العقبات، وبغض النظر عن مدى فرص النجاح في استرداد تلك الأموال، فإن الحكومة تعمل جادة على القضية، وهو ما تشير إليه تصريحات وزير الإعلام فواد شودري الأخيرة التي مفادها أن الحكومة بصدد إعداد قائمة المهربين للأموال وأصحاب العقارات في الإمارات، وهي تعمل عليها بالتنسيق مع الإدارات الأخرى وستعلن القائمة قريباً.
وشدد شودري على أن القضية "من أولويات الحكومة ولا يمكن التغاضي عنها بأية حال. ذلك لأن الحالة الاقتصادية في البلاد تستدعي ذلك".
وفي معرض جواب عن سؤال صحافي حول وجود كبار الساسة ضمن القائمة، كرئيسي الوزراء السابقين آصف علي زرداري ونواز شريف وغيرهما. قال شودري "إنكم أصحاب الاطلاع وأنتم تغوصون داخل البحر، وبالتالي تعرفون جيداً كبار الحيتان"، وذلك في إشارة إلى وجود كبار الساسة في قائمة مهربي الأموال وشراء العقارات في الإمارات.
جذور القضية
وأثيرت قضية تهريب الأموال وغسلها في الخارج في عام 2013، عندما نجح حزب الرابطة الإسلامية جناح نواز شريف وشكّل الحكومة، إذ كان وزير المالية محمد إسحاق دار أول من تحدث حول تهريب الأموال لشراء العقارات في الدول الأجنبية، ومنها الإمارات، مشدداً على مطاردة تلك الأموال في أسرع فرصة.
وفي أواخر عهد حكومة نواز شريف رفعت حركة الإنصاف، بزعامة عمران خان، القضية مراراً، بل باتت من بين أهم شعارات رئيس الوزراء الباكستاني الحالي، إلى جانب محاربة الفساد قبل أن يصل إلى سدة الحكم.
وبعد أن فازت حركة الإنصاف في الانتخابات التشريعية التي جرت في الـ 25 من شهر يوليو/ تموز الماضي شدد زعيم الحزب ورئيس الوزراء الحالي، عمران خان، في خطابه الأول، على أنه سيخرج لقمة عيش الباكستانيين من أفواه السياسيين الذين هرّبوا الأموال ونقلوها إلى الخارج، مؤكدا أن أموالا طائلة أخرجها كبار السياسيين إلى خارج البلاد، وفي بعضها اشتروا العقارات. وكان خان قد ذكر مراراً أن السياسيين يغسلون الأموال من خلال التجارة وشراء العقارات في دبي.
لم يكن عمران خان وحزبه حركة الإنصاف الوحيدين اللذين كانا يثيران قضية نقل الأموال إلى الإمارات، بل إن القضية أثيرت أكثر من مرة في آخر أيام حكومة حزب الرابطة قبل إجراء الانتخابات، وفي الغالب كان أعضاء البرلمان المنتمون لحركة الإنصاف يفعلون ذلك، وعلى رأسهم وزير المالية الحالي أسد عمر.
وبعد اعتقال نواز شريف، على خلفية تهم بالفساد، واصل السياسيون رفع قضية غسيل الأموال، حتى تولى عمران خان منصب رئيس الوزراء ووعد في أول خطاب له بمطاردة الأموال خارج البلاد، لا سيما تلك التي تم تهريبها إلى الإمارات ولندن.
الإعلام يساهم
ليست الحكومة والمؤسسة القضائية وحدهما من أعادا القضية إلى الواجهة، بل ساهمت كذلك وسائل الإعلام فيها، خاصة غير المنحازة للأحزاب السياسية، إذ دعمت سياسة الحكومة، كما وجهت انتقادات لاذعة إلى كل من حكومة نواز شريف السابقة وحكومة دولة الإمارات، وقد وصف بعضها مدينة دبي بـ "جنة لمهرّبي الأموال وغسلها"، كما فعلت صحيفة دان، المشهورة الصادرة باللغة الإنكليزية بتاريخ 18 من شهر يونيو/ حزيران الماضي تحت عنوان: "مدينة دبي ملاذ وجنة لغسيل الأموال".
الصحيفة ذكرت، نقلاً عن مصدر في مجلس الأعلى للإيرادات، أنها تلقت تفاصيل بشأن باكستانيين لديهم عقارات غير معلنة في الإمارات. وأكدت الصحيفة أن الإدارة بصدد إجراء تحقيقات شاملة في القضية، بالتنسيق مع مؤسسات الدولة المعنية.
بينما رأت بعض وسائل الإعلام فتح القضية بداية خير للحكومة الباكستانية. في هذا الصدد قال الكاتب المشهور رانا زاهد إقبال، في مقال له بصحيفة "ناي بات"، إن "تهريب الأموال من باكستان شكّل حالة من الإرباك في البلاد، وإن استرداد تلك الأموال أمر لا بد منه، وإذا استطاعت الحكومة أن تفعل ذلك، فذلك سيكون نجاحاً ليس من بعده نجاح".
في مقابل ذلك، رأى بعض المحللين أن قضية مطاردة الأموال أمر غير ممكن. وفي هذا الصدد قال مزمل أسلم؛ الخبير الاقتصادي، في حديث له مع بي بي سي الأردية، إن "دول المنطقة القوية حاولت أن تطارد غسيل الأموال في الخارج ولكنها فشلت، وبالتالي هذا أمر شبه مستحيل".
فيما اعتبر آخرون أن الأمر ممكن، ولكن هناك عقبات كبيرة في وجهها. كذلك قال وكيل وزارة المالية السابق وقار مسعود خان، في تصريح صحافي له، "في العموم أمر مرحب جداً، ولكن توقعات النجاح هشة جداً، إذ إن في طريقه عقبات كبيرة".