تنوي السلطات المصريّة نقل الباعة الجوّالين إلى أماكن جديدة، ما يهدّد بقطع أرزاقهم على غرار ما حدث عام 2014، حين اضطرّ باعة جوّالون إلى الانتقال إلى أسواق جديدة لا ناس فيها
على الرغم من فشل الحكومة المصريّة في نقل الباعة الجوّالين والأسواق الشعبية، وخصوصاً الموجودة في العاصمة القاهرة، إلى عدد من الأماكن الأخرى مثل الترجمان وأحمد حلمي، التي كلفت الدولة ملايين الجنيهات، تتجه لجنة الشؤون المحلية في مجلس النواب المصري برئاسة أحمد السجيني، بناءً على طلب من الحكومة، إلى مناقشة ضرورة نقل عشرات الأسواق في المحافظات إلى مناطق أخرى، من خلال توفير أماكن بديلة. والتركيز هو على أسواق القاهرة مثل العتبة، وعين شمس، والزاوية الحمراء، والمطرية، وأسواق شوارع بولاق الدكرور. والحجة أن تلك الأسواق تُحدث الفوضى وتعوق حركة المرور.
وأثبتت تجربة نقل عدد من الباعة الجوالين والأسواق إلى منطقتي "الترجمان" و"أحمد حلمي"، فشلها عام 2014، عندما أصرّ محافظ القاهرة في ذلك الوقت جلال مصطفى السعيد على ضرورة نقل الباعة، ومئات البسطات التي كلّفت الدولة أكثر من مائة مليون جنيه (خمسة ملايين و983 ألف دولار)، لتصبح خارج نطاق الخدمة بعدما هجرها الباعة تاركين بسطاتهم، وتوجهوا إلى أماكن تجمعات المواطنين أمام محطات المترو وداخل شوارع وسط البلد، أملاً في تعويض خسائرهم من تجاربهم الفاشلة. وتحوّل المكان الذي خصصته محافظة القاهرة للباعة إلى مأوى للكلاب والحشرات، ليستمر مسلسل القط والفأر بين شرطة المرافق والباعة الجوّالين.
وعلى الرغم من عدم وجود أرقام دقيقة حول عدد الأسواق العشوائية في مصر، تشير البيانات إلى أن عددهم يقدر بنحو 1200 سوق عشوائي، تمتلئ بكل ما تشتهيه الأنفس من أغذية وسلع وملابس بأسعار رخيصة تناسب كل الفئات لإرضاء الجميع. وفي محافظة القاهرة نحو 164 سوقاً عشوائياً، في وقت يصل عدد الأسواق العشوائية في الجيزة إلى 83، وإجمالي عدد الباعة إلى 6 ملايين. ونُقل 1700 بائع من وسط القاهرة إلى سوق الترجمان، و565 بائعاً إلى سوق أحمد حلمي خلال السنوات الأخيرة.
أحد التجار في وسط القاهرة ويُدعى محمد عطا، اتهم الحكومة المصرية بأنها وراء انتشار الحرائق التي تشهدها منطقة وسط القاهرة، وخصوصاً "العتبة - الموسكي - الرويعي"، بهدف إخلاء الباعة من تلك المنطقة التجارية المهمة على مستوى المحافظات، وتقديم دلائل على أنها منطقة خالية من أي حماية مدنية، في وقت تؤكد الحكومة أن الأسواق الأخرى التي تطلق عليها أسواق حضارية تفتقر لكل وسائل الحماية المدنية. ويشير إلى أن محالّ وسط البلد يعمل فيها آلاف الشباب ممن لديهم عائلات، فضلاً عن الضرائب التي يتم دفعها سنوياً وتقدر بمليارات للحكومة، منوّهاً بأن الحكومات المصرية فشلت في التعامل مع الباعة الجوالين، وما يحدث هو إهدار لملايين الجنيهات على أسواق خالية من الباعة.
ويقول أحد الباعة الجوالين ويدعى فتحي مدكور، إن "نقل الأسواق الشعبية والباعة تحت إشراف محافظ القاهرة السابق جلال مصطفى السعيد عام 2016 فشل ولم يحقق أهدافه. وما يحدث حالياً من تجديد للموضوع مرة أخرى من قبل الحكومة يعدّ مضيعة للوقت وإهداراً للمال العام. كما أن أسواق الترجمان وأحمد حلمي، التي تم نقل الباعة إليها منذ أكثر من خمس سنوات، تحوّلت إلى خربة وقد هجرها التجار. والغريب أن الحكومة تجاهلت ما يعانيه التجار من مشاكل في الأسواق البديلة، وعادت لتنادي بنقل الباعة لأسواق ترى أنها حضارية".
ويوضح مدكور أن الباعة الجوالين يفوق عددهم الستة ملايين، وينتشرون في كل مكان في الشوارع الرئيسية والفرعية والميادين، ودائماً ما يرفعون شعار "عسكر وحرامية" مع الحكومة بسبب مطاردتهم، ولا ملجأ لهم سوى الشارع لكسب قوت يومهم. يضيف أنهم قوة اقتصادية كبيرة في السوق المصرية، و70 في المائة يمثلون الشباب، و50 في المائة يحملون مؤهلات عليا، لافتاً إلى أن أسواق الترجمان وأحمد حلمي ليسا أول وآخر التجارب الفاشلة التي خططت لها الحكومة في الأعوام الماضية، إذ أنشأت محافظة القاهرة سوق حلوان وتوشكي في منطقة حلوان وفشلت في ذلك، مطالباً الحكومة بضرورة قوننة أوضاعهم لا مطاردتهم.
وتسبّبت مطاردة الباعة الجوالين من قبل شرطة المرافق في الشوارع، والخسائر الكبيرة التي تكبّدوها بنقلهم لأسواق بعيدة، بحدوث مشاكل اجتماعية داخل أسرهم، بسبب عدم القدرة على الإنفاق، ما أكده محمد عبد الستار وهو بائع. يقول: "طُردت من المنزل بسبب عدم قدرتي على سداد الإيجار أشهراً عديدة. وهجرتني زوجتي بسبب عدم وجود مصدر رزق لي، وتركت خمسة أطفال في مراحل تعليمية مختلفة، وتعرضت لخسائر مالية ضخمة بسبب ضعف الإقبال على سوق الترجمان. وعلى الرغم من استغاثات الباعة في السوق، لم يهتم المسؤولون لأمرنا".
ويقول الحاج سيد أحمد: "نعاني منذ قدومنا إلى سوق الترجمان. أوضاعنا تزداد سوءاً يوماً بعد يوم. فقررنا جميعاً إغلاق البسطات الخاصة بنا، وانتقلنا للعمل في الشوارع من مكان إلى آخر، لكسب لقمة العيش. كما أن مناقشة الحكومة لهذا الأمر من جديد يؤكد أن الباعة سيثورون ويضربون في الشوارع". يضيف علاء سعد وهو بائع، أنه تم تخصيص بسطة له في منطقة أحمد حلمي خلف محطة السكة الحديد عام 2014، مشيراً إلى أنه "على الرغم من الحركة في المحطة، الإقبال يكاد يكون منعدماً. وبعد الافتتاح والهيصة التي حدثت، قررت إغلاق المكان بعد ستة أشهر". الأمر نفسه تكرر مع كل التجار، وتحوّل المكان إلى صحراء. ويشدد على أن عودة مناقشة الموضوع مرة أخرى وإنشاء أسواق جديدة للباعة من دون تخطيط وعائد فعلي، إهدار للمال العام. ويطالب بمحاكمة كل من ساهم في تلك المشاريع الفاشلة.