فرض واقع الاحتلال الإسرائيلي على الطّفولة دورًا يفوقُ البراءة والخُطى، وعلى الأبوّة والأمومة أدوارًا من الكفاح والثبات. لا تكادُ تغيبُ صورةٌ حتى تحضر أخرى أشدّ حُرقة وأعظم ألمًا. لا يكاد يَخفتُ نداء طفلٍ فلسطيني يُناجي الإنسانيّة: "أن دثّريني"، حتى يَحضرُ طفلٌ آخر يُتمّ النداء برسالة الموت والرحيل.
منذُ النّكبة عاش الشّعب الفلسطينيّ أهوال الحربِ والتهجيرِ والشّتات، وخاض بعدها كفاح المرحلة مقاومًا في كل بلدٍ وبيتٍ وعائلة، فقدّم في سبيل الكفاح المميت والبقاء على الأرض، شبابه وأطفاله ونساءه، ولم يبخل! لم تغب صورة الطفل الشهيد محمد أبو خضير الذي هزّ عرش الإنسانية حتى حضرت صورة الشّهيد علي الدوابشة ووالده سعد اللذين استشهدا حرقًا حين تعرض منزلهم في عتمة الليل للحرق على يد مستوطنين، يقطنون مستوطنة مجاورة لقريتهم "دوما".
لم يكن في يد أبو خضير حجر أو على كتفه بندقيّة، إنّما حمل القدسَ هوية. ولم يَنم عليُّ على صدرِ دبابةٍ إنّما كان رضيعًا آمنت أُمّه بالمهد كما آمنت مريم العذراء وأمُّ موسى من قبل. لكن يد العنصريّة والوحشيّة واللا إنسانيّة قد امتدت وغمست كفّها بالدمّ؛ ليؤكدّ الموت للفلسطينيّ بعد سبعة وستين عامًا أنّه أرحمُ وأجلّ من عنجهيّة الاحتلال وتخاذل السلطة وشفقة العالم المصطنعة.
هل كان عليُّ سلاحًا ليُلقى بعد معركة؟ هل كان والدهُ بندقيّة ليسقط بعد نفاد الذخيرة؟ أم أنّ سقوط البنادق عن أكتاف الرّجال في الضّفة كان شيئًا من اللا ثمن، وإلّا فماذا يكون فقدان الأمن والأمان بين أحضان العائلة للفلسطينيّ الذي ألقى سلاحه في سبيل التفاوض السّلميّ.
يعلم الاحتلال علم اليقين أن وجود المستوطنات وانتشارها بمحاذاة الأراضي الفلسطينيّة يحمل في خباياه انتهاكات وتجاوزات على شاكلة سلوكيات عنصرية ووحشيّة، تحدث عشرات حوادث الدّهس المتعمدة من قبل المستوطنين راحت ضحيتها في الآونة الأخيرة الطفلة إيناس دار خليل ابن الخمس سنوات. تعامل الاحتلال المُستخف مع مثل هذه السلوكيات المتطرفة وعدم اتخاذ آليات الردع التي يوظفها على الفلسطينيين يدفع المستوطنين المتطرفين إلى الانجراف التام في حلقة الاعتداءات الوحشية.
الجلّاد لا يولد إلا إذا أذعنّا له وأوجدنا له هزيمتنا الداخلية لتخدم مخططاته، وبهذا تكون السلطة الفلسطينيّة شريكة للاحتلال في مثل هذه الاعتداءات المتكررة، إنّ أمن الفلسطينيّ الأعزل في بيته من مسؤولية السلطة وواجبها. كما أن موقف السلطة على طول الخط كان موقفًا لا يتلاءم أدنى تلاؤم مع حجم ووحشيّة الاعتداءات والانتهاكات الإنسانية التي يتعرض لها الفلسطينيّ منذ سنوات في الضفة.
تحضرنا صورة استشهاد محمد درّة حين بثّتها القناة الفرنسيّة وهو يحتمي بوالده متمسكا بالحياة، وصلت يومها صورة الطفولة التي توسّلت للبنادق أن تغفر لها فلسطينيّتها لصغرِ سِنّها، لكنّ البندقيّة لم ترحم وصار الشهيد محمد درّة أيقونة الأب والابن في الواقع الفلسطينيّ مع بدايات الألفية الثانية، دفع درّة ثمن الشّعب الذي رفع الحجر في وجه الدبابة واستحضر البنادق عند أكتاف الرّجال، كان ثمنًا للفلسطينيّ الذي أراد أن يبحث عن الحياة. لكنّ عليّا لم يكن كذلك!
سيصير عليّ ووالده أيقونةً كما صار أبو خضير، لكنّ أيقونتهما تختلف عن سابقاتها التي تحققت في سبيل الحياة لا العيش فحسب. لقد تحوّل الفلسطينيّ في الضّفة بعد أن ألقى سلاحه من الكفاح المُقاوِم إلى الكِفاح المُقاوَم، كان يدفع حياته ثمنًا للسلاح الذي اختاره خطًا ثمّ صار يدفع حياته ثمنًا لعيشِ الخُبز والبقاء آمنًا بين جدران بيت أعزل تراودهُ أحلام كما تراود البيوت البعيدة عن المتوسط!
إنّ قتل الأطفال هو محاولة لوأد القضية في مهدها، كل المحاولات التي استهدفت الطفولة والشباب لم تؤتِ أكلها، ولم تستطع أن تحجب نور القبّة الذهبيّة تسطع فلسطينيتها. يبقى السؤال أين المُستقر، إذا كان هذا الانزلاق الخطر في قيمة الإنسان والطفولة أمام العالم أجمع مُشرّعا بالصّمت!
(فلسطين)
منذُ النّكبة عاش الشّعب الفلسطينيّ أهوال الحربِ والتهجيرِ والشّتات، وخاض بعدها كفاح المرحلة مقاومًا في كل بلدٍ وبيتٍ وعائلة، فقدّم في سبيل الكفاح المميت والبقاء على الأرض، شبابه وأطفاله ونساءه، ولم يبخل! لم تغب صورة الطفل الشهيد محمد أبو خضير الذي هزّ عرش الإنسانية حتى حضرت صورة الشّهيد علي الدوابشة ووالده سعد اللذين استشهدا حرقًا حين تعرض منزلهم في عتمة الليل للحرق على يد مستوطنين، يقطنون مستوطنة مجاورة لقريتهم "دوما".
لم يكن في يد أبو خضير حجر أو على كتفه بندقيّة، إنّما حمل القدسَ هوية. ولم يَنم عليُّ على صدرِ دبابةٍ إنّما كان رضيعًا آمنت أُمّه بالمهد كما آمنت مريم العذراء وأمُّ موسى من قبل. لكن يد العنصريّة والوحشيّة واللا إنسانيّة قد امتدت وغمست كفّها بالدمّ؛ ليؤكدّ الموت للفلسطينيّ بعد سبعة وستين عامًا أنّه أرحمُ وأجلّ من عنجهيّة الاحتلال وتخاذل السلطة وشفقة العالم المصطنعة.
هل كان عليُّ سلاحًا ليُلقى بعد معركة؟ هل كان والدهُ بندقيّة ليسقط بعد نفاد الذخيرة؟ أم أنّ سقوط البنادق عن أكتاف الرّجال في الضّفة كان شيئًا من اللا ثمن، وإلّا فماذا يكون فقدان الأمن والأمان بين أحضان العائلة للفلسطينيّ الذي ألقى سلاحه في سبيل التفاوض السّلميّ.
يعلم الاحتلال علم اليقين أن وجود المستوطنات وانتشارها بمحاذاة الأراضي الفلسطينيّة يحمل في خباياه انتهاكات وتجاوزات على شاكلة سلوكيات عنصرية ووحشيّة، تحدث عشرات حوادث الدّهس المتعمدة من قبل المستوطنين راحت ضحيتها في الآونة الأخيرة الطفلة إيناس دار خليل ابن الخمس سنوات. تعامل الاحتلال المُستخف مع مثل هذه السلوكيات المتطرفة وعدم اتخاذ آليات الردع التي يوظفها على الفلسطينيين يدفع المستوطنين المتطرفين إلى الانجراف التام في حلقة الاعتداءات الوحشية.
الجلّاد لا يولد إلا إذا أذعنّا له وأوجدنا له هزيمتنا الداخلية لتخدم مخططاته، وبهذا تكون السلطة الفلسطينيّة شريكة للاحتلال في مثل هذه الاعتداءات المتكررة، إنّ أمن الفلسطينيّ الأعزل في بيته من مسؤولية السلطة وواجبها. كما أن موقف السلطة على طول الخط كان موقفًا لا يتلاءم أدنى تلاؤم مع حجم ووحشيّة الاعتداءات والانتهاكات الإنسانية التي يتعرض لها الفلسطينيّ منذ سنوات في الضفة.
تحضرنا صورة استشهاد محمد درّة حين بثّتها القناة الفرنسيّة وهو يحتمي بوالده متمسكا بالحياة، وصلت يومها صورة الطفولة التي توسّلت للبنادق أن تغفر لها فلسطينيّتها لصغرِ سِنّها، لكنّ البندقيّة لم ترحم وصار الشهيد محمد درّة أيقونة الأب والابن في الواقع الفلسطينيّ مع بدايات الألفية الثانية، دفع درّة ثمن الشّعب الذي رفع الحجر في وجه الدبابة واستحضر البنادق عند أكتاف الرّجال، كان ثمنًا للفلسطينيّ الذي أراد أن يبحث عن الحياة. لكنّ عليّا لم يكن كذلك!
سيصير عليّ ووالده أيقونةً كما صار أبو خضير، لكنّ أيقونتهما تختلف عن سابقاتها التي تحققت في سبيل الحياة لا العيش فحسب. لقد تحوّل الفلسطينيّ في الضّفة بعد أن ألقى سلاحه من الكفاح المُقاوِم إلى الكِفاح المُقاوَم، كان يدفع حياته ثمنًا للسلاح الذي اختاره خطًا ثمّ صار يدفع حياته ثمنًا لعيشِ الخُبز والبقاء آمنًا بين جدران بيت أعزل تراودهُ أحلام كما تراود البيوت البعيدة عن المتوسط!
إنّ قتل الأطفال هو محاولة لوأد القضية في مهدها، كل المحاولات التي استهدفت الطفولة والشباب لم تؤتِ أكلها، ولم تستطع أن تحجب نور القبّة الذهبيّة تسطع فلسطينيتها. يبقى السؤال أين المُستقر، إذا كان هذا الانزلاق الخطر في قيمة الإنسان والطفولة أمام العالم أجمع مُشرّعا بالصّمت!
(فلسطين)